دور المؤسسات العلمية في تعزيز مكانة القدس بقلم: د.عادل عامر
تاريخ النشر : 2019-01-12
دور المؤسسات العلمية في تعزيز مكانة القدس بقلم: د.عادل عامر


دور المؤسسات العلمية في تعزيز مكانة القدس

الدكتور عادل عامر

القدس جوهر الوجود الفلسطيني والعربي والإنساني بما تحمله من قداسة وجملة أبعاد حضارية وثقافية وإنسانية، وهي جوهر الصراع ومفتاح الحرب والسلام في المنطقة وهي التحدي الكبير أمام الأمة العربية والإسلامية والعالم أجمع.

وهي تمر اليوم بمحن شتى؛ محنة التهويد ومحنة طمس المعالم وسلب الحقوق وافتقاد السيادة، كل ذلك يفرض على الجامعات الفلسطينية أن تقوم بمسئولياتها تجاه ما تواجهه القدس من مخاطر.

تتبوأ الجامعات ومعاهد التعليم – في كل الدول – مكان الصدارة في المجتمع، فهي مراكز إشعاع لكل جديد من الفكر والمعرفة، والمنبر الذي تنطلق منه آراء المفكرين الأحرار والعلماء والفلاسفة ورواد الإصلاح والتطور. وتتحمل الجامعات العبء الأكبر في حيوية الفكر، أي تطوير رأس المال الفكري والحفاظ على ثقافة الأمة وتجديدها.

والحق أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الجامعات المعاصرة يتمحور حول فكرة ربط هذه المؤسسة بما يواجه المجتمع من تحديات حاضرة ومستقبلية يكون التعامل الايجابي معها مدخلاً إلى التقدم والنمو في سائر المجالات. وينبغي على الجامعة أن تجدد ذاتها من وقت لآخر لتعيش عصرها وعالمها المتجدد باستمرار، وتنفض الغبار عن نظمها وبرامجها التعليمية وتعيد النظر فيها لتبقى على صلة دائمة بمجتمعها وتطلعاته في التقدم والنمو وتلبي حاجاته.

إن تفاعل الجامعة مع المجتمع المحيط بها يهدف إلى إحداث تغيرات – كمية ونوعية – في كيانه، فلا فائدة مجتمعية من الجامعة إذا لم تتمكن من تحسس مشاكل المجتمع ونواقصه وتقوم بتقديم المساعدة في علاجها، وحتى تكون الجامعة مؤثرة وفعالة في نشاطها الموجه لخدمة المجتمع. عليها ألا تكون صورة مصغرة عنه، تعكس واقعه وتكرس مشاكله، بل يجب عليها أن تتخطى ذلك لتكون البوصلة التي توجه مساره والمنارة التي تنير طريقه، فكما تتأثر الجامعة بالمجتمع يقع عليها أيضاً واجب التأثير إيجابياً عليه، وإن وجوب اعتبار خدمة المجتمع الأساس المعتمد بتحديد أولويات الجامعة لا يتعارض بالضرورة مع قيامها بالنشاطات الأكاديمية الموجهة نحو تطوير المعرفة الإنسانية.

كل ذلك يؤكد أن الجامعات ضمير الأمة، لأنها تقوم بمسؤولية فريدة تتعدى الجوانب التقليدية إلى بناء المجتمع وتوجيهه قيمياً وتلبية حاجاته وتطلعاته مما يجعل دورها في التأثير على المجتمع محورياً وعلى جانب كبير من الأهمية وهذا يؤكد الدور الثقافي الفكري للجامعة في المجتمع مما يجعلها تمثل سلطة معنوية لا مثيل لها.

ولا يمكن للجامعة أن تحقق ذاتها وتثبت وجودها ما لم تكن ملتزمة بقضايا المجتمع ومتطلبات نموه وازدهاره. إن المنحى التجديدي للجامعات المعاصرة، يجعلها في قلب المجتمع – تعيش مشاكله وتجد الحلول المناسبة لها – وتعمل على تقدمه في سائر المجالات.

لذا فإن خدمة المجتمع والاهتمام بقضايا الوطن والمواطن أصبحت وظيفة أساسية للجامعة لا يقل شأنها عن وظيفتي التعليم والبحث العلمي، وكثيرة هي المجالات التي يمكن للجامعة أن تخدم المجتمع من خلالها، فهناك المجالات الاجتماعية والتربوية والسياسية والتعليمية والثقافية والصحية والاقتصادية وغيرها من مجالات التنمية.

ويوجد في فلسطين ثلاث عشرة جامعة تقوم بدورها المأمول منها، وهي جامعة الأزهر، الجامعة الإسلامية، جامعة الأقصى، جامعة الخليل، جامعة بيرزيت، جامعة النجاح الوطنية، جامعة القدس، جامعة بيت لحم، جامعة القدس المفتوحة، الجامعة العربية الأمريكية، جامعة فلسطين التقنية (طولكرم)، جامعة فلسطين/ غزة، جامعة بوليتكنك فلسطين. إلى جانب العديد من الكليات والمعاهد المتوسطة.

ولعل المتتبع لمسيرة الجامعات في فلسطين، يدرك أنها حديثة نسبياً، كما أن المتتبع لما أنجزته وما حققته من أهداف يرى أن هناك تطوراً ملحوظاً على الصعيدين الكمي والكيفي لهذه الجامعات، من حيث عددها، وعدد برامجها، وعدد أعضاء هيئة التدريس فيها، وعدد الطلبة الملتحقين والمتخرجين منها.

وهذا يعني أن هناك توسعاً واضحاً في التعليم الجامعي فرضته مجموعة من التحديات أدت بشكل غير مباشر إلى رفد المجتمع الفلسطيني بنسبة لا يستهان بها من الجامعيين المؤهلين الذين يساهمون بشكل مباشر في إحداث التنمية المجتمعية المطلوبة.

ومع أن جامعاتنا الفلسطينية تقوم بتحمل مسؤوليات جسيمة وتقوم بوظائف أساسية يحتاج لها المجتمع، لا زالت تعاني من معيقات متعددة تكبح انطلاقها وتقدمها في مجالات حيوية، فهي تتعرض لضغوط وقيود من الاحتلال، ومع ذلك فإن الواجب يحتم المحافظة عليها وتوطيد دعائمها عن طريق المساهمة الايجابية في حل مشكلاتها والارتقاء بها لتحقيق أقصى درجات العطاء.

إنها تواجه أزمات عميقة هي جزء من معاناة مجتمعنا الفلسطيني الذي يتعرض للحصار والإغلاقات والتخريب المتعمد والمقصود من الاحتلال لكل ما هو فلسطيني، وكل ذلك من شأنه أن يعيق جامعاتنا التي لم تنعم بحياة علمية مستقرة عن تحقيق خططها أو الوصول إلى أهدفها. ولا يخفى على أحد أن مجتمعنا الفلسطيني يواجه تحديات كبيرة ومشكلات عديدة تفرض على الجامعات أن تقوم بدورها الريادي في حل هذه المشكلات والتصدي لها بما تملكه من قدرات في مجالات التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع مما يجعل هذه الجهود ضرورة حتمية لتقدم المجتمع وازدهاره وتنميته وتجاوز الكثير من مشكلاته.

ونظراً للأهمية الدينية والسياسية والحضارية والإنسانية للقدس موقعاً ورمزاً وتاريخاً وجغرافياً وبخاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية وما تتعرض له القدس من محاولات تهويد شرسة من قبل الصهاينة فإن كل ذلك يفرض على الجامعات أن تقوم بدورها في تدارس وضع المدينة المقدسة من جميع جوانبه التاريخية والأثرية والأدبية والدينية والعمرانية والقانونية وغيرها لمواجهة ظروف استثنائية غير مسبوقة يرتفع فيها صوت القوة، ويخفت صوت الحق، ولا يبقى أمام المؤسسات الأكاديمية والثقافية إلا أن تجتمع على كلمة سواء، تضع تصوراً لما يمكن أن يكون عليه الحال أو نبتغيه لمدينة أدماها الجرح، وعصفت بها تيارات الحقد والهمجية من كل جانب، وتنتظر منا أن نضمد جراحها

وأن نكشف هول المؤامرات والجرائم التي ترتكب بحقها، فما نراه اليوم من سلب للأرض وتدمير للمقدسات هو اعتداء على التراث الإنساني والحضاري الذي يدرك الجميع حرمته وقداسته، ويعترف المجتمع الدولي بأنه لا يحق لأحد المساس به وتشويهه وتدميره أو سلبه أو تغيير ملامحه.

ويواجه شعبنا الأعزل في أرض الرباط كل ذلك مدركاً أن هذه المؤامرات انتقلت من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ المكشوف، مستهدفة تهويد المدينة سيادة وأرضاً، وعقاراً واقتصاداً، وحضارة وسكاناً، استخدم الصهاينة في سبيل ذلك إجراءات ووسائل تعسفية وإجرامية مخالفة لكل العقائد والقيم والأعراف والمواثيق، مسرعين في تنفيذها يسابقون الزمن لوضع العالم أمام أمر واقع.

فنحن أمام إصرار صهيوني على تنفيذ مخطط مدروس لتهويد المدينة وتدمير مقومات الوجود الفلسطيني فيها. حلم صهيوني يسعى الصهاينة إلى تحقيقه منذ زمن وعبر خطوات مدروسة، فمؤسس الكيان الصهيوني (ديفيد بن جوريون) قال: “لا معنى لإسرائيل بدون القدس، لا معنى للقدس بدون الهيكل”.

ولعل من المفيد في هذا الصدد الإشارة إلى واقع مؤسسات التعليم العالي في القدس وإلى ممارسات الاحتلال المتواصلة بحق المواطن الفلسطيني فيها ومساعيها المتواصلة لوأد أحلامه بالعيش الكريم والتعلم كبقية شعوب الأرض.

إن إيجاد مجتمع فلسطيني قوي متماسك في القدس العربية لا يتم إلا بالعمل الجاد المنظم والمخطط في عدة مجالات وعلى عدة أصعدة، ومن أهم هذه المجالات مجال التربية والتعليم، فمن خلال هذا المجال يمكن المحافظة على الهوية والقيم والتراث ويمكن تزويد المواطنين بالمعارف والمهارات والتقنيات التي تمكنهم من صنع الحياة والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم والصمود أمام كل الصعاب. من خلال التربية التعليم يمكن إعداد أهم عناصر البقاء على أرض القدس، ألا وهو الإنسان المؤمن بهويته الفلسطينية العربية الخالدة وبحضارته العريقة التي تضرب جذورها في تاريخ حافل بالمجد.

وهكذا يتضح أن لمؤسسات التربية والتعليم في المدينة المقدسية دوراً مصيرياً عليها أن تؤديه بعزم وتصميم ووعي كامل، ويتلخص هذا الدور في إعداد أجيال مقدسية تؤمن بعروبة قدسها كما تؤمن بقدرتها على الصمود والتغيير والإبداع وبالفعل فإن كل المحاولات والجهود التي مارسها الاحتلال في القدس وسعيه الحثيث لخلق أوضاع تأخذ صفة الأمر الواقع لن تفلح في محو الطابع العربي الإسلامي للقدس الشريف ولن تنجح في إزالة الوجود العربي الفلسطيني المتجذر في هذه الأرض المباركة لأن شعبنا صاحب الحق ومتمسك بأرضه ووطنه وهويته وقيمه ومُصر على مواجهة التحديات مهما كلفه من تضحيات.