ممارسات في التقويم النوعي بقلم:سلامة عودة
تاريخ النشر : 2019-01-12
ممارسات في التقويم النوعي بقلم:سلامة عودة


ممارسات في التقويم النوعي
لا يختلف اثنان في أن التقويم التربوي لا يقتصر على استراتيجية القلم والورقة وحسب ؛أي أن يكون للاختبارات المقننة لقياس درجة تحصيل الطلبة بعد مرورهم في الخبرة التربوية المكانة الأساسية وعليها يتم قياس تطور الطلبة وتفوقهم ، وإنما هناك مهارات وقيم واتجاهات ينبغي على المعلم قياسها إضافة إلى الاختبارات السابقة الذكر ، فالتربية تنهض على ثلاث مدارس : المعرفية والوجدانية والمهارية أو النفسحركية ، وحتى يتم التلاقي بين هذه المدارس كان التنوع في التقويم تقويم يخص المدرسة المعرفية بالقلم والورقة أي بالاختبارات وأرواق العمل وفق مستويات الطلبة وبعدهم النمائي،لذا دأبت وزارة التربية والتعليم العالي على تنشئة الطالب تنشئة عقلية ونفسية لذا جاء التقويم البديل أو الحقيقي أو النوعي أو الواقعي تعزيزاً ودعماً للتقويم وفق استراتيجية القلم والورقة ، فالطالب في الغرفة الصفية يكون مستعداً للدرس من خلال قراءته المسبقة له ، وإحضار ما يثري الدرس ويعمق مفاهيميه ؛ لذا لا يحرم من هذا الإنجاز الذي قام به الطالب فيخصص له جزء من علامة التقويم النوعي، ولعل مشاركة الطالب في الغرفة الصفية والكشف عن اهتمامه وتوجهاته نحو الدرس المعطى ، والأدب الذي يتجمل فيه ، والاحترام الذي يبديه من خلال السلوك اللفظي أو السلوك الملاحظ من المعلم ، وحل الواجبات الصفية أو البيتية أو المشاركة في الكتابة على السبورة أو محافظته على البيئة الصفية فيخصص له جزء من هذه العلامة ، ثم يأتي الجانب المهاري الذي يقاس من خلال قدرات الطالب على البحث وإعداد الوسائل ، وكتابة التقارير والتحقيقات والمقالات ، ولم يغفل التقويم الواقعي هذا الجانب فقد خصص له جزء من العلامة أيضاً ، ولكن تؤخذ بعين الاعتبار هذه القدرات التي تكشف عن اهتمامات الطالب ، وقدرته على البحث والكتابة من جهة وقدرته على إيصال فكرته من جهة أخرى من خلال السمات الشخصية التي يتحلى بها ، والجرأة التي تمكنه من الحوار والنقاش بالحجة والبرهان وفق آداب الحوار واحترام الآراء التي تختلف معه بحيث يفيد منها في تطوير بحثه أو مشروع عكف على إنجازه.
بالعودة إلى الماضي ، نذكر أن هذا الجانب أي التقويم الواقعي ما كان مغيباً عن أذهان المعلمين ، فهناك عشر علامات مخصصة لهذه المهارات والقيم والاتجاهات ، بيد أن هذه النسبة غير كافية لتقويم أداء الطالب في الغرفة الصفية ، فقد رفعت إلى ثلاثين علامة لأسباب منها :
1-التطور التقني وثورة الاتصالات التي جعلت الطالب يصل إلى مظان المعرفة بمجرد الدخول إلى محركات البحث العلمية من على منصة الشبكة العنكبوتية ، وبالتالي لم يعد المقرر وما يطرحه المعلم المصدر الوحيد للمعلومات .
2-مهارات القرن الواحد والعشرين التي تقوم على الاتصال والتواصل ، الذي مكن الطالب من الاطلاع على شروحات متنوعة للمادة العلمية ، وبالتالي بات التعلم الذاتي يركب الطالب صهوة جواده .
3-والتفكير الناقد بحيث لا يأخذ الطالب المعلومة ويسلم بها ،وإنما يقلب صفحات المعرفة لينقد صحتها ، ولربما توصل إلى معرفة جديدة في ضوئها حصدها من عصارة أفكار الآخرين ،ويخرج بمنتج جديد يعكس رؤيته .
فقد كنا في الماضي نلحظ ذلك عندما كان معلم التاريخ والجغرافية والعلوم يقوم بالمهمة نفسها ، فقد كان الطلبة حريصين على اقتناء دفتر الأنشطة الذي يشتمل على المعلومات الإضافية التي يطلبها المعلم ، ويتابعها مع نهاية الفصل الدراسي ، وأما مكونات هذا الدفتر البسيط :
1-معلومات نأخذها من كتب تتوافر في مكتبة المدرسة ، أو من كتب إخواننا وتتحدث عن الموضوع نفسه .
2-صور لشخصيات تاريخية نبحث عنها في بطون الجرائد ، والكتب القديمة ، ونقوم بلصقها في هذا الدفتر .
3-صور لمعارك في التاريخ .
4-دول وعواصم .
5-خرائط نرسمها بمهارة المربعات ومقياس الرسم ، نرسم المربعات بحجم 3 ملم ، ونكبرها بمربعات بحجم سنتمتر واحد على كرتونة خارجية ( ورق مقوى ) ونرفقها بهذا الدفتر .
أما فيما يتعلق بالمختبر الخاص بالعلوم ، فعند إجراء التجربة يطلب إلينا تسجيل تقرير لهذه التجربة في دفتر يدعى دفتر طبيعة ( ورقة مسطرة والأخرى غير مسطرة لنرسم عليها مكونات التجربة ، وعلى المسطرة نكتب المادة النظرية .
هذه بعض الأمثلة التي تغذي التقويم الواقعي وقتئذٍ .
وفيما يتعلق بالمشاركة يصطحب معه المعلم سجلأً بأسماء الطلبة ، وإذا شارك طالب ، أو أجاب عن سؤال كاشف فاحص يسجل المعلم إشارة (×) بمحاذاة اسمه ، أو قدم نشاطاً مميزاً ، وهذا العمل له دور في احتساب علامة المشاركة بعدالة .
فهذه الأنشطة وغيرها كانت تكشف عن المهارات والاتجاهات لدى الطلبة ، وبالتالي لا نجد فرقاً بين التقويم الواقعي المعمول به حالياً ، وبذور له كان المعلمون يقومون بها .
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان : كيف كانت تفعل التكنولوجيا قبل التكنولوجيا في أيامنا؟ أقول : كان المعلم قد عودنا على آلية احتساب علامات لأسئلة تواكب المستجدات ، ومنها عندما يتحدث عن دولة ما ( ليبيا ، المغرب ، أفغانستان ، الباكستان ) يطلب إلينا معرفة نظام الحكم ومن الرئيس؟ أو الملك الحالي لها ؟، ونظراً لوجود المذياع والتلفاز ( الأبيض والأسود) ننتظر نشرة الأخبار بفارغ الصبر كي نسمع عن الرئيس أو الملك لتلك الدول ، وهل تغيرت العاصمة لتشاد مثلاً ؟ ونفاخر أننا حصلنا على المعلومات ، وعندما يبدأ المعلم الحديث عن دولة ما عهدنا منه السؤال عن الرئيس أو الملك أو العاصمة الحالية ، فالتنافس حليفنا فيمن يقدم المعلومات أولاً ويأخذ علامة يسجلها لنا المعلم في سجل العلامات للمشاركة .
أما الوسيلة المكتوبة التي نبحث عنها فهي الجريدة ( الصحيفة اليومية) وكانت صحيفة القدس لها نصيب الأسد في البحث فيها ، وكأنها محرك الأقراص (جوجل )، ومن يحصل عليها يتباهى بها ، لأنه سيرفد المعلم بمعلومات حصدها من مقالة فيها .
وأخيراً ، التقويم الواقعي شيء مهم للطلبة ، بحيث يقيس المعرفة والمهارة والاتجاه ، فينبغي أن نستثمره في الكشف عن مواهب الطلبة المدفونة ، التي لا يستطيع الاختبار الكشف عنها وحده ، ففئات الطلبة مختلفة في الغرفة الصفية ، منهم المتفوق ، والموهوب ، وبطيء التعلم ، ومنهم من يعاني من صعوبات التعلم ...، ولعل توظيف أكثر من استراتيجية للتقويم تكشف عن المواهب وتساعد هذه الفئات من الطلبة ، فالمجتمع الخارجي هو مجتمع الطلبة في الغرفة الصفية ، فالمجتمع في الخارج يعج بالفنيين من كهربائي وسباك ، وبناء ، ونجار ، ومهندس ، طبيب ، وصيدلاني ... ، وهذه العقول متباينة من حيث التقويمين : التقويم باستراتيجية القلم والورقة ، والتقويم الواقعي ، فلنتعامل مع مجتمع الحياة تعاملنا مع مجتمع الصف أو الغرفة الصفية ، أو الفصل كما يسمى في ثقافات أخرى.