البِـــرُّ حُسْنُ الخُــلُق بقلم : الحبيب خميس بوخريص
تاريخ النشر : 2019-01-21
البِـــرُّ حُسْنُ الخُــلُق بقلم : الحبيب خميس بوخريص


*البِـــرُّ حُسْنُ الخُــلُق*

كان النبيّ صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خَلقا وخُلقاً وأكرمهم وأتقاهم، وهو قدوة المؤمنين، والواجب على كل مؤمن فهم سيرته ومنهجه، وطاعته والسير على نهجه، واتباع أقواله وأفعاله وأحواله، قدر المستطاع، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لن يصل أحد إلى ما كان عليه؛ لأنه حاز الكمال والجمال، عليه أفضل صلاة وأزكى سلام.

قال تعالى مادحاً وواصفاً خُلُق نبيّه الكريم صلى الله عليه وسلم: (وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم 4.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: )ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخُلقاً.. فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلقٍ جميل) أهـ .

- قالت عائشة رضي الله عنها لما سُئلت عن خُلق النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قالت: (كان خُلُقه القرآن) رواه مسلم. - عن أنس رضي الله عنه قال: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا) رواه الشيخان وأبو داود والترمذي.

- عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: (أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القُرْآنِ:"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا" الأحزاب45، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ،
وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا (رواه
البخاري.

لقد عَرّف النبي صلى الله عليه وسلم الخُلُق بأنه هو البِّر، عن النَّوَّاسِ بنِ سمعانَ قَال: سَأَلْتُ رسُولَ اللَّهِ ﷺ عنِ البِرِّ والإِثمِ فقالَ:
البِرُّ :حُسْنُ الخُلُقِ، والإِثمُ: مَاحاكَ فِي نَفْسِكَ، وكَرِهْتَ أَنْ
يَطَّلعَ عَلَيْهِ النَّاسُ رواهُ مسلم.

وحُسن الخُلُق يشمل كل المعاني الطيبة النبيلة من أقوال وأفعال وأحوال، مع الله تعالى ومع خَلْق الله، فحُسن الخُلُق مع الله تعالى، هو تلقِّى أحكامه وأوامره بالرضا والتسليم، وحسن الخُلُق مع خَلق الله تعالى، هو كفّ الأذى عنهم، والتواصل معهم بالمعروف، والصبر، ومحبة الخير لهم، والعفو عن المسيء، وطلاقة الوجه، وغيره...،كما قال ابن عمر رضي الله عنه: (الْبِرُّ شَيْءٌ
هَيِّنٌ وَجْهٌ طَلِيقٌ وَكَلامٌ لَيِّنٌ ) رواه البيهقي في شُعب الإيمان.

إنّ النبي صلى الله عليه وسلم حاز كل معاني حُسن الخُلُق، فهو الرحمة المهداة والنعمة المسداة للعالمين، وعلى الرغم من حُسن خُلُقه صلى الله عليه وسلم، فقد كان يدعو الله تعالى أن يُحسّن خُلُقه، ويتعوّذ من سوء الأخلاق.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي، فَأَحْسِنْ خُلُقِي) رواه أحمد وصححه الألباني.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ، وَالنِّفَاقِ، وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ) رواه أبو داود والنسائي.

قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا
عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ( التوبة 128.

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: (قال الحسين بن الفضي لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه قال: "بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ"، وقال: "إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ") اهـ. وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الانبياء 107.

لقد تحققت كل أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم على الواقع، وعايشها الناس، وشهدوا له بها، فقد كان رؤوفاً رحيماً، سهلاً هيّنا ليّنا، لا يُرى إلا مبتسماً، متواضعاً، محبّاً للضعفاء والمساكين، شجاعاً، لا يحب الظلم، ولا يغضب إلا لانتهاك حرمات الله تعالى.

- عن أنس رضي الله عنه قال: (لَقَدْ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، فَوَاللَّهِ مَا قَالَ لِي: أُفٍّ قَطُّ، وَلَمْ يَقُلْ
لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا، وَلا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ أَلا فَعَلْتَ كَذَا) رواه البخاري ومسلم.

- عن عائشة رضي الله عنها قالت:) مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ
يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه مسلم.

- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ
عَلَيْه،ِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ( رواه مسلم.

قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين) آل عمران
159.

إنّ الرحمة في قلب الإنسان دليلٌ على الاتصال والقرب من الله تعالى، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ
فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ
الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ
اللَّهُ) رواه الترمذي وصححه الألباني.

إنّ أكمل المؤمنين إيماناً بالنبي صلى الله عليه وسلم، هم أكثرهم حبّا له، وأعظمهم اتّباعا، له، وأسعدهم بالاجتماع معه، هم المتخلقون بأخلاقه، المتمسكون بسنته وهديه.

- عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ) رواه أبوداود.

- عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ
وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: «المُتَكَبِّرُونَ» رواه الترمذي وصححه الألباني.

- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ ) رواه الترمذي وصححه الألباني.

عن عبد الله بن عمرو عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا( رواه البخاري ومسلم.

سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك، ونعوذ بك من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، ونصلّى ونسلّم على رحمة الله للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

* الحبيب خميس بوخريص*