قراءة ما بعد النصوص تحيلنا إلى قدرة الكاتب على ملامسة هذا الواقع الأليم دون السقوط في فخِّ التقريرية، وهو ما أكدته الكاتبة بديعة زيدان في تناولها للكتاب: "ليثيوم" هي بطاقة تعريف بالمرض، بأسلوب قصصي بعيد عن التوعية الطبية التقليدية. هي قصص خرجت من مرارة الواقع، وحملت تفاصيل كثيرة من زوايا الذاكرة المظلمة للمرضى وذويهم. هي رحلة نخوضها معاً، والحديث من خاتمة هنيدي، وندخل من خلالها إلى عالم يعيش فيه الملايين، مقفلين فيه الباب على معاناتهم مخافة أن تجلب العار والسمعة السيئة.
أما القاص والكاتب مصطفى ديب فقط كتب: تنأى مجموعة "ليثيوم" لتميم هنيدي بنفسها عن التقرير الطبي في عرض هذا المرض، وتختار أن تغوص داخل عالم كل شخصيّة في المجموعة، لتقدّم صورة أكثر عمقًا عنهُ، وسوى أنّ المجموعة تُعتبر الأولى عربيًّا التي تتناول هذا المرض، فهي أيضًا تسجل قيمة فنية خاصة من حيث تركيز المجموعة على تيمة واحدة، وجعل فن القصة القصيرة مشروعًا أدبيًا متكاملًا، لا يرضخ للعفوية والقصص المبعثرة.
كما أن ليثيوم لا تكتفي بوضع أحد أكبر أمراض العصر غرابة والذي يقوم على التقلبات المزاجية الحادة في الواجهة، إنما تتعدى ذلك لتقدم لنا قصصاً فنية رفيعة الطراز، مكتوبة بأسلوب بارع ولتقدم لنا فضلاً عن الاضطراب الذي يحصد الأرواح التي تعيش بقربنا، مادة فنية مكتملة تنطوي على حكايات أليفة وعلى حبكات متقنة وشخصيات استثنائية ومن ثم عوامل غامضة وسرية. ليثيوم تتطابق باحتراف فني واضح مع خارطة النفس وخباياها حيث يختفي بعض الناس بصمت من حياتنا ويذهبون للمجهول قصص تعيش من خلال تناقضات شخصياتها وتنوع ردود أفعالها فـراما التي تعيش عزلتها في حجرة صغيرة منسية من العالم لا تشبه حمدي الذي يبدد المال من دون حساب وياسمين برغبتها المتفلتة لا تقارن برايان الممثلة ذات الأمزجة المتقلبة. قصص متنوعة، ومختلفة عن شخصيات وحيوات تعيش بيننا ومن النادر أن نلتفت لها. لكنهم نحن بكل ما في هذه الكلمة من معنى. هذا ما جعل الكاتب تميم هنيدي يقول في أحد حواراته: تجسد هذه المجموعة إحدى المحاولات القليلة جداً لمقاربة هذا المرض بطريقة أدبية... أحيانًا أجلس إلى نفسي متسائلًا؛ كيف بدأ هذا الشيء الذي لاحقًا أصبح "ليثيوم"؟