من التلقين إلى الاستحواذ بقلم:أحمد الحاج
تاريخ النشر : 2019-01-11
من التلقين إلى الاستحواذ بقلم:أحمد الحاج


من التلقين الى الاستحواذ

احمد الحاج كاتب فلسطيني

انه السلاح  الاخطر والمستخدم في الحرب أو في السلم، ونحن نقرأ التاريخ حول سياسة الاعلام وبمسميات مختلفة المقروء منها والمرئي والمسموع ، في غابر الازمان كان الاعلام عبر بث الشائعات وتداولها في اوساط العامة، وسرد مجريات وهمية في مناطق بعيدة تخدم الحاكم على اراضيه وكان يرصد لتلك المهام اموالا وساسة وكتبة ورهبانا وشيوخا الى جانب المرابين والسماسرة.

الاعلام في كل مراحل التاريخ اتخذ اشكالا متعددة حسب ظرف الزمان والمكان. وتأريخها مهم جدا كما هو تأريخ الاعلام الحالي وحتى القادم منه. واعني هنا اننا نعيش مراحل ومفاصل خطرة جدا تجر دولا وشعوبا الى التفتت واثارة النعرات الطائفية تمهيدا للسيطرة عليها ونهب ثرواتها واستغلال شعوبها.

في المباشر، أي السياسة الاعلامية الممنهجة للولايات المتحدة الامريكية، ومعها الدول الاستعمارية، في المقدمة منها بريطانيا (والتي تصنف كأذكى دولة استعمارية عبر مراحل ـألقها الاستعماري) وحمى السيطرة على دول العالم.

اتناول هنا فقط سلاح الميديا (الاعلام ) والدور الذي يلعبه،  خاصة في الغزو الثقافي والذي عبر عنه ابن خلدون بالتالي: ( إنما تبدأ الأمم بالهزيمة من داخلها عندما تشرع في تقليد عدوها ).

تأسست الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1776م نتيجة ثورة قام بها المستوطنون الأوروبيون البيض ضد التاج البريطاني. وأسس الدستور الأمريكي، الذي سن في العام 1787 ، لنظام اتحادي يتضمن فصلا للسلطات، لم يتغير جذريا منذ اعتماده , واليوم هي أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، لها مصالح تمتد الى جميع بقاع الأرض وقدرة على التدخل في كافة ارجاء العالم لتحقيق استراتيجيتها المتمثلة في غزوها الثقافي الاقتصادي،  كان لا بد من وسائل وادوات تخدم اهدافها , في البداية أشير الى منظومات التواصل الاجتماعي وما تقدمه من معلومات عبر استبيان آراء المشاركين فيها قاريا" بمعنى الفيس بوك كمثال الذي يجمع عبر مستخدميه آراء متنوعة ومفاهيم مختلفة حول مواضيع الاهتمام المختلفة وعلى المعلومات التي تحصل عليها مراكز المتابعات الاليكترونية، ومراكز الدراسات والتحليلات الامريكية منها والغربية عموما, تبنى عليها سياسات، تخدم استراتيجيتها السلطوية سياسات تخدم الاهداف. هذا فقط من خلال وسائل التواصل الاجتماعي .

يستهدف الغزو الثقافي احتلال العقل، فهو غزو من الداخل، وهو الأخطر، لأنه يزرع في النفوس الضعف الذاتي وتخريب المناعة الذاتية، ويضمن دوام الهيمنة على الإدارة والإمكانات القومية برمتها ولا يتوقف الغزو الثقافي على دول العالم فقط بل يبدأ من مواطني اميركا والغرب، لجعل سياساتهم مسلمات لدى شعوبهم، الى جانب الانشغالات الاخرى المجتمعية بكل الوانها الفنية والموسيقية والادبية، الى جانب الافلام التي تشجع على سياسات ذات توجهات جعلت من هوليوود أداة رئيسة من أدوات الغزو والسيطرة والعبث بالوعي الجمعي لشعوب كثيرة  بالمقابل تفتقد الشعوب لإعلام  مواجه قادر على كشف زيف ما يطرح من معلومات او سياسات تنتهج، بالتالي يكون اعلام النخبة وصانعي السياسات وحدهم القادرين على سياسة التلقين الممنهج. من امثلة: حرب الخليج وغزو العراق وأسلحة الدمار الشامل وليبيا واليوم فنزويلا والبرازيل ودول، اخرى سنذكر بعضها في السياق ذاته.

ان سيطرة النخبة الثرية (Rich elite) على صناعة الاعلام الورقية والمرئية والمسموعة (( CNN . FOX NEWS . SBS. وغيرها الكثير من كبريات الصحف ومحطات التلفزة بقنواتها العديدة والدعايات ...الخ  ويدعم كل تلك المؤسسات مراكز متخصصة بسياسة تلقين الاخبار لمواطنيهم ولغيرهم بحيث لن يجدوا اعلاما" آخر يتصدى لإعلامهم المحترف.

تعتمد النيو ليبرالية في غزوها الثقافي لدول العالم على الوسائل التالية:

المقصود بالوسائل ادوات الميديا واساليبها المتبعة للتلقين, حيث تعتمد اميركا وبريطانيا وفرنسا على هجمات ايدولوجية واخرى سايبرية (الكترونية) اضافة للهجمات الثقافية :

-     الايدولوجيا : وسيلة تهدف الى رفع شأن النظام الرأسمالي، واعتباره نظاما يحقق الرخاء المجتمعي، وحرية الفرد، والفرص المفتوحة أمامه للكسب الحر أو الوظيفي وخلاف ذلك. أما الاشتراكية, مثالا, فانها نظام يحتكر المجتمع، نازعا عنه حرية الفرد. وان القطاع العام بيد السلطة تمسك بكل ما يتعلق بالاقتصاد والسياسة، وتحرم التعددية الحزبية والتطور المجتمعي. الصورة قاتمة أمام صورة الرأسمالية الزاهية.

-          الحرب الاليكترونية ((Cyber warfare

 استخدام جُملة من الممارسات والإجراءات التي تسعى لإلحاق الخلل والعطل بالأنظمة والوسائل الإلكترونية الخاصة بالعدو.

-          الحرب الثقافية:   
أقامت أمريكا والاستراتيجية الغربية ركائز لها من خلال سياسة تمويل واسع النطاق لمنظمات، ما يسمى بالمجتمع المدني، مثال مصر, تم رصد حوالى 16 جمعية ومنظمات وبرامج هذه المنظمات ليصل عددها الى 250 منظمة وجمعية تقوم بتمويلها شبكة من المنظمات الأمريكية والغربية، حوالى 36 منظمة مرتبطة بالسفارة الأمريكية وبمكتب المخابرات الأمريكية الملحق بها وهو يعد الآن أكبر مكتب للمخابرات الأمريكية فى الشرق الأوسط بل هو يدير أغلب عمليات هذه المخابرات في المنطقة,الميديا والايدلوجيا والحرب الثقافية وسائل، ان نجحت في دولة ما، فالنتيجة ربح صاف للغرب، طبعا اميركا في المقدمة. فان مهمة الاعلام تتمثل في تحريك الادوات الداخلية من منظمات وجمعيات وافراد نحو "نظام سياسي دكتاتوري، ,نظام فاسد،لا اصلاحات ،لا حقوق للعمال، الى آخر المعزوفة... اما الاعلام الوطني القاصر وغير الفاعل، والعاجز عن المواجهة والدفاع عن دولته. كما في حالة بعض الدول الثورية للأسف كالبرازيل. لقد خسرت القوى الثورية وحزب العمال اليساري أمام اليمين بعد رفع شعار على "ديلما ان ترحل"... بعد اتهامها بالفساد وتعبئة الشارع ضد بقائها ودعوتها للرحيل. قد تلقت "سيادة القانون" و"احترام الدستور" في البرازيل ضربة مدمرة في عام 2016، عندما رفضت، ديلما روسيف (التى انتخبت فى عام 2010 ثم أعيد انتخابها فى عام 2014) العزل من منصبها الا انها عزلت. الاعلام الوطني اعتمد على معلومات الاعلام الغربي وادوات الداخل وصور ادارة ديلما على انها ادارة فاسدة ويجب عزلها, لقد ساهمت الايدولوجيا والحرب اللاليكترونية بقوة في تحشيد الشارع عبر شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة. معلومة: تعد البرازيل ثالث اكبر دولة في العالم منتجة للطائرات المدنية بعد شركتي اير باص وبويينغ، واليوم يدفعون بها كي تصبح عاجزة وغير منتجة من خلال شراء 80% من اسهمها للسيطرة والقضاء عليها.

فنزويلا كمثال آخر: في بداية عهد تشافيز كانت وسائل الاعلام الجماهيرية ومراسلوا التلفزة والصحف العالمية , خلف الابواب يدعمون شافيز لكن.... لا يستطيعون الجهار كتابة بذلك باعتبار ان من يسيطر على الصحف هم من اليمين, كذلك الحال في بوليفيا والاكوادور مورست ذات التعبئة ايدولوجياواليكترونيا وثقافيا لتأليب المجتمع على النظام السياسي فيهما .

CNN FOX NEWS تتوجه باللغة الاسبانية لأميركا اللاتينية، منها تشيلي والارجنتين، لم تتوقفا عن بث الدعايات المناهضة لنظامي الحكم وتأليب الشارع عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمنظمات غير الحكومية ,الممولة من  CIA.

ان خطورة شبكات التواصل الاجتماعي أنها اداة فاعلة وسريعة لنقل الاشاعات والتحركات ضد نظام لا ترضى عنه اميركا والغرب, وعلينا الانتباه لهذه الخطورة اذ أن أغلب مستخدميها هم الشباب من الجنسين حيث يتم استغلالهم عبر الادوات سابقة الذكر بسهوله من خلال التحريض المتواصل.

كعالم ثالث لا نصدق الاعلام الاميركي والغربي لكن...في اميركا والغرب يصدقون اعلامهم التلقيني بامتياز، عبر حضوره الدائم في الاذاعة والتلفزيون والسينما والصحف والمجلات، بدون منازع والموجه ويهدف تدجين المجتمعات الغربية عبر سلسة النظام الرأسمالي المتوحش.

النظام الرأسمالي والانظمة اليمينية المدعومة منه يسرقون الفقراء ويعممون الفساد ويدمرون الطبقة الوسطى ,,,,الاغلبية فقراء والاقلية غنية .

يمكن قول التالي:

ان الدول النامية تفتقر للحرية والتي تعني عدم الخوف من اليوم التالي.

اما الحرية للغرب فتعني عديدا من الاحزاب في الدول النامية، لتسهيل السيطرة عليها من خلال التمويل والتحريض ضد أنظمتها.

اخيرا....تأثير ثقافة غازية قاهرة في ثقافة مغزوة مقهورة....عامل قوة للرأسمالية المتوحشة .