الاستعمار التوجيهي: أكذوبة تحرر الشعوب من الإمبريالية بقلم:دحمور منصور
تاريخ النشر : 2019-01-12
بقلم الكاتب: دحمور منصور (ابن الونشريس الحسيني)
الاستعمار التوجيهي: أكذوبة تحرر الشعوب من الإمبريالية

كثيرا ما نتسامع من بعضنا كشعب بسيط وربما من أفواه بعض النخب المتخصصة في مجالات ما نسمعه منها بعض العبارات عن تقديم الدول الاستعمارة الحرية والاستقلال على طبق من ذهب إلى بعض الدولة التي عانت خلال المرحلة الكولونيالية من التاريخ المعاصر، بل وتسليم السلطة طواعية والاقرار بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، ونحن لا ننكر أن الكثير من الدول نالت استقلالها عن طريق الحل الوحيد الذي تمثل في المقاومة المسلحة للمستعمر، وصدحت بكل قوة بمبدأ حق الشعب في تقرير مصيره، ولكن الكثيرين لا يوافقونني رأيي حول هندسة الدول الاستعمارية لمخطط استقلال بعض الدول بنفس دقة هندستها لتحريم استعمار بعض الدول الأخرى والتي كانت تقدم ثرواتها على كف الراحة لدول أوربا وبالتالي لم تكن هناك حاجة إلى التدخل العسكري لسلب تلك الثروات.
من الجدير بنا أن نعلم أن نهاية المرحلة الكولونيالية في زمن واحد تقريبا وبنفس صورة بدايتها لم تكن عملا اعتباطيا في السياسة الغربية، فمباشرة بعد الحرب العالمية الثانية بدأت القوى الاستعمارية تعيد حساباتها وتقرأ تاريخ الحربين بتمعن لتتبدل السياسة الاستعمارية في ثوب جديد، طبعا لا أحد يستطيع الجزم ببداية فكرة الاستعمار الجديد أو الاستعمار التوجيهي كما أسميه، ولكن ظهور حركات التحرر وظهور الحركات المناهضة للاستعمار وظهور الحركات المناهضة للتمييز العرقي وظهور الكثير من المبادئ على شاكلة حرية الشعوب في تقرير مصيرها خلال الفترة التي يشاع عنها أنها أنهكت الدول الاستعمارية خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، كل تلك الحركات والأفكار الجديدة حتى في الوسط الأوروأمريكي يدعو إلى كثير من الريبة، والشك في مصداقية ما حدث فعلا، ويجعلنا نتساءل بفضول كبير عن إعطاء الاستقلال للدول المستعمرة، بالتالي لا تكون الثورات القائمة حينهابتلك القوة التي يمكن أن تصنع استقلالا وطنيا حقيقيا في دول إفريقيا وآسيا، بكل تأكيد كان العمل المسلح الذي اختارته حركات التحرر في العالم هي ما صنع الحرية لتلك الشعوب، وصناعته هذه للاستقلال كانت المساهم الأكبر فيه وليست الوحيدة، فإلى جانب الكفاح المسلح كان هناك الكفاح السياسي، والكفاح الديني، والكفاح الثقافي، وصراع تحرير اللغة، والصراع الحدودي الغرافي، والصراع العرقي، إلى جانب ما خلفته الحرب العالمية الأولى والثانية من دمار داخل أوربا نفسها، ولكننا نقول أن السبب الأهم في ترك الدول الاستعمارية لمستعمراتها هو إعادت النظر في الاستراتيجية الاستعمارية، وخلق أسلوب جديد غير مسلح هو الاستعمار التوجيهي.
يظم الاستعمار التوجيهي كل يحدث اليوم من مظاهر السيطرة الأوروأمريكية على الشعوب، ولكننا لا نعرف من ذلك إلى ما يسمى بالغزو الثقافي، في حين تغافل الكل عن الكثير من مظاهر الاستعمار اللامباشر والمباشر من خلال خلق سياسة التغريب ولا نقصد هنا المفهوم المعروف من التغريب بل نقصد به صناعة حتمية اجتماعية للدول المستعمرة تجعلها تشعر بعدم الانتماء إلى هذا العالم ومن هنا بدأ خلق العالمين المتقدم والمتخلف في حين رسمت دول مستعمَرة عالما للدول النامية بالتالي صناعة تمييز طبقي عالمي يفصل بين التابع والمتبوع، فالدول المغرّبة لا تجد في خضم كل الظروف التي تعيشها شعوبها إلا طريقين:
الأول: أن تنقذ شعوبها بالسير على خط الغرب.
الثاني: أن تنقذ نفسها من ثورات شعوبها فتتمسح بالغرب أيضا.
وفي كل الحالات ستظل الشعوب في حالة تبعية تامة لسلطة الامبريالية الجديدة، وسرعان ما تذوب تلك الشعوب في عالم لا تعيشه.
ومن الجدير بالذكر أن الفكرة الكولونيالية/ الامبريالية الجديدة هي السيطرة بالقرارت أولا وبصناعة الأزمات ثانيا.
فإلى جانب الاستعمار الثقافي الذي صارت الشعوب نتيجته لا تستطيع التحكم في العقلية الاجتماعية لشعوبها بل وامكانية الانقلاب ضدها عن طريق التحكم الاستعماري في الأفكار والمعتقدات وصناعة الأزمة، نجد الإعلام يقوم بنفس الدور في فسخ الشعوب عن الهوية وتغيير الذهنيات بالتلي صناعة رأي عام وهمي تجاه الأزمات وحلولها، في حين نجد هذه التبعية الناتجة عن الاستعمار التوجيهي تنجر وراء استراتيجية أرى هي: الحتمية السياسية، فالتبعية التي تمارسها الشعوب للهيمنة الأوروأمريكية هي مرد حجر على رقعة شطرنج السياسة الدولية من الممكن في أي لحظة أن يخرج من اللعبة بأعظم الخسائر إن لم يكن كبش فداء لهدف ما من أهداف الامبريالية الأوروأمريكية، فقد صرنا في زمن لا تدري الدول حتى سياساتها في التحالفات والممارسات المصيرية، وقد رأينا دولا تتوه في انتماءاتها الدولية بمجرد تغير استراتيجية أمريكا تجاه مسألة ما فصارت تلك الدول بين المطرقة والسندان بالبقاء مع أمريكا مع تنازلات تمس كرامتها كدولة وبين الذهاب إلى الخط المناقض الآخر وبالتالي صارت السياسات موجهة يُتحكم فيها عن بعد بواسطة قرارات وصناعة الأزمات.
نفس الأمر نجده فيما نسميه بالحتمية الاقتصادية، فبعد أن كانت الدول الاستعمارية تتحكم في ثروات مستعمراتها بالنهب المباشر صارت اليوم تتحكم فيها عن بعد وبتوجيه قرارات وصناعة أزمات تركع الدول رغما عنها وتجبرها على انتهاج السياسة المتبوعة فإما أن تدفع أو أن تجعل الشعوب تنقلب على حكوماتها بحجة عدم المقدرة على تسيير الأوضاع.
في الواقع، إن الظن بأن الاستعمار الغربي قد انتهى خطأ، فمادامت الأوضاع السياسية والاقتصادية وعقلية الشعوب بأيدي الإمبريالية الجديدة فلن تنتظر الدول المستعمَرة إلا توجيهها لتغيير الأوضاع وصناعة صراع لا ينتج عنه إلا طلب حماية الإستعمار نفسه، بالتالي فنحن في مرحلة حرجة من التاريخ بل نحن بين أمرين أحلاهما مر والمشكلة الكبرى أن النتيجة غير معلومة من أصلها، وهذا هو السر في رؤيتنا لعدة ثورات نهضوية ولكنها أجهضت أو وضعت في المتاحف كون الشعوب أرادت فثارت ولكنها في الواقع ثارت ولم تفعل شيئا، والوطن العربي على الخصوص أكبر وأبين مختبر يمكن أن نرى فيه هذه الأفكار.
إن تورط الدول المستَعمَرة في قضية التبعية للآخر تلك السياسة التي انتهجتها أغلب الدولة المستقلة هو ما ساقها إلى لعب دور الأعمى الذي يبحث في الغرفة البكماء في الليلة الظلماء عن قبعة سوداء غير موجودة أصلا.