مسجد قبة الصخرة "أيقونة الجمال بالقدس" بقلم:هدى الزريعي
تاريخ النشر : 2019-01-16
مسجد قبة الصخرة "أيقونة الجمال بالقدس" بقلم:هدى الزريعي


مسجد قبة الصخرة "أيقونة الجمال بالقدس"

مسجد قبة الصخرة من أعظم الإنشاءات الهندسية في عهد الدولة الأموية أمر الملك عبد الملك بن مروان كلا من رجاء ابن حيوة ويزيد بن سلام ببنائها، منذ حوالي 1330 عاماً.
خطأ شائع
يظن كثير من الناس أن القبة الصخرة هي المسجد الأقصى، ويرجع سبب هذا الخلط إلى تركيز الاعلام على صورة قبة الصخرة عند ذكر المسجد الأقصى، في محاولة صهيونية لتضليل الإعلام الغربي والعربي للأسف.
المسجد الأقصى يقع شرق مدينة بيت المقدس، وحدوده معرفة بأربعة جدران، وتقدر مساحته ب142000متراً مربعاً، يحوي داخله عدة مباني منها مسجد قبة الصخرة. أما مسجد قبة الصخرة فهو ذلك المسجد ذو القبة الذهبية، ويقع تقريباً في وسط المسجد الأقصى، فهو بالنسبة للمسجد الاقصى كالقلب بالنسبة لجسم الإنسان، وتبلغ مساحته تقريباً 1.75 دونماً، وسبب تسميته وجود الصخرة المشرفة داخله.
بناءه
في عام 685م قرر عبد الملك بن مروان استبدال ظلة الخشب التي فوق الصخرة -والتي كانت قد  وُضِعَت بأمر من عمر بن الخطاب رضي الله عنه- ، واشترط أن يعكس البناء عظمة الإسلام والدولة الاسلامية، وكلف لهذا الأمر كلاً رجاء بن حيوة من بيسان وهو من جلة التابعين وقد وصفه الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء بالإمام القدوة والوزير العادل، ويزيد بن سلام من موالي مدينة القدس، وقد رصد خراج مصر سبع سنين للإنفاق على بناء القبة، وهو ما يقارب الـ15 مليون ديناراً ذهبياً، كان قد زاد منها 100ألف دينار بعد انتهاء البناء في عام 691م، وقد كتب أمير المؤمنين بإعطاء المال لرجاء بن حيوة ويزيد بن سلام، فكتبا إليه "نحن أولى أن نزيده من حلي نسائنا فضلاً عن أموالنا، فاصرفها في أحب الأشياء إليك"، فكتب إليهما بأن تسبك وتُفرغ على القبة، ومن هنا أخذت القبة ذلك اللون الذهبي المميز.
التصميم الهندسي لقبة الصخرة
يتكون مسجد قبة الصخرة من 3 إطارات مركزية، الإطاران الخارجيان ذوات شكل ثماني، أما الإطار الثالث فهو ذو شكل بيضاوي، يحوي في داخله الصخرة المقدسة.
وقد وصفها الدكتور المهندس/ هيثم الرطروط في كتابه الرائع -نظرية جديدة لتفسير التصميم والتخطيط الهندسي لقبة الصخرة- كالتالي" يتكون الإطار الخارجي للمبني من 8 أسطح، مشكلة واجهات المثمن، وسماكتها 1.3م، أربعة منها مواجهة للجهات الأربع -الشرق، الغرب، الشمال، والجنوب- ويبلغ طول كل واجهة منه حوالي 20.95م تقريباً مع بعض الاختلافات بالسنتمترات بين أضلاعه –سواء بالزيادة أم بالنقصان-، كما يبلغ ارتفاع تلك الواجهات حوالي 9.5م باستثناء تصوينة السقف التي يبلغ ارتفاعها حوالي 2.6م، وبهذا يصبح الارتفاع الكامل للواجهات الخارجية لقبة الخرة حوالي 12.1م، أما من ناحية الفتحات فتحوي كل واجهة خارجية على 7 أقواس نصف دائرية، اتخذت الشكل المدبب قليلاً بعد كسوتها بالبلاط القاشاني في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني في منتصف القرن 16 الميلادي، واحتوى القوس الأوسط لهذه الواجهات على باب بعرض 2.555م وارتفاع 4.35م، يؤدي إلى داخل المبنى، وعلى جانبي الباب ثلاثة أقواس من كل جهة، والنوافذ الطرفية منها –لجميع الأسطح الثمانية في الواجهات- مغلقة في الأصل. أما الواجهات الأربع الأخرى التي تواجه الجهات: شمال شرق، شمال غرب، جنوب شرق ، وجنوب غرب، فقد احتوت على 7 أقواس غائرة قليلاً تنتهي بأقواس دائرية، خمسة شبابيك من السبعة مفتوحة أما الطرفية فهي مغلقة. وبذلك يبلغ عدد فحات الشبابيك في الإطار الخارجي 40 شباكاً، وانتهت جميع واجهات المثمن الثمانية الخارجية بـ13 كوة على شكل محاريب تنتهي بأقواس نصف دائرية محملة على عمود صغير من كل جانب."
أما بالنسبة للاطار المثمن الداخلي فقد وصفه د. هيثم في كتابه السابق ذكره كالتالي" يرتكز الإطار الداخلي على 8 دعامات ضخمة، و16 عموداً من الرخام ذات تيجان مختلفة الأنماط، بواقع عمودين بين كل دعامتين تنتهيان بأقواس نصف دائرية مغطاة بالفسيفساء، ويبلغ عدد أقواس هذا الإطار 24 قوساً. وقد ارتبطت جميع الأعمدة والدعامات في هذا الإطار المثمن مع بعها البعض بواسطة روابط خشبية وشدادات تقع فوق تيجانها."
ويشير بعض العلماء إلى أن السبب في احتواء المبنى على إطار مثمن آخر هو أن المسافة بين الإطار الخارجي والإطار المركزي كانت كبيرة، مما اضطر المهندسين إلى عمل إطار آخر يقع بينهما.
ويتابع د. هيثم وصفه لتصميم البناء فيقول" يلي الإطار المثمن إطاراً آخر دائري منبعج قليلاً، يقع داخل الإطار السابق، ويرتكز هذا الإطار على عامات ضخمة سمكها 2م تقريباً، تخترق سقف قبة الصخرة وتظهر من الخارج بالإضافة إلى اثنى عشر عمودا من الرخام بواقع ثلاثة أعمدة بين كل دعامتين ينتهيان بأقواس نصف دائرية، وغطيت أجسام هذه الأقواس بالرخام الأسود والأبيض على شكل متتابع في فترة السلطان الناصر محمد مما أكسبها بعض التدبب، وقد ارتبطت الأعمدة لهذا الإطار مع بعضها البعض بروابط معدنية، ويُشكل هذا الاطار فراغاً اسطوانياً يحيط بالصخرة المقدسة من جميع الاتجاهات، كما اخترقت هذا الاطار شبه الدائري 16 نافذة أسفل القبة في المنطقة المسماة رقبة القبة
دلالات تصميم قبة الصخرة
لم يكن تصميم قبة الصخرة عشوائياً بل كان هناك دلالة لكل جزء في هذا البناء العظيم مما زاد من جمال وعمق البناء، ولقد بهرت القبة العديد من العلماء والمستشرقين فقال عنها  غوستاف لوبون: (إن قبة الصخرة هي أعظم بناء يستوقف النظر، وإن جماله وروعته لا يصل إليه خيال إنسان).  ويقول ماكس فان برشيم: (لعل عظمة هذه القبة وجمالها يرجعان إلى ما في تخطيطها وتصميمها المعماري من بساطة وتناسق وإنها لمفخرة العمارة الإسلامية).. ويقول كروزويل (تتمتع قبة الصخرة بأهمية عالمية في تاريخ العمارة الإسلامية، فلقد بهرت بروعتها ورونقها وفخامتها وسحرها وتناسقها ودقة نسبها كل من حاول أن يدرسها من علماء..). ويقول بوركهارت، (إن إشادة بناء بهذا المستوى من الكمال والإتقان الفني في دولة الإسلام التي لم يكن مضى على ظهورها قرن واحد يعتبر أمراً غير عادي)..
أن قبة الصخرة مثمنة الشكل، مبنية على ثمانية أعمدة كبيرة لتحمل القبة المعروفة، وذلك  للتذكير بالآية الكريمة  "وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ"، كما أن الجانب الغربي يحتوي على ثلاثة محاريب متجاورة لتذكرنا بالأماكن الثلاثة المقدسة "مكة والمدينة والقدس" ، أما الجانب الشمالي فنجده يحتوي على 7 محاريب للتذكير بالسموات السبع والأرضين السبع، وعدد أيام الأسبوع، وعند دخولنا للقبة من أي باب نجد أمامنا 5 أعمدة في صفين "ثلاثة أمامية واثنان خلفيان" للتذكير بأركان الاسلام الخمسة، وبالصلوات الخمسة.
ولأهمية الوقت والزمن عند المسلمين، نجد أن البُناة حاولوا اظهار ذلك في تصميمهم، فبنوا أربعة أعمدة كبيرة حول الصخرة لتُذكر بفصول السنة الأربعة، وبين هذه الأعمدة بنوا 12 عمود صغير رخامي ملون لتُذكر بأشهر السنة، وعدد الشبابيك الموجودة في قبة الصخرة المشرفة هو 52 شباكاً على عدد الأسابيع في السنة.
زخارف مسجد قبة الصخرة
من أكثر ما يشدنا لهذا البناء، فلا نستطيع إبعاد أعيننا عنه، تلك اللوحات الفنية من الزخارف والفسيفساء، إن تلك اللوحات المصممة من الزجاج والحجارة الصغيرة، بالإضافة لتمازج الألوان الرائع ليٌعطي الناظر مشهداً هندسياً فنياً خلاباً.
وما يميز العناصر الزخرفية بالمبنى هو دقة صناعتها وانسجامها مع البيئة المحيطة مع الابتعاد عن التصوير، ويرجع ذلك لتحريم الدين الاسلامي للتصوير، لكن هذه المسألة لم تكن عائق أمام الفنان المسلم وابداعه، ودليل ذلك تلك المساحات الكبيرة من الزخارف التي تغطي المبنى من الداخل والخارج، والتي ابدع فيها الفنان المسلم، فنجده قام بتحوير عناصر واقعية كالنباتات والمزهريات والأشكال الهندسية ، حتى الكتابة استخدمها الفنان كعنصر للزخرفة.
ففي النباتات مثلاً نجده استخدم الأشجار والأزهار من البيئة المحيطة بالمكان، كالنخيل والزيتون والرمان والتين واللوز وكرمة العنب وأكواز الصنوبر وفواكه متنوعة موضوعة في سلال وصحون جميلة، عرضها لنا بصورة فنية رائعة بعيدة عن التصوير الواقعي لها، فلقد اتسم الفن الاسلامي منذ نشأته بأنه فن ابداعي وليس فن نقلي يحاكي الواقع، وامتد ابداع الفنان المسلم هنا الى ألوان الزخارف فابتعد عن ألوان العناصر الواقعية، فنجده اختار ثلاثة ألوان أساسية هي الأزرق والأخضر والذهبي، بالإضافة إلى ألوان أخرى ثانوية.
بسبب تحريم تصوير الحيوانات والبشر، اتجه الفن الزخرفي العربي الإسلامي نحو التجريد وتحوير الأشكال والأشياء،  فحيث لا بشر ولا حيوانات، ظهرت الأشكال النباتية، أوراق وأغصان وفواكه وورود وثمار .. وأخذت الطابع الهندسي وعلى أشكال نجميه متعددة الرؤوس تتشابك فيما بينها كتشابك الكون وخالق الكون.
تتوزع الزخرفة النباتية والخط العربي ضمن إطارات وأشرطة هندسية.. وتبدو النوافذ الخمسة في كل من الجدران الثمانية مغشاة بالخزف المفرغ فيما عدا النوافذ الصماء التي غطيت بلوحة قاشانية يتغير موضوعها في كل جدار.. أما القسم السفلي من الجدران على ارتفاع الأروقة فقد غطي بألواح الرخام المجزع بزخارف هندسية بلون بني أو أزرق.
استخدم الفنان هنا عنصر الخط العربي، وهو أحد أهم العناصر المميزة للفن الاسلامي، وقد استخدمه في المبنى لهدفين للتوثيق والتأريخ، ولإظهار مكانة المكان والرسالة التي شُيد المكان لأجلها، فنجده قد نقش على واجهات التثمينات الداخلية والخارجية كلها نصوصاً قرآنية تدل على وحدانية الله سبحانه تعالى، فعلى سبيل المثال نجده نقش على الضلع الجنوبي الشرقي للتثمينة الداخلية (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّج  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)من سورة الأحزاب"56"، وعلى الضلع الشرقي منه (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ) من سورة النساء"171"
أما الزخرفة الداخلية لقبة الصخرة فتعتبر من أجمل ما قدمه لنا هذا الفنان ، فهي مؤلفة من أشرطة تتجمع ضمنها الزخارف الذهبية على أرضية معتمة زرقاء اللون، عليها كتابات قرآنية بالخط الثلث الجميل للآيتين 255، 256 من سورة البقرة (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ  ♦ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
كلما تعمقنا في دراسة وتأمل هذا المبنى، كلما وجدنا أن كل جزئية فيه لها دلالة ومغزى، ولم توضع عبثاً، هذا البناء الذي جمع بين الجمال والعظمة، والذي لا يزال يحير الباحثين في كيفية بنائه.


المسجد الأقصى ومحتوياته