القتل على خلقية الشرف اعداد:نادية عبد الهادي عتيق
تاريخ النشر : 2019-01-12
القتل على خلقية الشرف  اعداد:نادية عبد الهادي عتيق


القتل على خلقية الشرف                             
      اعداد / نادية عبد الهادي عتيق
       يناير 2019

"ان  العلاقة ذات النزعة الابوية هي علاقة استبدادية تسلطية قد تؤدي الى استجابات متعارضة، فهي اما ان تؤدي الى الخضوع الزائد عن اللزوم الى المتسلط، أو النبذ التام لسلطته والتمرد عليه، وهو مصدر من مصادر ثنائية التسلط والخضوع. في مثل هذه المجتمعات الأبوية التقليدية تصبح الثقافة هجينية بل ومهجنة وتستخدم كأداة خطاب للسيطرة والخضوع، بدلا من التواصل والتفاهم والحوار العقلاني الرشيد."

ومن هنا نستشف ان هذه العلاقة التسلطية تلغي الحرية والتفاهم في الاسرة والمجتمع  ...فالفرد  ما هو الا كائن مسيًر حسب ما يتوقع منه المجتمع  الخاضع للسلطة الابوية  ، والذي يلغي شخصيته  ويقوض حريته طوعا لما يرضي المجتمع . 
فالنظام الابوي هو نظام اجتماعي يرتكز على عادات وتقاليد موروثة يقلد الذكر  شرعية  السلطة على الابناء والنساء وبشكل خاص النساء لان الابناء ايضا  يكون لهم سلطة ولو جزئية مكتسبة من هذا المجتمع المتسلط على النساء. كتسلط الاخ على اخته .
ان النظرة المجتمعية لأفراد المجتمع هي احادية الجانب  وتتصف بالعنصرية حيث ان الخطأ الذي  يصدر عن اي فرد من المجتمع يجب محاسبته  سواء كان ذكر او انثى   وان الخطيئة هي  مشاركة بالذنب من طرفين ويجب محاسبتهم جميعا ، وهذا ما نادى به الدين الاسلامي وتنادي به القيم والاخلاق الانسانية ، لكن الذي يجري هو عكس الصورة المتوقعة ،بل ينسب الخطأ  إلى الفتاة وتعتبر خطيئة لا تغتفر إلاّ بغسل العار الذي يتم عادة بقتلها، او في حالات اخرى حبسها وان  قد يعتبروه من باب الرأفة بها، دون حتى التأكد من صحة الواقعة .
وفي ظل هذا النظام الابوي المهيمن على المجتمع نجد هنا  الكثر من حالات القتل الغير مبرر تحت مسمى "جريمة الشرف "حين تُقتَل امرأة من قبل أحد أفراد أسرتها أو اقربائها نتيجة لتصرفات غير مقبولة من طرف المرأة, وهناك صور من القتل سيتم التطرق لها في هذا المقال . يخطر في اذهاننا ان  سوء التصرف المسبب هو جنسي خارج اطار الزواج ولكنه يمكن أن يتخذ صوراً أخرى عديدة, كالزواج من رجل على غير دين او طائفة العائلة او رجل لا تريده العائلة. وأحياناً يكون حتى نتيجة لوقوع المرأة ضحية لعملية اغتصاب   يتحتم غسل العار بقتل هذه المرأة واعادة ترسيخ شرف العائلة. 
.
 احصائيات :-
ان انتشار جريمة غسل العار  كما يسمونه وقتل المرأة لأي سبب من الاسباب التي تعتبر تشويه لصورة العائلة هو نتيجة غياب التحضر وانتشار ثقافة المفترض بها ان تزول في مجتمعات اصبحت تدرك  معنى الديموقراطية وتنادي بها ،هذه المجتمعات التي  سمحت للمرأة بالتعليم والعمل والحرية الى حد ما واصبحت تنظر لكينونة  الانثى بمنظور أسمى مما كان سابقا.
 و من خلال الاحصائيات المرصودة  يتبين لنا ان هذه الجرائم تتزايد بوتيرة عالية .  ولكن ما زال هناك صعوبة في التعامل مع أرقام محددة حيث أن عدد الحالات غير المسجلة مرتفع جداً. وفي العديد من الحالات لا تسجل جرائم الشرف على أنها كذلك من قبل الشرطة، إما لعدم وجود وعي بها أو لأن الجرائم تم إخفاؤها كأنها حوادث أو حالات انتحار ,والتي هي صورا اخرى من القتل على خلفية الشرف.وفي  بعض حالات التي تقتل فيها النساء يكون موضوع الشرف هو ذريعة القاتل لكي يتهرب من العقاب على جريمته؛ فقد أصبح  الشرف قناعًا يخفي السبب الحقيقي الذي يدفع القاتل إلى ارتكاب جريمته. 
  "وتدل تفاصيل عمليات قتل النساء أن هناك تنوعًا في الحالة الاجتماعية للنساء المقتولات، وتنوعًا في أشكال القتل، مع وجود قاسم مشترك، وهو: تعرض جميع المقتولات لسلسلة من أعمال التعذيب والتنكيل الجسدي والنفسي التي تنتهي عادة بالقتل “تشير الإحصاءات إلى استمرار مسلسل قتل النساء في فلسطين بوتيرة متصاعدة وبشكل ملحوظ، لا سيما في الأعوام الأخيرة؛ فمن 5 حالات شهدها العام 2004، إلى 13 حالة في العام 2012؛ وضعفها (26 حالة) في العام 2013؛ في حين شهدت الأشهر الخمسة الأولى من عام 2014، حسب الإحصاءات الرسمية والمؤسسات النسوية ومؤسسات حقوق الإنسان، 15 حالة قتل للنساء؛ ". 

دور المجتمع الابوي في تفشي ظاهرة هذه الجرائم :
"الشرف “في المجتمع الابوي والذي هو يمثل السلطة المطلقة ،له قيمة أهم من الحياة نفسها ، خاصة في المجتمعات الشرقية. فشرف العائلة يتطلب نقاء النساء –والغريب انه لا ينطبق على  الرجال فهم لا يعيبهم شيء من مثل هذه التصرفات - , فيتطلب ذلك من العائلة جهد في الحفاظ عليهن من سوء تصرفهن , من المؤسف اننا ندخر  هذا الجهد في الحفاظ وليس  في الحماية , فالمقصود بالحماية حسب رأيي  تكون  بتعليم المرأة  وتمكينها لتكون فردا يتحمل المسؤولية  المشتركة جنبا الى جنب مع الرجل بما فيه استقلالها في اتخاذ قراراتها  بما لا يتعارض مع القيم والاخلاق الحقيقية وليس القيم الموروثة البالية .
 ويمكن أن نجد عقدة الشرف هذه  تشكلت في المجتمع  الخاضع تحت السيطرة الأبوية مضافاً إليها التأثير الديني والفهم الخاطئ له  اذ جاء القرآن الكريم بنهي اساسي عن القتل "(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)  وقد حدد الاسلام الحالات  التي تجيز القتل وحصرها ، ومن هنا نرى ان اسباب زيادة هذا الظاهرة هو غياب الوعي الديني  من فكر المجتمع والذي  يحكم على المرأة بمجرد الاشتباه بها دون الاخذ بعين الاعتبار ان مثل هذه القضايا لا تقع الا بوجود طرفين .
إن هذا النوع من الجرائم يعتبر بمثابة شرف للعائلة ويتم توارث هذه المفاهيم التسلطية للأجيال بدون احترام لكينونة المرأة, فالمنبت هو الذي يحدد كيفية التصرف مع هذه السلوكيات الغير مقبولة فهناك حالات يتم بها منع المرأة من اكمال تعليمها او الذهاب للعمل والانخراط  في  المجتمع , اوان يتم تزويجها بدون إذنها وليس لها الاختيار لان العائلة قد رحمتها من القتل . 
حادثة قتل المواطنة خ,ق البالغة من العمر 32 سنة على في بلدة الزوايدة على  يد شقيقها الاصغر 24 عاما  شنقاً  وقد عثر على جسمها اثار  تعذيب في 8 اغسطس 2015 غزة حسب ما ورد من المركز الفلسطيني لحقوق الانسان
مثال واضح لتوارث هذه العادات  من الاباء للأبناء حين اعطى   المجتمع  الحق للأخ   في شرعية القتل  وكانه منحه وسام شرف لقيامه بهذه الجريمة ،واعتماد قوانين غير مكتوبة تعود لسلطة العادات والتقاليد.
وفي حالات اخرى يتستر المجتمع على المجرم ، حيث دفعت المرأة حياتها ثمن خطيئة لم ترتكبها  بل والأدهى من ذلك ان مرتكبها هو والدها ،  حين افاقت عائلة الضحية "ص" 16 عام على صراخها طالبة من اهلها  النجدة لإنقاذها من  ايدي اعمامها الذين انقضوا عليها  كونها "لوثت شرف العائلة " على حد تعبيرهم ، هي لم تقترف ذنبا , سوى تسترها على والدها الذي هاجمها وهددها ان اخبرت والدتها.  وعندما بدأت علامات الحمل تبدو عليها لم يصدقها احد وتم قتلها  على ايدي اعمامها امام والدها دون ان   يحرك ساكنا"  عن أي شرف يتحدثون!!!!!     فالمرأة بنظرهم هي الخطيئة والرجل هو الشرف!!  
حالة اخرى تظهر الظلم الجائر بعينه , فاقد للشرف  يغسل عاره ...بتاريخ 21/7/2007 /غزة . حيث قتلت ثلاث شقيقات على يد شقيقهن وابن عمه بدافع" جريمة الشرف " المختلف في هذه القضية عن مثيلاتها , ان الجاني كان مدان في قضية اغتصاب وقتل فتاة (16) عام وكان محكوم عليه بالإعدام لولا انه فر من السجن قبيل تنفيذ الحكم بحقه .
ومن الحالات التي اجتمع فيها الجهل قبل الظلم والتقليد الاعمى لممارسات اعتاد المجتمع على سماعها  ، شاباً قتل شقيقته العزباء  بعد ان رأى بطنها منتفخة ظناً منه انها حامل  قبل ان يكتشف لاحقاً ان سبب انتفاخ بطنها هو نتيجة لمرض المّ بها (6).
كثيرة هي الحالات وكل حالة منهن  لهي وصمة في جبين مجتمع بعيد كل البعد عن الانسانية والاخلاق والدين .
ولم يكتف المجتمع بالحكم على المرأة  على انها عار بما فعلته (رغم مشاركة الرجل معها بالخطيئة ) بل   نلاحظ مما سبق ان بعض الحالات التي حكم عليها بالموت هي نتاج شكوك غير مثبته او انها كانت ضحية اغتصاب  او لا سباب اخرى فكما ذكرت كل حالة منهن هي حالة منفصلة لها ظروفها .
لم يقف هذا المجتمع الابوي عند هذا الحد بل اخضع المرأة بالذات الى  سلسلة من القيم والعادات التقاليد فحقوقها دائما منقوصة ، مستعبدة من قبل الرجل فكرا وجسدا وارادة , اذ يعتبرها في منزلة اقل منه اجتماعيا سواء في الاسرة او العمل او المجتمع  من ناحية اخرى ، فان الرجل يرغب بالمرأة الجميلة والمثيرة ذات الجسد الناعم الممشوق  وبالمقابل فان الرجل الشرقي يفضل المرأة الخجولة   والتي نخفي جسدها وجمالها عن الاخرين دونه  . فهو يريدها تلك المرأة  المثرة التي تشبع رغباته ، يريد من المرأة ذاك الجسم المختبئ  عن غيره ، فالمرأة بنظره عورة يجب ان تحتجب ، يريدها   ملكاً له دون منافس ،  وضمن هذه الثنائية في النظرة للمرأة   يجبر المجتمع المرأة ان تكون وجهين لعملة واحدة ، فيجب على المرآه ان تكون عورة حين  تتعامل مع الاخرين  فتحتشم (حسب العادات والتقاليد) وان تكون مثيرة حين تكون معه وهنا تبرز انانية الرجل في المجتمع الابوي , ولم يعد يحكم المرأة من احتجابها او عدمه  الدين او رغبتها  بل اصبحت تلبس الحجاب مع لباس ضيق  لترضي رغبة الرجل فهي من جانب انها تغطي  العورة ( المتعارف عليها كل مجتمع على حدى) حسب عاداته وتقاليده ومن جانب اخر تظهر  بالمظهر المثير للرجل بلباسها الضيق شريطة ان يتفق هذا اللباس رغبة المجتمع فقط .! مع العلم انه اللباس في المجتمع يتغير حسب تغير النظم  الاجتماعية المتعارف عليها والتي تعود الى رغبه الرجل  اولا واخيراً. وقد يقام عليها الحد  بمجتمع ملتزم باللباس الشرعي , بحيث يكون عقابها اكبر جرماً من ذنبها .         
 جرائم الشرف لم تقم يوما على اسس  اليقين ولم يكن لها من الشرف الا اسمها  حتى انه ليس باسمها أي دلالة تنطبق على المعنى المستتر خلف هذه الجرائم .
 "ان استخدام مصطلح القتل بدافع الشرف في حد ذاته يعطي مبرراً للجاني ويشكل في ذات الوقت إدانة للمجني عليها دون إعطائها الفرصة للدفاع عن ذاتها. لذا فالمصطلح بحاجة إلى إعادة النظر في تركيبته حتى لا يشكل إدانة للمجني عليها "المرأة". اضافة الى ان التعريف الاجتماعي  لمفهوم القتل على خلفية الشرف يتعلق فقط بالمرأة٬ وكأن العلاقة التي تقيمها مع الرجل هي علاقة من طرف واحد جرائم قتل النساء بدعوى "الشرف" 
توجهات المرأة 
 "لن يحرر النساء إلا النساء انفسهن". اي ان دور المرأة نفسها هو الاهم في الحراك لا نهاء هذه الجرائم والمطالبة بأقصى العقوبات على مرتكبيها . منذ سنون ليست ببعيدة لم تعد المرأة ضعيفة الجناح فهناك حراك مستديم للتوعية والقضاء على مثل هذه الجرائم ومناصريها وتسليط الضوء على معاناة المرأة المضطهدة . ومن بين هذه الجهود كتاب  "الجريمة باسم الشرف" عام 2009، من تأليف الصحفية الأردنية والناشطة رنا الحسيني ,يقوم هذا الكتاب بنشر الوعي حول وحشية هذه الجرائم. ويعرض قصصا واقعية حول العنف ضد المرأة ويلفت الانظار الى ان هذه الجرائم ليست سمة للثقافات العربية  فحسب انما هي وباء عالمي 
جرائم على خلفية الشرف والقانون:
  في السنوات الأخيرة زادت ظاهرة القتل على خلفية الشرف. ولعل الدافع الأساسي وراء القتل لا يتعلق بقيام الفتاة بارتكاب مخالفة يعتقد معها أنها تمس شرف العائلة، إنما قد يكون الدافع وراء ذلك أسباب أخرى غير ظاهرة، أو مجرد شكوك تحوم حول ارتباط الفتاة بعلاقة مع أحد الأشخاص دون وجود أي دليل مادي على صحة هذا الاعتقاد. او قد تكون بسبب الميراث احياناً.اذ كثير من الحالات التي تبين بعد التشريح انهن لم يفقدن عذريتهن وبالتالي  فليس هناك ما يثبت الدوافع  الحقيقية خلف هذه الجرائم .
ومن أجل الحد من جرائم القتل على خلفية الشرف، أصدر السيد الرئيس في 11/05/2014 قرارا بقانون معدل للمادة 98 من قانون العقوبات الساري المفعول في الضفة الغربية رقم 16 لسنة 1960 (نشر في العدد 108 من الجريدة الرسمية بتاريخ 15/07/2014) ألغى بموجبه العذر المخفف للعقوبة فيما يتعلق بحالة قتل أنثى على ما يعرف باسم "خلفية الشرف"، حسب ما كان معمولا به.
إن جرائم القتل على خلفية الشرف في  المجتمع تتطلب منا  التكاتف من اجل وضع حد لهذه الظاهرة  لأن القتل على خلفية الشرف يعد انتهاكا صارخا لمبدأ سيادة القانون بشكل عام،  ولحقوق المرأة بشكل خاص  وانما تنم هذه الظاهرة عن افكار تعود بأصولها الى الجاهلية التي استعبدت الانسان وجعلت من المرأة متاعا  يباع ويشترى  وينتهك دون أي رادع .