حنين يأخذني إليك اندماج المفاهيم مع الحواس وتفاعل الرمز مع الرؤى
تاريخ النشر : 2019-01-12
حنين يأخذني إليك اندماج المفاهيم مع الحواس وتفاعل الرمز مع الرؤى


بشرى بن فاطمة 
حنين يأخذني إليك اندماج المفاهيم مع الحواس وتفاعل الرمز مع الرؤى   

ديوان جديد للشاعر بهاء حلاّل 

وقّع العميد الركن السابق بالجيش اللبناني الأستاذ بهاء حلال ديوانه الشعري الجديد "حنين يأخذني إليك" الصادر عن دار الكتاب العربي للنشر، بحضور حشد ثقافي وسياسي متنوع كما النسيج العام الذي يميز البيئة اللبنانية وقد كان اللقاء فرصة للتواصل الصادق والتعبير المنفعل عن الوطن والحنين عن الذاكرة والتفرد الذي يميّز التجربة الشعرية والنفس الرومنسي المتدفق في الأفكار التي تنساب من تجربة بهاء حلال العميقة، تجربة الانسان والوطني العسكري والسياسي والمثقف، فقد جمع في ديوانه وجدانياته الحسية ودمجها مع اللغة لتكون شامخة ومليئة بالحياة والأمل بالتفاؤل والحب.

والأستاذ بهاء حلاّل عميد ركن بالجيش اللبناني حاصل على الإجازة في العلوم العسكرية وماجيستير في العلوم السياسية فرع الدبلوماسية والاستراتيجية وماجستير في إدارة الأعمال الدولية، قدّم دراسات وبحوث سياسية واقتصادية إضافة إلى اهتمامه بالثقافة والشعر، وهو اهتمام ذات مرهفة ركّزت على الحنين كفكرة وشعور وعنصر محرّك لمجازات اللغة، نشر ديوانه الأول سنة 2013 "الحنين" وديوان "درب الحنين" سنة 2015.  

 خاض تجربة الحنين وهو يعرف في كل قصيدة لمن ذلك الحنين يعرف الأسماء والعناوين والأمكنة والتفاصيل يدرك أن خلف كل صورة مجازات من التجلي والصفاء مع كل عاطفة متناقضة تأخذه أبعد من الفرح والحزن والقلق والحيرة ولكنها تنتهي به على جمال وإبداع وحياة نابضة بحقيقتها.

يتميز الديوان بتنوع كل قصيدة في محاورها وصورها وبساطتها الغارقة في وجدانياتها المجازية وهي تراوح بين الحالة والتذكار بين الذاكرة والماضي، فالحنين هذا الوجع الاستثنائي الذي لا يستأذن من أحد يطرق أبواب الفرح بشجن ويتدفق بتلعثم يراود اللغة فتتأثر وتحوّل وجعها إبداعا "الحنين هو تلك الصور التي تطوف حولنا تغمرنا برذاذ الحلم دون أن تبلل أوراقنا بالمطر لتحافظ على حرارة الشوق".

يبالغ حلّال في وصف مشاعره في تحوّله المشتهى إلى شاعر يراوغ المستحيل "سأكتب قصيدة كالصخر.. أخيانة عظمى فيمن أكون؟ سأرتكب قصيدة فيها فن المستحيل وفيها فن الممكن"..

أحيانا يعجز الانسان عن إيجاد معنى للحنين أو لحظة "النوستالجيا" كما يسميه الاغريق فهو فلسفة الاسترجاع كثيرا ما كان يُتعامل معه كمرض ولكنه حين يصيب المبدعين يتفجر بجماليات كثيفة وانفعالات متداخلة.

 فهو نتاج زمن تفنن في صقل الذاكرة على إيقاع الانتظار والترقب ورشّ الألوان على جدران الأزمنة، فهو الفصل الأجمل في الحكاية والتوقع الأقرب إلى القلب والوجدان فكل ما نسترجعه بحنين يحافظ على ألوانه ويتمالك نفسه أمام الأمكنة بعبق التلاقي وملامح العابرين وأغنيات الذاكرة وهمساتها.

"ألهم الحنين الكثير من الفنانين والكتاب والشعراء ورسّخ أروع المنجزات فهو ندبة في القلب وبصمة بلد على جسد كما يقول درويش وتلك هي المفارقة العجيبة التي جعلتنا نبكي ونضحك ونحن نمارس الحنين كطاقة ابداع".

في القصائد التي قدّمها حلاّل في ديوانه تعمّد ألا يُعرّف حنينه إذ تركه مطلقا "حنين" وامتلك معه حق السفر والتنقل "يأخذني" وعمّم رؤى الآخر "إليك" ليكون الوطن والهوية الانتماء والانسان الأرض والأم والحبيبة والذات في عمق معايشاتها والكتابة في رقي تعبيرها وهو بهذا التوافق حمّل القارئ مسؤولية الاندماج والقرب ومشاركته الإحساس والتعلق باللغة.  

حملت أغلب القصائد بساطة لغة وكثافة أحاسيس تلاقت لتصمّم ثباتها في وجدان المتفاعل مع الحرف فقد وظّف صوره من واقعه وبيئته وانتمائه الذي ركّز على رسم حضوره المبالغ في المعايشة والتلقي الواقعي الحالم بوطنه الأرقى علاقاته وتفاصيله الشرقية المشرقة بأطيافها وأشباحها بتناسجها الذي تقمّص الحياة متبعا ضوء التجلي وجدارة البقاء.

لم ينفصل حلاّل عن انتمائه للغة للون للصورة فكانت قصائد ديوانه مندمجة مع الفنون البصرية حيث وظّف قرابة 16 لوحة تشكيلية للفنان التشكيلي خالد ترقلي أبو الهول دمجت الانثى والصورة والخط العربي. 

يمتزج البعدان الوطني والعاطفي بتداخل يتعاصف ويتصارع في موازينه التي تبحث عن تماطر حسي يستنجد باللغة لينساب لحنا مقفى أو حرا يحاول أن يدرك المعاني في عمق انتمائها لذات تشرد في عوالمها ويرجعها الحنين إليها في بنية معمارية تشكّل القصيدة بالرقة والعذوبة وتبرز التأثر الواضح بالتيار الشعري الحسي لنزار قباني والرومنطيقي لجبران خليل جبران فكما يقول حلاّل "إن التأثر بشاعر واحد لا يقدّم خصوصية الصورة الشاردة بأفكارها ولا يروّض مداها الحسي المتنوع بتناقضات الأمل والألم إلا التمرّس في تطويع اللغة بجماليات عميقة الصور والتشابيه التي تعبر بصدق عن ما نحس".