لحظة قبل أن تضغط الزناد بقلم: ميلاد ثابت إسكندر
تاريخ النشر : 2019-01-26
لحظة قبل أن تضغط الزناد
وقفتُ في حيرتي أرقب الوضع المَرير ، مصريين ضد مصريين، فريق ينادي بشيء وفريق ينادي بآخر ، زحام وصخب وهتافات مُعادية من الطرفين، مشهداً عصيباً يكتنفه الرعب والحزن؛ لما وصل إليه حال بلدي الحبيب، مُهمَتي كانت الفصل بين الطرفين حتي لا تُراق الدماء، وحتي أكون منصفاً في حُكمي: كان هناك طرفاً من الجانبين، هو من اقتحم المشهد عُنوة؛ ليعتدي علي جموع الثوار: المسالمين، العُزل من أية أسلحة، وهذا الفصيل المعتدي لا يعرف لغة الحوار فقد تربيَ علي العنف رغم شعاراته المزيفة عن نبذه.
مُهمَتي في غاية الصعوبة؛ حيث أن هؤلاء المعتدون مسلحون، فصرت أعمل بكل جهد للسيطرة علي الموقف، والامساك بأي فرد أكتشف معه اداة الغدر وسيف الهلاك. الاستياء يعتصرني لما تشهده عيناي في عيونهم، من حقد وكراهية.
أإلي هذا الحد فسدت طبيعتنا البشرية؛ حتي نحمل السيف في وجه من يختلف معنا ؟!. ودون إرادتي سافر عقلي في الزمن القديم إلي مشهد آخر: ليلة القبض علي يسوع، حيث جاء اليهود بجنود وجمع غفير بسيوف وعصي؛ للإمساك به، فاستل بطرس -احد تلاميذه- سيفاً وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع اذنه؛ فانتهره يسوع قائلا: رد سيفك الي مكانه فالذين يأخزون السيف بالسيف يهلكون . ومد يسوع يده ولمس الرجل فعادت اذنه صحيحة كما كانت . هكذا عاش المسيح ينشر السلام والمحبة حتي مع اعدائه والرافضين رسالته . فلماذا لم نتعلم الدرس جيداً ؟! كلنا اخوة في الانسانية ابناء رجل واحد وأمرأة واحدة حتي وان رفض الكارهون . فهي حقيقة واقعة . وفجأة وقع نظري علي رجل اعلي البناية القريبة وبيده قناصة وبلمح البصر تأكدت أنها موجهة لصدري . لا انكر انتابني الفزع وتسمرتُ في مكاني وعيني تحدق في عينه وايقنت ان نهايتي اقتربت . فشخصتُ اليه وصرخت في صمت : لحظة يا أخي قبل ان تضغط الزناد . انا لم أأذيك في شئ ّ فلماذا ستقتلني ؟! ألا تعلم اني أب لطفلين ؟ نعم وما اجملهما !! أمير هو الأكبر وأميرة صغيرتي . كم احبهما . ألا تعلم ان لي زوجة تنتظرني لنتناول الغداء معاً ؟! لقد اتصلت بي منذ دقائق لتطمئن عليَّ . ألا تعلم ان لي أب وأم متقدمين في العُمر وأنا من يرعاهما . سأذهب بعد خدمتي اليوم لأحضر الطبيب لأمي فهي طريحة الفراش . لا أخفي عليك كم تُحبني ,عندما ادق بابها تصرخ في أبي مُتهللة : ( أفتح البابا بسرعة أبنك جه ) فأدخل اليهما ومعي احتياجاتهما اليومية ,وأقبل يديهما فتحتضني أمي حتي اكاد ان اعتصر بين يديها رغم ضعفها وبالكاد اتخلص من حضنها واغسل لهما مما احضرت من فاكهة لأطعمهما . صدقني عند مغادرتي لهما تمتلئ عينيها بالدموع فكم وكم عندما تعلم بمفارقتي الحياة ؟! فأنتظر قبل ان تضغط الزناد . لقد وعدتً ابني بهدية جميلة في عيد ميلاده فلا تجعلني أخلف بوعدي . لا تجعل من زوجتي أرملة محرومة طيلة حياتها من حنان زوجها . لا تجعل من أولادي يتاميَ , لا تحرمني منهما . صدقني احبهم اكثر من نفسي وأحب الحياة كما تحبها أنت . ففكر للحظة قبل ان تضغط الزناد .

*********
قصة كتبها : ميلاد ثابت إسكندر
فنان تشكيلي