نحو حركة نقابية إعلامية حداثية بقلم هداية شمعون
تاريخ النشر : 2019-01-12
نحو حركة نقابية إعلامية حداثية بقلم هداية شمعون


نحو حركة نقابية إعلامية حداثية

هل الطريق معبد بالورد أم بالشوك أم بالنوايا من أجل تمكين الإعلاميات نقابيا

بقلم: هداية شمعون (*)

كالعادة تماما يلقي كل طرف الاتهامات على الطرف الآخر.. كلاهما محقان.. نقابة الصحافيين والاعلاميات كلاهما على قاعدة الصحة فلكل منهما تقديراته ومنطلقاته... نعم نقابة الصحافيين مسؤولة بشكل كبير على ضرورة تفعيل دور الاعلاميات وإتاحة المساحة المناسبة والفرص لتكون الاعلاميات شريكات حقيقيات في المشهد النقابي

ولكني حقيقة ومن العديد من المؤشرات التي يمكن قراءتها على مدار الأعوام الماضية يحق لي التساؤل أين هن الاعلاميات؟؟ أين قوتهن معا؟! أين صوتهن مجتمعا؟؟ في محطات أخرى بإمكان الاعلاميات أن يقمن بذلك.. حسنا دعونا نفكر في حالتنا الفلسطينية والاستثناء الدائم الاحتلال والانقسام والواقع الراهن.. هل فتح باب الانتساب ممكن الآن؟؟!! هل بإمكاننا أن نغير ما لم تستطع مؤسسات وحكومات تغييره.. هل سيلفظنا الجميع ونعود للتصنيف والاحتساب والأوزان.. هل نحن كإعلاميات نملك خطابا واحدا وهدفا واحدا ورؤية واحدة أو على الأقل لدينا مسار مهني موضوعي متقارب!..

لا يمكننا في المقام الموازي لوم الإعلاميات وغض النظر عن عدم العدالة المجتمعية وإرث طويل من الأوضاع اللامتوازنة للإعلاميات والإعلاميين فأي تغيير حقيقي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تشخيص مهني واعي ويركز على المستقبل من خلال التخفيف من الفجوات وزيادة الدعم المهني للإعلاميات.

كل ما سبق يجب أن يجعلنا نفكر بعيدا عن كل هذه التابوهات الأصل هو اختراقها وتشكيل حالة فريدة لتتقدم الإعلاميات خطوة .. لكني أعود لأفكر بمنطقية ومكاشفة حقيقية.. لماذا لا نفكر ببناء حقيقي قبل اتهام نقابة الصحافيين أو اتهام أنفسنا بالتقصير.!..

وعود على بدء واقع الاعلاميات الفلسطينيات هو جزء لا يتجزأ من واقع المرأة الفلسطينية في مجتمع يجعل من قضايا المرأة دوما معزولة عن القضايا المجتمعية، ويجعلها مسؤولية الإعلامية ويجعلها في المرتبة التالية لكل ما هو سياسي وبالتالي فالإرث طويل ومعقد ومركب وأيضا يتجلى في المعوقات والتحديات التي تواجهها الاعلاميات في مرحلة ما من حياتهن.. وهنالك تحديات ذاتية ومجتمعية وأسرية وسياسية وثقافية ومهنية ...كما أن هنالك فروق فردية لقدرة الاعلاميات على تجاوز هذه المعوقات وهنا نأتي للنتيجة الحتمية في ظل عدم وجود اسناد مؤسساتي نسوي أو مهني للإعلاميات وتصبح الإشكالات وتخطيها فردية وتعتمد على الاعلاميات والبيئة الثقافية التي جئن منها.. هذه الأرضية لا يجب أن نغفلها فهي ما ساهمت في النتيجة الحالية فهنالك مئات الطالبات لتخصصات الاعلام بالجامعات الفلسطينية ولكن عدد العاملات لا يوازي هذه النسب..

ومن هنا نبدأ بالسؤال هل العمل النقابي زرع فحصد أم أنه فقط وقف متفرجا على معركة نضال طويلة عاشتها الاعلاميات ولازلن بعقلية الخلاص والتحرر الفردي رغما عنهن.. وكثيرات من تراجعن وتركن هذه الجبهة لأن يد النقابة لم تمتد لهن فهي تلومهن طيلة الوقت بعدم الاندماج بالأنشطة واللجان والحضور والتواجد الدائم.... مرة أخرى هل فرشت النقابة طريقها بالورد أو بالشوك للإعلاميات.. الحقيقة أن النظام الداخلي يؤكد على تمثيل الاعلاميات بنسبة 35% وهي نسبة يمكن بالتأكيد العمل عليها مبدئيا.. فأين هن من اللجان المشكلة، وهل هنالك افصاح دائم ودعوة للإعلاميات للتقدم والمبادرة والحضور.. ربما أن واقع الانقسام قد تأثرت كثيرا به النقابة خاصة مع منع أي برامج أو فعاليات في قطاع غزة فيما بعد الانقسام السياسي الفلسطيني، ومنذ ما يزيد عن عام أصبح هنالك مقر لنقابة الصحافيين وعادت مرة أخرى لإطلاق التدريبات واللقاءات الإعلامية، وتجاهد في الدفاع عن الإعلاميين والاعلاميات والوقوف بجانبهم، كما أنه مشهود لها بنشاطها في المجال الاجتماعي والأسري للإعلاميات والإعلاميين.

إذن نعود مرة أخرى لسؤال أين الاعلاميات من العمل النقابي الإعلامي؟ لست بصدد وضع أحد في قفص الاتهام لكني أنظر للتشخيص لفهم الآخر، وهنا لا أجد أن الحلول التقليدية والمتمثلة بالدعوة للإعلاميات لبيتهن الإعلامي كافيا فهنالك الكثير من الخطوات المتوقع أن تقوم بها النقابة وألخصها في:

مراجعة النظام الداخلي للنقابة وتقديم مطالب لتمثيل الصحافيات في هيئات النقابة، وأسس ومعايير المشاركة المتوقعة، ضرورة فتح باب الانتساب للإعلاميات، وتحسين شروط العضوية وخاصة في التخصصات التي تشمل الاعلام الحديث، فتح مساحات حوار وتفاكر بين الاعلاميات والإعلاميين من خلال لقاءات دورية، تحسين البرامج والدورات المقدمة مع مراعاة حساسية النوع الاجتماعي، تقديم تدريبات متخصصة ومتقدمة للإعلاميين والاعلاميات حول النوع الاجتماعي وسبل فهم الآخر، استثمار السوشيال ميديا وخلق مساحة حوار دائمة بين الإعلاميين ووصلهم بالإعلاميين على المستوى العربي والدولي، تعزيز النقاش حول اللوائح الداخلية ومشروعات القوانين الفلسطينية الخاصة بالإعلام.

ولتحقيق تفعيل دور الصحافيات في العمل النقابي لابد من التخطيط للأنشطة والفعاليات وفق احتياجاتهن الأمر الذي يتم عبر إجراء دراسات فعلية لهذه الاحتياجات، ومن ثم المطالبة بترجمتها ضمن سياسة واستراتيجيات النقابة في الفترة المقبلة، علينا كإعلاميات أخذ زمام المبادرة في هذا الاتجاه بما يحافظ على حقوقنا في النقابة وعلى مختلف المستويات.

هذا من جهة البناء المتوقع من طرف نقابة الصحافيين، وفي المقابل هنالك ما يتوجب البدء بإعداده بمنهجية واستراتيجية واعية وقادرة على رؤية مستقبل مئات الإعلاميات وجيل شاب بأكمله

لتكون نقابة الصحافيين متحررة من التحكم الحزبي السياسي في أدائها وتوجهاتها ولتصبح قادرة على احتضان الكل الإعلامي معتمدة على المهنية والشفافية والاستقلالية ولتواكب المتغيرات النقابية الإعلامية العالمية، وهنا يأتي دور الاعلاميات فعليا

وفي ظل هذا الإرث فإن التدخلات التقليدية لن تجدي نفعا ولن تصلح الواقع السياسي المستمر والمتمثل بسيطرة السياسي والحزبي على المهني في كل مسارات حياتنا من جامعات ونقابات ومؤسسات وللخروج من رتابة الارتهان أو الاستسلام

بالإمكان أن يكون هناك مكونا إعلاميا نسويا حقوقيا شرعي يستمد قوته من مظلة نقابة الصحافيين، ولا يندرج تحت عنوان وحدة النوع الاجتماعي، بل جسما حواريا يجمع الكل ويشكل جبهة متماسكة قادرة على تقديم خطابا وحدويا نسويا إعلاميا ويمكنه باحتضان الاعلاميات وخاصة الجيل الجديد لتمكينه وتوعيته وتقدير ما يمكن البدء به وبدعم الاعلاميات المخضرمات بالعمل الإعلامي:

المرحلة الأولى: مرحلة المأسسة والبناء على جهود الجهات السابقة:

-          تقديم تشخيص حالي لواقع الاعلاميات وفهم كل العقبات والتحديات التي يواجهنها.

-              إعداد أوراق بحثية متخصصة حول وضعية الإعلاميات الفلسطينيات والعمل النقابي.

-          تجميع الاعلاميات من كافة التخصصات وتقديم تدريبات متخصصة لتعريفهن بالعمل الإعلامي النقابي.

-          المساهمة في حصر ملفات العضوية من قبل الاعلاميات وحثهن على التقدم للانتساب لعضوية النقابة

المرحلة الثانية: مرحلة التشخيص والتكوين لواقع الاعلاميات ودورهن النقابي:

-           إعداد دليل تدريبي متطور حول مقاربة النوع الاجتماعي والإعلام.

-           السعي لإعداد الدليل النقابي للإعلامية الفلسطينية.

-           تنظيم دورات تكوينية في موضوع مقاربة النوع الاجتماعي والإعلام لتمكين الاعلاميات والإعلاميين.

-              تنظيم لقاءات تفاكرية على المستوى الوطني والمؤسساتي حول النوع الاجتماعي والإعلام.

-              تنظيم لقاءات تفاكرية مع المؤسسات الإعلامية ومدراء ورؤساء التحرير للتوعية بمجال النوع الاجتماعي والإعلام.

-          تقديم الوعي والتفاكر الدائم لتعزيز فهم الاعلاميات وخاصة الجيل الجديد بالحقوق والواجبات المتوقعة منهن.

-          تقديم رؤية نسوية حقوقية لحقوق الاعلاميات ولما يمكن أن يقدمنه كمبادرات لنقابة الصحافيين

-          تقديم قراءة نسوية لقوانين النشر والمطبوعات وحق الوصول للمعلومات والقوانين ذات العلاقة.

-          نقاش دائم ومفتوح لسبل تعزيز التوازن في العمل النقابي بين الجنسين.

-          التشارك بإعداد رؤى مفاهيمية حول الدور المتوقع للإعلاميات في العمل النقابي مع الحفاظ على خصوصية الحالة الفلسطينية

-          تقديم توعية جادة فيما قبل الانتخابات بالقوانين الانتخابية وتهيئة وتطوير قدرات الاعلاميات ليكن قادرات على الترشح وقت الانتخابات

-          دعم الاعلاميات بتقديم خطاب نسوي وحدوي يمكنه أن ينأى بالوضع المهني الإعلامي عن تغول آثار الانقسام

-          تحفيز الاعلاميات على الانخراط باللجان الإعلامية الموجودة في نقابة الإعلاميين، وتسهيل التنسيق مع النقابة.

-          خلق قيادة نقابية جديرة بالفرص المتاحة

-          خلق جسور تواصل مع الاعلاميات على المستوى العربي والدولي تعكس خصوصية التحديات التي تواجهها الاعلاميات في فلسطين وتقديم الصوت والصورة التي تقدم الاحتلال كمسبب رئيسي..

المرحلة الثالثة: تعزيز تشاركية وحداثة الحركة النقابية الإعلامية:

من المتوقع بعد مراحل المأسسة والوعي والتفاكر أن تتمكن كافة الأطراف من القيام بدورها وتمكين الإعلاميات مضمونا وممارسة، وندرك تماما في هذه المرحلة الجدل الدائم بين السياسي والنقابي والتحيز للخط السياسي على الخط المهني مما يضعف الأداء النقابي، ويشتت الجهود، وهنا يأتي دور الاعلاميات في تكوين وتقدير خطاب نسوي وحدوي يعزز الاستقلالية والشفافية في العمل الإعلامي النقابي.

 ندرك تماما أن الوصول لتمثيل الاعلاميات في لجان النقابة فهنالك حاجة لوقفة جادة من صاحب المبادرة الأولى لكن الأهم هو عدم الاكتفاء بالانتظار الدائم فيما سيقدمه الآخر فالأصل هو المبادرة والأهم أن هذا مطلب جمعي وليس فردي ولا ذاتي، وعلى الأقل يمكن أن تكون الحلقة المفقودة هي المجلس التكويني من كافة المؤسسات ذات العلاقة والتي بإمكانها تذليل الصعوبات والتحديات، ويمكن أن يكون سقف التنفيذ لهذه المبادرة 3 سنوات مع تقييم حجم العمل الميداني سنويا، وهنا من الممكن أن نحقق اختراقا حقيقيا لن يكون كافيا لأننا كما أسلفنا جزء من حالة سياسية واجتماعية وثقافية عامة إلا أنه بإمكاننا تحسين الواقع ووضع الكثير من النقاط على الحروف..

ووفقا لما تؤكده نقابة الصحافيين ضمن عنوان الحساسية للنوع الاجتماعي فإن النقابة ستستمر في اتخاذ القرارات التي تعزز جسر فجوات النوع الاجتماعي سواءً كان ذلك في العمل الاعلامي بشكل عام أو في النقابة نفسها أو في المجتمع الفلسطيني، ومن هنا اعتقد أن على نقابة الصحافيين تلقي هذه المبادرة أيضا والسعي لتطبيق رسالتها ورؤيتها بدءا من اليوم.

إننا بحاجة ماسة لتنسيق جهود مختلف الفاعلات والفاعلين في مجال مقاربة النوع الاجتماعي والاعلام، والعمل على توفير إطار مهني وطني ونسوي قادر على تحقيق تراكم معرفي وتحليلي لتمكين الاعلاميات وتعزيز دورهن النقابي.

نعم لتمثيل عادل ومنصف للصحافيات وحماية حقوقهن النقابية، ونعم للتمييز الإيجابي في سياسات نقابة الصحافيين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) كاتبة وإعلامية تقيم في غزة