تأملات مترهلة للزمن في غزة بقلم:ميساء سلامة
تاريخ النشر : 2019-01-31
الكاتبة / ميساء سلامة

كم هو مخيف ان تتأمل تفاصيل الزمن في بقعة صغيرة لا تتجاوز 365كم2، تقف امام من تحبهم فتعرف انك لا تعرفهم ، فمراقبة التقويم على جبينهم أمر مفزع يجعلك تتساءل كيف للتجاعيد أن تجرؤ على اقتحام وجوه أطفال صغار بهذا الشكل المر، و ان يغزو البياض شعر شبابها وهم في مقتبل العمر .
تأمل بارد قد يقودك الي الانفجار كما قال درويش : " الزمن فی غـزة لیس عنصراً محایداً انه لا یدفع الناس إلى برودة التأمل ، ولکنه یدفعهم إلى الانفجار والارتطام بالحقيقة ".
ان كنت في هذا المكان فقط راقب نفسك كل صباح لتعلم الفرق ، وانظر لقلبك ليصدمك بما فيه وارتدي بصيرتك ، واخرج من بيتك لتسمع وجع المارة من الثقوب الصغيرة في الرصيف ، وتمتمات الإحباط المخبأة في فرجة الدكاكين .
ستعلم حقا أننا شعب يصارع الحياة، لدينا الأطفال بلا طفولة ، والشيوخ بلا شيخوخة، والشباب بلا شباب ، لنا تقويمنا الخاص الذي يرتبط بعدد سنوات الحصار و توالي الحروب .
هنا الطريق الي الموت ثوان ، و نحن ملتزمون بالحياة كل المشاهد لا تجعلك تتنبأ بالوقت والاحداث ،ولا تراهن على البقاء؛ ففجأة تنشب حرب ، وتارة هدنة وهنا حصار، احداث تجعل منك صاحب عزاء بلحظات فتفقد صديقا او اخ او زوجا في ثوان ، وقد تخسر اخر منهم لم يسعفه حظه ولا حقه في الحصول على تحويلة مرضية للعلاج ، لا تستغرب كثيرا من انك قد تدفن اعضائك الحية بترا وانت تشارك مسيرة سلمية بتهمة الإرهاب .
قف في أي مكان وتابع بوصلة الزمان مواعيد تختلف ، وطوابير من الساعات المسلوبة أمام البنوك مقابل بضع شواقل هي منح واعانات ، سنوات ضائعة في جدول أسماء فرص التشغيل والبطالات ، شباب تجاوزا الثلاثين بلا عمل او زواج ، أطفال يبيعون احلامهم واوقاتهم على الطرقات ، نساء يكافحن لأجل حياة هي هباء ترد لهن الجميل كما ترد فقاعات صابون الى الهواء هواء ، أكوام من الشهادات والخبرات بلا فائدة تشبه شهادات الوفيات المتراكمة في السجلات .
اعمار لا تخضع لحسابات الشمس والقمر وعدد ساعات الليل او النهار ولا تكترث بخطوط الطول وفرق الساعات بل لنا خطوطنا الحقيقية التي تختلف عن بقاع الأرض و التي تتزامن مع جدول حصص الكهرباء و موعد الرواتب وحصص الكوبونات والمساعدات الغذائية ورواتب جرحى الحروب وغيرها .
هنا نتنفس من لحم الرئة ونكبر اكبر من عمرنا أعمار نتجاوز الكهولة ولم نذق طعم الشباب تذكرني هذه الحياة بقول الرافعي " ابن المرأة العجوز عجوز حتى في الطفولة، وابن الشابة شاب حتى في الكهولة " .
ختاما يمر هنا الزمان و يبقى التساؤل قائم متى نعيش في قطاع غزة حياة كالحياة ..