معشوق السنجق 11 بقلم:محمد يوسف محمد المحمودي
تاريخ النشر : 2019-01-22
معشوق السنجق 11  بقلم:محمد يوسف محمد المحمودي


معشوق السنجق (11)

محمد يوسف محمد المحمودي

مترجم وصحفي حر

[email protected]

ضاقت نفس محمدٍ به بعد استشعار ضعفه أمام سنجق وخوفه من أن يخسر رهانه عليها. كان يراها - رغم اتقانها لغة العيون التي تريحه - تقيةً ورعة،ً وعاقلةً رشيدةً ومخلصةً صادقة. لم تمض لحظات حتى اهتز الهاتف الخلوي في يده؛ ليجد إخطارًا من فيسبوك عن نشر صديقٍ موثوق فيه خبر قيام عصابات السنجق العسكرية باعتقال ثلاثة من أصدقائهما ليلًا وسرقة منفذي أمر الاعتقال أموال الثلاثة ومصادرة هواتفهم وحواسبهم وحصالات أطفالهم؛ ليزداد حزنًا يفقده الرغبة في أي شيء. وما أن انتهى من قراءة تعليقات بعض المقربين، اهتز الهاتف مجددًا بظهور رقمٍ مجهولٍ على شاشته، فهم بالرد وهو يخرج من بوابة المؤسسة. في الخارج، كان أحمد يتكىء على سيارته؛ مستغرقًا في الحديث مع إيمان التي ارتعدت فرائسها عندما رأت محمد قادمًا نحوهما؛ ظنًا منها أنه يغار من أحمد. لكن محمد، في الحقيقة، يحاول التقاط صوت من يهاتفه ويبحث عن مكانٍ هادىء بعض الشيء. مر محمد بجوار زميله ولم يره، لأنه سمع وقتها صوت رجلٍ يدعي تدينه ويحذره من مضايقة سنجق أو الحديث معها مرةً ثانية. وسأله سؤالًا واضحًا وصريحًا: "هل أتيت تعمل أم تراود هذه وتشاكس تلك؟" عندها أجابه محمد "والله جئت عاملًا ولا أقصر في عملي ولكن ليس عيبًا أن أتزوج خديجتي طالما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم خديجته ولم يقصر في تجارته"، قالها وهو يعلم أنها فلسفة غير موضوعية بالمرة. ورغم ذلك، واصل محمد الحديث متفلسفًا بقوله: "أخبرني ما علاقتك بخديجتي مادمت تحدثني عنها وتدعي أنها تهمك.' عندها سمع محمد تهديدًا ووعيدًا غير مسبوقين، لكنه ابتسم وأغلق هاتفه.

في هذه اللحظة، بدأت مذاقات الغيرة تتوالى في قلب محمد، لكنه ربط على قلبه وخلص إلى حاجته إلى قضاء بعض الوقت مع نفسه ليفكر ويحسم أمره. أنهى أحمد حديثه مع إيمان وسار خلفه ونادى عليه: "أيا محمد انتظر!" من صوته عرفه، فوقف وما التفت حتى لحقه في مسيره كتفًا بكتف وبنفس الوتيرة ودقة الخطوة. بعدها، قال أحمد لمحمد: "ابتعد عن سنجق."

توقف محمد، وابتسم ثم التفت إلى صاحبه وقال له: "ويحك! ماذا تقول؟"، فأجابه أحمد: "سمعت عنها.." فقاطعه محمد دون تردد قائلًا له بغضب: "ما سمعته عنها أمته عندك أو أحضره لي لأقبره بين يديك." ثم قبض محمد بيده على لحية صاحبه وسحبها على صدره وهو يقول له: "تعلم أني حسن الظن ولا أقبل نقل خبر وأفضل أن يطعنني رفيقي على أن أسمع لحديث أحدٍ عنه. إنها عندي في منزلةٍ عظيمةٍ وهي عندي – مهما فعلت ومهما سمعت عنها - مجاهدة كمجاهدي غزة ثبتها الله وإياهم وأعانهم على كل ماكرٍ محاصرٍ، وعميلٍ فاجر وعدوٍ جبان."