المذهب العبثي بقلم: حسين علي الهنداوي
تاريخ النشر : 2019-01-26
المذهب العبثي بقلم: حسين علي الهنداوي


المذهب العبثي:
أولا- التعريف :
العبثية مدرسة أدبية فكرية، تدعي أن الإنسان ضائع لم يعد لسلوكه معنى في الحياة المعاصرة، ولم يعد لأفكاره مضمون وإنما هو يجتر أفكاره لأنه فقد القدرة على رؤية الأشياء بحجمها الطبيعي، نتيجة للرغبة في سيطرة الآلة على الحياة لتكون في خدمة الإنسان حيث انقلب الأمر فأصبح الإنسان في خدمة الآلة، وتحول الناس إلى تروس في هذه الآلة الاجتماعية الكبيرة. وجاءت مدرسة العبث كمرآة تعكس وتكبِّر ما يعاني منه إنسان النصف الثاني من القرن العشرين عن طريق تجسيده في أعمال مسرحية ورواية شعرية، لعله ينجح في التخلص من هذا الانفلات في حياته ويفتح الطريق أمام ثورة هائلة في الإمكانيات ومن التجديد في وسائل التعبير فيتولد لديه الانسجام والفهم لما يحدث. ومما لا شك فيه أن هذا الاتجاه الحداثي هو نتاج المرحلة الحضارية التي تمر بها أوروبا, فهي تعيش في فوضى فكرية عظيمة وضياع كبير وتفكك في المجتمعات والأسر وتشتت في المفاهيم والأفكار إذ لا تجمعهم عقيدة صحيحة ولا يربطهم مبدأ ولا تحكمهم شريعة مستقيمة ولذا كثرت الاتجاهات الفلسفية الناقمة على الواقع والمتمردة على مبادئه وأخلاقه وقيمه وكان من بينها الاتجاه العبثي الذي لم يأت من فراغ بل له جذور فلسفية سبقته كالاتجاه الحداثي التعبيري والسريالي الذي يعد "الأب الشرعي" للاتجاه العبثي وذلك بما يحويه من تجسيد لشطحات العقل الباطن وهلوسة عالم الأحلام الزاخر بالهواجس والآمال والآلام, وكذلك الاتجاه الرمزي لا سيما عند (رامبو) يعد من أصول الاتجاه العبثي كما ذكر ذلك الناقد (ارنست فيش). وقد سمي هذا الاتجاه بالعبثي لأنه يصور في مسرحياته ورواياته وقصصه ومقالاته العبث والضياع, الذي يعيشه المجتمع, ولهذا فإن إنتاجه يسوده العبث والفوضى في الأفكار والمبادئ واللغة التي يتخاطبون بها فكل (إبداعهم) عبث وفوضى ورموز وقد استعانوا بنظرية فرويد وإيحاءاته النفسية والجنسية في عبثهم وتدميرهم
ثانيا- التأسيس وأبرز الشخصيات:
نشأ مذهب العبث في الأدب الأوروبي وانتقل إلى الآداب العالمية المعاصرة بصفة عامة، والدول التي عانت من الحرب العالمية الأولى والثانية بصفة خاصة، وهي الدول التي فقدت ثقتها في مجرد المسلك العقلي المنطقي الذي يمكن أن يدمر في لحظات كل ما يبنيه الإنسان من مدنية عندما تحكمه شهوة السيطرة والتدمير، كما فعل هتلر في الحرب العالمية الثانية. ومن العبث التفتيش عن معنى للسلوك الإنساني، في رأي أصحاب مذهب العبث؛ فإن الآلة التي اخترعها الإنسان قد سيطرت عليه، وأصبح هو نفسه ترساً فيها، مما أدى إلى إحساسه بالعبث والضياع في المضحك المؤلم.
ومن أبرز شخصيات مذهب العبث الفرنسيين:
1- صامويل بيكيت 1906م 000 الرائد الأول لمذهب العبث، وقد ألف في جميع الأشكال الأدبية، ومنح جائزة نوبل عام 1969م.
2- أوجين يونسكو 1912 - 0000 وهو كاتب فرنسي ويعد من أركان مسرح اللامعقول.
ثالثا:- الأفكار والمعتقدات:
يمكن إجمال أفكار ومعتقدات مذهب العبثية الأدبي والفكري فيما يلي:
1- انعدام المعنى والمضمون وراء السلوك الإنساني في العالم المعاصر وذلك نتيجة ما قيل إنه الفراغ الروحي والابتعاد عن الإيمان الذي لا يكون للحياة معنى وغاية بدونه.
2- إن الآلة التي سيطرت على الإنسان في المدنية الغربية، أدت إلى تحلل المجتمع وتفككه ولم يعد هناك روابط أسرية أو اجتماعية.
3- إن تصوير الحياة المعاصرة وما فيها من تشتت وفقدان للرؤية الواضحة ورتابة مملة، وقلق وعدم أمان، يحول الحياة إلى وجود لا طعم فيه ولا معنى.
4- التأثر بآراء فرويد في علم النفس التحليلي وما فيه من إيحاءات وأحلام وخيالات وأوهام.
5- الخوف والرهبة من الكون، وهذا الخوف يقضي على كل تفكير عقلاني متماسك.
6-إتباع أسلوب الألغاز والغموض في التعبير، حيث لا يفهم النقاد ما ينتجون من أدب وشعر.
رابعا- الجذور الفكرية والعقائدية:
تعد مدرسة السريالية الفرنسية الأساس لمذهب العبث، وذلك لما تحويه من شطحات العقل الباطن، وهلوسة عالم الأحلام الزاخر بالهواجس والآلام والآمال. كما تعد المدرسة الرمزية من جذور مذهب العبث وما تحويه من صور مشوشة مضطربة تجمع بين الجمال والقبح والأسطورة والواقع، كذلك فإن آراء فرويد النفسية وما تحويه من إيحاءات وأحلام نتيجة تحليله النفسي للمرضى والمعتوهين تعتبر من الجذور الفكرية لمذهب العبث.
خامسا- أماكن الانتشار:
بدأ مذهب العبثية في فرنسا ثم انتشر في كافة أوروبا والعالم الغربي خاصة.
‘ن العبثية مدرسة أدبية فكرية لا تقيد نفسها بكثير من القيم الإنسانية، ولا ترى أن هناك أي مضمون حقيقي وراء السلوك الإنساني، الذي تحلل في المجتمع الغربي بسبب سيطرة الآلة على مسارات الحياة حتى أنها جعلت الإنسان ترساً في هذه الآلة الضخمة. وقد تأثرت هذه المدرسة بآراء فرويد في علم النفس التحليلي وما فيه من أحلام وأوهام وخيالات، وترى وجوب إتباع أسلوب الغموض والألغاز في التعبير بحيث لا يفهم النقاد نتاج هذه المدرسة التي يقوم فكرها على أساس الخوف من الكون والرهبة منه وهو خوف يقضي على كل تفكير عقلاني. ومع كل ما تقدم فإنها ترجع ضياع الإنسان في الغرب إلى الفراغ الروحي، ولكنها لا تلزم نفسها بأية قيم دينية سلفاً، ولذا وجب النظر إلى نتاجها الفكري بحذر واهتمام.