الحكام العرب في رحلة الشتاء والصيف بقلم د. منصور محمد الهزايمة
تاريخ النشر : 2019-01-16
الحكام العرب في رحلة الشتاء والصيف
د. منصور محمد الهزايمة
تبدو صورة "الزعيم" العربي -كما الكتابة عنها- مستفزة، خاصةً حين يذهب إلى الغرب أو الشرق في رحلة الشتاء والصيف، فهو يبدو كمن يذهب في مهمة خاصة وعاجلة، لكن ما يستفزنا أكثر هو الترحيب الذي يلقاه في حجته الرسمية، فهم يحتفون به كما لو أتاهم بما لم يأت به الأوائل، أو كمثل هدهد قوم بلقيس العائد بالحجة والبينة، لكنه يحتاج -طبعا- لختم سليمان، وهو بدوره يبدي من الكياسة واللياقة ما ليس فيه، أو ما لم يره شعبه منه أبدا، مما يستثير الاستخفاف حقا.
يذهب الزعيم الموسوم بشتى ألقاب العظمة في إعلامنا، ليقدم هناك تقريرا مفصلا عمّا يقوم به من أعمال جليلة، بهدف المراجعة والتثبيت، وبالتالي يتغنى بمحاربة الإرهاب، ومنع الهجرة، ومساندة السلام الإقليمي والعالمي، فنجد أنه يسعى لمقابلة الرسميين من أي مستوى، ليبدو أنه أقل من أقلهم، وبدورهم ينفخون فيه كما الفقاعة.
ما يدور بين الطرفين يجعلنا ندرك أن الاستعمار لم يغادر بلادنا أبدا، بل ترك له قدم "صدقٍ" لدينا، تضمن له الغلبة والهيمنة لقرون، فهم عملوا على كل ما يحقق لهم مكرهم، وغاياتهم، لكن بتكاليف وخسائر أقل، وذلك عن طريق وكلاء اختاروهم بعناية، وهؤلاء رضوا بمقايضة الكرسي بالخيانة.
كثيرا ما شاهدنا حكامنا في غرف الغرب البرلمانية خاصة، يحظون بالحفاوة والترحيب والتصفيق، كما لو كانوا يتمتعون بحكمة سليمان، وفي حقيقة الأمر، يُعامل هؤلاء على أنهم دكاترة، ومرضى سلطة، يغرّهم الثناء، وتبقى سياساتهم مرتبطة دائما بما يرعى مصالح الأسياد في بلادنا، مقابل السكوت على ما يُغريهم بنهب أو نهش الأمة. وصدق إبن خلدون إذ يقول "حكم الطغاة للأعداء مجلبةٌ والظلمُ من قدمٍ للظلمِ جلاّبُ"

من أطرف ما قرأت عن هذه العلاقة بين حكامنا ومسئولي الغرب، أن الرئيس في الغرب يستأذن الحاكم العربي أن يخاطبه بالفخامة والجلالة والسمو، لكنه يطلب من الحاكم العربي أن يناديه باسمه دون ألقاب، في تأكيد على فهم نرجسية العربي، وأن غايته الالتصاق بالكرسي، فيمرر مصالحهم على أمته وشعبه بكل خفة.
كم تبدو صورة الحاكم لدينا متناقضة حد السخرية والأسى؟!، فيظهر بين أبناء شعبه كالطاووس الذي ينفش ريشه، ليس لإظهار الجمال، بقدر ما هي اللوثة والعنجهية، لكنه لديهم يبدي تواضعا مذموما، ينم عن الانكسار والذلة، ويبدي من الكياسة ما يثير إعجابهم، واشمئزازانا، في عين الوقت، فأضحى هؤلاء عبيدا لأهدافهم وأسيادهم.
لو اجتمع مسئول من الغرب من أي مستوى مع حاكم عربي لحقق منه كل ما يريد، حد تغيير ما لا يتغير، لكن في بلادنا لا يجرؤ وزير أو نائب أن يطلب مقابلته، بل سجلت الكاميرا أن "زعيما" عربيا هب بأحد النواب أمام الجمهور بصورة مهينة غير لائقة، ليسأله "من أنت؟!"، لمجرد أن تحدّث بهموم الشعب، وهذا السؤال -كما ما هو معلوم- ليس غريبا من حكام يحكمون أناسا لا يعرفونهم.
أمّا المؤسسات الإعلامية والمدنية والبحثية لديهم فيبدو أنها تميل للإنصاف أكثر من الحكومات، ومن دالة ذلك، عندما يجلس صحفي غربي مع زعيم عربي يُسمح له أن يطرح ما يشاء، بل ويُحرم الزعيم من هواية التنمر، أو حتى الاطلاع على الأسئلة مسبقا، ليس من باب النزاهة، ولكنه الهوان، حيث يجلس الزعيم كما التلميذ المتفاجئ، والمرتبك، يتصبب عرقا، خوفا أن يخطئ الإجابة المرغوبة لدى أسياده.
في حين لو استطاعت وسيلة إعلام محلية أو صحفي عربي أن يصل إلى لقاء الزعيم، فتمارس عليها أو عليه شتى صنوف العنجهية، والتسلط، ويُغرق بالتعليمات، وتُطلب الأسئلة قبلها بوقت طويل، ولو ظهر بعدها ما لا يعجب البطانة تقوم الدنيا ولا تقعد، وربما صار الصحفي نفسه خبرا لا ناقل للخبر، وربما توهب له طاقية الإخفاء لكن بمنشار أو ساطور.
يعيش معظم حكامنا-رعاهم الله- في معظم أقطارنا حالة انفصام، فهم بخضوعهم "للعرش العظيم" أضاعوا هيبتهم لدى شعوبهم، وخضعوا لإملاءات خارجية مهينة، لا يستطيعون الإفلات من تبعاتها، وما عاد الخطاب المزدوج يجدي فتيلا، فالشعوب باتت أكثر وعيا، وإن كان التآمر عليها يظهرها كمن لا حيلة لها.
أمّا أكثرما يُؤمل من أي حاكم عربي اليوم، هو أن يُسلّم جغرافية البلد كما استلمه، لا أكثر ولا أقل.
الدوحة 13/1/19