قرار بقانون بشأن الحماية والسلامة الطبية .. وضرورات الواقع العملي بقلم: المحامي د. إيهاب عمرو
تاريخ النشر : 2019-01-16
قرار بقانون بشأن الحماية والسلامة الطبية .. وضرورات الواقع العملي بقلم: المحامي د. إيهاب عمرو


قرار بقانون بشأن الحماية والسلامة الطبية .. وضرورات الواقع العملي

لا بد من الإشارة إبتداء وقبل الخوض في الإشكاليات العملية للموضوع محل البحث، إلى أن فكرة وجود قانون بشأن الحماية والسلامة الطبية والصحية في دولة فلسطين تعد فكرة خلاقة من حيث المبدأ، لا بل إنه لا بد من تقدير الجهود التي تقوم بها الحكومة الفلسطينية مع الجهات ذات العلاقة على صعيد العمل على إعداد مسودات تشريعات تهدف إلى تنظيم المجتمع الفلسطيني، وإصدارها على شكل قرارات بقانون من قبل سيادة رئيس دولة فلسطين ما يساهم في سد الفراغ التشريعي الناشئ عن عدم قيام المجلس التشريعي بدوره المنوط به نتيجة الإنقسام البغيض منذ أكثر من عقد من الزمان، خصوصاً في ظل التطورات الهائلة على الأصعدة كافة وفي مختلف الحقول ما يبرر إصدار تلك القوانين تأسيساً على حالة الضرورة وفقاً لنص المادة (43) من القانون الأساسي الفلسطيني من أجل مواكبة آخر المستجدات على مستوى التشريعات، آخذين بعين الإعتبار حصول فلسطين على صفة "دولة غير عضو" في الأمم المتحدة منذ العام 2012 ما يبرر أيضاً إصدار قرارات بقوانين تساهم في تنظيم عمل المؤسسات الفلسطينية العامة والخاصة كمؤسسات دولة إستناداً إلى حالة الضرورة المذكورة آنفاً.                       

وقد أثار قرار بقانون رقم 31 لسنة 2018 بشأن الحماية والسلامة الطبية والصحية، كجزء من منظومة التشريعات الطبية والصحية في دولة فلسطين بعض الجدل، خصوصاً من قبل نقابة الأطباء، التي دعت إلى إضراب عام في المستشفيات، مع إستثناء مرضى بأمراض معينة كالكلى والأمراض النفسية وغيرها خلال مدة الإضراب، وهو ما يسجل للنقابة بحق، وما تبع ذلك من إصدار محكمة العدل العليا كجهة إختصاص قضائي إداري قرارها القاضي بعدم قانونية الإضراب المذكور وضرورة وقفه في المرافق الطبية مسببةً قرارها بالقول، من ضمن أمور أخرى، أنه يحظر على المؤسسات الطبية الإضراب، مع إستثناء الإداريين والإداريات العاملين والعاملات في تلك المؤسسات.        
في ذات السياق، قامت نقابة الأطباء برفع طعن أمام المحكمة الدستورية العليا بشأن الإضراب إستناداً إلى المادة (25/4) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 التي تنص على أن الحق في الإضراب يمارس في حدود القانون. ولا يزال الطعن منظوراً أمام المحكمة الدستورية التي لم تصدر قراراً بشأنه بعد.    

ونشر قرار بقانون المذكور في الجريدة الرسمية (الوقائع الفلسطينية) في العدد رقم 147 الصادر بتاريخ 23/09/2018. ونصت المادة (33) منه على أنه يعمل به بعد مرور ثلاثة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية "الوقائع الفلسطينية".                                                                                          
وتتخلص أهم إعتراضات نقابة الأطباء، كما أشار لها نقيب الأطباء أثناء لقاء على فضائية معاً مؤخراً، في وجود تعديلات على مسودة القانون الذي قام مجلس نقابتها بالتوقيع عليه، أهمها ما يتعلق بحذف البند الخاص بالمسؤولية الجزائية  للطبيب/ة  من مسودة القانون المذكورة حال إرتكابه/ا خطأ طبي. كذلك، اعتراضه على موضوعة المسؤولية الجزائية حال إرتكاب الطبيب خطأ طبي، بعد قرار اللجنة الفنية الطبية المختصة المشكلة لهذا الغرض، والتي بين قرار بقانون سالف الذكر في المادة (14) منه آلية تشكيلها وممارسة عملها، ما يعني، من وجهة نظره، إيقاع عقوبات جنائية بحق الطبيب حال إقامة دعوى جزائية وصدور حكم بحقه بشبهة الخطأ الطبي كالحبس، خصوصاً في ظل عدم وجود مسؤولية على عاتق المؤسسة الطبية في حالة عدم توافر الإمكانيات المادية والبشرية داخل تلك المؤسسة.                                                        

ونصت المادة (15) من ذات القرار بقانون على أن من صلاحيات اللجنة الفنية تقديم الخبرة الفنية في الشكوى بناءً على طلب النيابة العامة قبل إقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة. وكذلك، تقديم الخبرة الفنية بناءً على طلب المحكمة المختصة أثناء نظر الدعوى. وقامت المادة (19) منه بتعريف الخطأ الطبي بأنه ما يرتكبه مزاول المهنة ويسبب ضرراً لمتلقي الخدمة نتيجة أي من الأسباب التالية: الجهل بالأمور الفنية المفترض الإلمام بها من كل من يمارس المهنة من ذات درجته وتخصصه، وعدم إتباع الأصول والقواعد المهنية الطبية والصحية المتعارف عليها، وعدم بذل العناية اللازمة، والإهمال والتقصير وعدم بذل الحيطة والحذر. ونصت المادة (24) من منه على عدم جواز توقيف الطبيب بجرم إرتكاب خطأ طبي أثناء مرحلتي التحقيق والمحاكمة، إلا بعد صدور حكم قطعي من المحكمة المختصة، على الرغم مما ورد في أي قانون آخر بهذا الخصوص.   
وطالب نقيب الأطباء أثناء لقاء مع جريدة "الحياة الجديدة" بتاريخ 09/12/2018 بضرورة وجود بند في القرار بقانون يلغي تطبيق المواد 343، 344 من قانون العقوبات ساري المفعول لسنة 1960 (اللتان تتناولان  القتل غير المقصود والإيذاء غير المقصود) كون تلك المواد تجعل من الطبيب عرضة للحبس في حالة حدوث أي خطأ طبي.      

ومن خلال دراسة بعض نصوص ذلك القرار بقانون ذات العلاقة، يمكن ملاحظة أنها حققت نوعاً من التوازن بين حق المريض في العلاج وإجراء العمليات الجراحية في بيئة صحية ملائمة ونظيفة من قبل أطباء مؤهلين ومتخصصين وقادرين على إجراء العمليات الجراحية، خصوصاً المعقدة منها، من جهة، وبين حق الطبيب في الحماية القانونية عند مزاولة أعماله وعدم مسائلته إلا في حالة ثبوت خطأ طبي يتم تقريره من قبل المحكمة المختصة، بناءً على تقرير الخبرة الفنية الصادر عن اللجنة الفنية الطبية المختصة، من جهة أخرى.              

ومع تقديرنا البالغ لدور الأطباء الفلسطينيين عبر مراحل تاريخ النضال الوطني الفلسطيني وجهودهم الخيرة في خدمة المجتمع الفلسطيني في الوقت الراهن والتي لا يمكن إنكارها حيث إنهم مصدر فخر وإعتزاز لنا جميعاً، إلا أنه لا يعقل أن يبقى المرضى عرضة لإهمال طبي معين من قبل بعض المؤسسات الطبية أو من قبل بعض الأطباء غير المؤهلين وغير المتخصصين أو المهملين أو ممن يحملون شهادات جامعية قد يوجد شك في صحتها وقد تكون مزورة، أو ممن يقومون بإستغلال المرضى من أجل ضمان مراجعتهم لهم لفترة طويلة ولو على حساب صحة المريض/ة ووضعه/ا المالي والعائلي والنفسي.          

ويحضرني في هذا السياق أكثر من حالة نتجت عنها وفيات أو جروح بليغة نتيجة أخطاء طبية أو وجود شبهات بأخطاء طبية. وأتذكر كذلك وفاة شقيقتي رحمها الله أثناء عملية ولادة قيصرية في إحدى المستشفيات العربية في العاصمة القدس، حيث أبلغتني والدتني التي كانت ترافقها أنها لاحظت أن الطبيبة المشرفة على العملية كانت تنقصها الخبرة الكافية للتعامل مع أية مفاجآت قد تحدث، وهو ما حدث فعلاً. وأبلغتني والدتي لاحقاً وفاة سيدتين في ذات المستشفى وبذات الطريقة، أقصد من خلال عمليات قيصرية، ما جعلني أتساءل حقيقة عن السبب وراء ذلك، وهل يتعلق الأمر بصدقية حدس والدتي بخصوص الطبيبة المشرفة على هذا النوع من العمليات، أم أن هناك أسباب أخرى مجهولة. ولو كنت مقيماً في فلسطين في تلك الفترة لقمت بمتابعة الموضوع وإتخاذ الإجراءات القانونية ذات العلاقة.    

ومن خلال إطلالة على القانون المقارن، نجد أن معظم دول العالم تنظم موضوعة المسؤولية الجنائية للطبيب حال إرتكابه خطأ عمدي يتحقق بتوافر القصد الجرمي، أو غير عمدي نتيجة تقصير أو إهمال من الطبيب أو من المؤسسة الطبية ما قد يؤدي إلى القتل غير العمدي أو الجرح غير العمدي والذي كان  من الممكن تداركه قبل وقوع الضرر بحق المريض/ة لو تم بذل العناية المطلوبة في تلك الحالات.        

وتنظم القوانين المقارنة تلك الموضوعة "المسؤولية الجنائية للطبيب" في القوانين التي تعنى بالسلامة الطبية أو في قوانين العقوبات. وذلك مرده إلى أن الحق في الحياة، والحق في الصحة، والحق في السلامة البدنية والعقلية والنفسية تعد من الحقوق الأساسية للمواطنين والمواطنات في الدول كافة حيث كفلتها كل من الدساتير والقوانين على حد سواء. وعليه، فإن إخضاع الطبيب/ة المخالف لأحكام قانون العقوبات يعد منحىً أخذت به معظم القوانين العربية كالقانون العراقي، والقانون المصري، والقانون الأردني، والقانون الجزائري، وبعض القوانين الغربية كالفرنسي مثلاً.