فن الكلام الصادق (الصوت والتململ) بقلم بكر أبوبكر
تاريخ النشر : 2019-01-19
فن الكلام الصادق (الصوت والتململ) بقلم بكر أبوبكر


فن الكلام الصادق (الصوت والتململ) 
بكر أبوبكر
 

الصوت طاقة ذات قيمة فإذا كان مضمون الكلام يؤثر ب٧٪ فالصوت ٣٨٪ حسب دراسات علم الاتصالات.
ومن النصائح الصحية لتحسين وتقوية الصوت
1- ابتعد عن المثلجات (البوظة)، والماء البارد، او كل ما يؤكل ويشرب بارد نهائيا.
2- يجب الاكثار من شرب الماء الدافئ دائما، وشرب الشاي او مضغ حبات الزبيب، او العسل، لأن الحبال الصوتيه تحتاج الى ترطيب الدائم
3- الأبتعاد عن المشروبات الغازاية لأنها  تؤثر سلبا على الصوت
 
يرى الجاحظ ان أهم صفات الخطيب جهارة الصوت وسعة الفم ورباطة الجأش وسكون الجوارح وقلة اللحظ، وأبشع عيوبه العيّ أو الحصر ثم اللثغة واللحن واللكنة والتشديق والتقعيب والتزيد.
 حيث ان الصوت أيضا بحاجة لتمرين بالنبرة من منخفضة الى مرتفعة، وبالوتيرة من بطيئة حيث لزم الى سريعة، والرنة او النغمة العذبة او الخشنة او المبحوحة، وكلها من الاهمية بأهمية الجمهور وكيفية التآثير فيه ما لا ينسينا الاهتمام بمخارج الحروف دون تقعر اوتشدق.
يقول الشاذلي القليبي[1] عن الشيخ التونسي الفاضل بن عاشور: (ولمّا كانت معرفته بالمجتمع «معرفة نظريّة»- كمـا يقول– فقد أراد أن يفرغها في صيغة أدبيّة، من خلال مشاهد مسرحيّة، كان يقيمها في البيت العائلي، بمعيّة مَن أمكن مِن أقاربه؛ ومُقلـّدا للطريقة المسرحيّة، الرائجة إذّاك، في تضخيم الصوت، وتفخيـم النطـق؛ وكثيرا ما كان يقـوم فيها بدور الخطيـب؛ ويقول، في هذا الشأن، مُتواضعا، «وأحيانا أُلقي فيها ما أزعمه قصائد». ويقول إنّ هذه التمارين أصّلت في نفسه الميل إلى الخطابة، وجرّأته على الارتجال، في ملإ من النّاس)[2]
  في المجال الصوتي هناك من التمارين التي لا تتوقف عند حد النفس العميق والتأمل وعدم ملء البطن قبل الحديث، بل لها من التقنيات الأخرى ما يجعل تعلمها متعة ليست كعذاب المفكر الاسلامي المعتزلي واصل بن عطاء ومشكلته في حرف الراء.
إن غيرت طبقات الصوت والرنة وفق الفقرة بالموضوع المُقال أو التوقيت فلا تغفل عن استخدام الكلمات المألوفة والفقرات المعبرة والجمل القصيرة (لاحظ حكماء العرب في هذا المجال وفنونهم) والعبارات الثلاثية خاصة بالبدء وفي الختام لانها سهلة الحفظ والتمثل.
 وان تكلمت فتكلم بحماسة وبثقة ومن الاعماق،[3] فلا تظن ان الحضور أنبوب مصمت بل هم يحسون بالذبذبات في صوتك وكلماتك ومستوي حماسك كما تحس الحيوانات بالزلازل قبل وقوعها.
ولنختم هذا البند حول الطقوس بقصة ترون فيها مقدار تقدير العرب لشكل الخطبة أوالطقوس المتعلقة فيها، وإن اخذت ملمحا دينيا، حيث يقول: أبوسعيد الآبي في كتابه نثر الدر، القصة التالية:
قال المتوكلُ يوماً لجُلَسائِه: أتعلمونَ مَا أولُ مَا عتَب المسلمون عَلَى عثمانَ؟ فقال أحدُهم: نعم. يَا أميرَ المؤمنين، إنه لمَّا قُبض (توفي) النبيُّ عَلَيْهِ السلام قام أبو بكر عَلَى المنبر دون مَقام النبي عَلَيْهِ السلام بمْرقَاة (بدرجة من درجات المنبر). ثُمَّ قام عمرُ دون مَقام أبي بكر بمرْقاة.
فلما وَلي عثمانُ صعد ذروة المنبر، فأنكر المسلمون ذَلِكَ عليه، وكانُوا أرادوا مِنْه أن ينزل عن مَقام عُمر بمَرقاة (بدرجة ثالثة من درجات المنبر).
فقال عبادةُ: يَا أمير المؤمنين. مَا أحدٌ أعْظمَ مِنةً عَلَيْكَ، ولا أسْبَغ معروفاً من عُثمانَ؟!
        قال: وكيفَ. ويْلك!
قال: لأنه صعد ذِرْوة المنبر، فلو أنه كُلما قام خليفةٌ نزل عَنْ مقام من تقدَّمهُ مرقاة (درجة) كنتَ أنت تخطبُ علينا من بئر جلولاء (أو من بئر عميقة).

معدل الكلام والتململ
صوتك بحاجة للتمرين كما هو بحاجة للراحة ولك في الماء الدافيء وِجاء (دواء)، كما في مضغ حبات من الزبيب والتمرن على رفع الصوت وخفضه مرارا.
أنت تتكلم فحاول أن يكون معدل كلماتك لا سريع ولا بطيء، بالاجمال فمعدل الكلام الطبيعي ٩٠ كلمة بالدقيقة.
        ولك ان تعلم ان الناس مما يسمعون منك يتذكرون ٢٠٪ فيما هم يتكلمون بمعدل ١٢٠-١٤٠ كلمة بالدقيقة، وفي المقابل فان العقل يعالج ٥٠٠ كلمة بالدقيقة، ما يعني ان لدى الشخص وقتا كبيرا للتململ، لذا إن لم تجذب الجمهور بكلماتك وصوتك ولغة الجسد فليس لك أن تدخل المجال ولا القلوب الا بعد كثير تمرين وتعب.
       أنت كمدرب وانت كقائد في مجالك وانت ككادر، وانت كمتحدث أساسا يجب ان تتحلى بالمواصفات المسلكية التسعة التالية:
ان تكون دائم البحث والتقصي وان تكون دائم التجدد أيضا، وفي هذا أنت مجدّ وصبور دائم التمرن، غير ملول، أنت الصادق الواثق بذاته الذي يحترم الآخرين كما يحترم ذاته وفي هذه انعكاسية قد ترتبط ب"تأثير بِجماليون"[4] الخاص بالتوقعات ) إقناع الأشخاص بقدراتهم الإيجابية، وبالتالي يقومون بأداء أعمالهم بناءً على هذه الأفكار الإيجابية والتي تؤدي إلى النجاح كنتيجة) الى ذلك فكيف لمسؤول أو كادر أوخطيب لا يحترم وقته ووقت الاخرين ويظن ان الناس سيحترمونه!
الاحترام مظهر وجوهر وسلوك تبديه، لذا فهو يُكتسب، ولا يمنح لمجرد أن يقول القائل من الكلام أجمله ومن الشعر أوقعه.
أنت مؤمن بعملك تحترمه وتؤديه بجدية عالية، وفي الختام فأنت تعيش حياتك بتناغم خطوة تتلوها خطوة تصب في بحر إقدامِك، وكايد عدوك باصلاح أخطائك كما يقول المثل العربي، ولنا في قوله تعالى حسن القول (يا آيها الذين امنوا لا يضركم من ضل ان اهتديتم).
 

الحواشي
________________________________________
[1]  سياسي تونسي معروف، شغل منصب الأمين العام للجامعة العربية (1979-1990).
[2]  من مقال الشاذلي القليبي تحت عنوان: الفاضل بن عاشور في ظلال الشيخ والده، في موقع ليدرز بالعربية، ويشيد به الكاتب بحيث أنه يصفه منبهرا به بالقول أن: (ومضات فكره تأخذ الألباب، ونبضات خُطبه تشدّ الأسماع : «جمع فأوعى»، ودانت له اللغة بما رحُبت، واعترف له الجميع بعلوّ الكعب، ورجاحة الفكر، وسحر البيان) مضيفا (وكان للشيخ الفاضل، بالمدرسة الصادقيّة، دروس هي أشبه بالمحاضرات، يستمع إليه تلاميذه في مثل الانبهار. أهمّ ما خلّـفته عندنا ووقر في أنفسنا، ولع شديد بالعربيّة، واستشعار عميق لِجلال حضارة الإسلام) (وكان الشيخ الفاضل رجل المحاضرات اللامعة، المنعشة، التي لا يُجاريه فيها أحد من مُعاصريه. إذا حاضر تسلسلت جُمله، فيضا مُنهمرا، في ارتباط عجيب، بصوت فخم، تتخلّـله أحيانا رقّة، وتعلوه أحيانا بحّة.)
[3]  يقول الصحفي الصهيوني شمريت مئير في صحيفة المصدر العبري 18/11/2018 معلقا على شكل خطاب القيادي في حماس يحيى السنوار: "لا يعتبر السنوار خطيبا قديرا ولا سياسيا متمرسا. فهو إرهابي، فقط. خلافا لهنية، خالد مشعل، ونصرالله، فإن سماع خطابه كان مزعجا. تميّز خطابه بالصراخ، واستخدام لغة الجسد الفظة"، ما يدلل على الحاجة لتمارين واسعة للصوت لكي يكون مقبولا بعيدا عن الصراخ الذي يصل لحد الازعاج، فالصوت نبرة ونغمة وعلو وخفض ودفء الخ، بالطبع مع رفضنا مصطلح ارهابي الذي يطلقه الصحفي الصهيوني على السنوار، ولكنه أصاب حين اعتبر هنية ونصر الله خطباء ذوي قدرة ما نتفق معه فيه.
[4]  "تأثير بجماليون" Pygmalion effect ظاهرة يحدث فيها أنه كلما زادت النتائج المتوقعة من الأشخاص (غالباً طلاب، تلاميذ أو موظفين) كلما زادت النتائج الإيجابية لأدائهم. سمي هذا التأثير نسبة إلى مسرحية بجماليون للكاتب جورج برنارد شو (الموسوعة الحرة)