د.سلطان الخضور: يعتمد النجاح في النقد على أمرين، التذوق وسعة الخيال
تاريخ النشر : 2019-01-10
د.سلطان الخضور: يعتمد النجاح في النقد على أمرين، التذوق وسعة الخيال


يعتمد النجاح في النقد على أمرين , التذوق وسعة الخيال , فلا تستطيع أن تنقد دون ذائقة أدبية سامية المستوى

حاوره – الإعلامي قصي الفضلي


له أم أنجبته، وأم أرضعته, فلسطين جرحنا النازف مسقط رأسه وفي الأردن ارض النشامى كانت مراحل تكوين ملامح الإحساس والمراس ,له نبض واحد لمدينة إربد توأم مدينة السحر والجمال طوباس الفلسطينية .
خرج من بيت فقير, مما ولد له صفتين رئيسيتين , “الطموح والتحدي” عاشا معه سني حياته ، حيث شيد لنفسه سقفا عاليا وعمل على ملامسته , فعاش مع أحلام اليقظة وأحلام المنام . لكن الظروف المادية والاجتماعية حدت من سرعته في الإنجاز, تمكن من لمس سقف طموحي الأخير بيديه, وحصل على شهادة الدكتوراه في الموارد البشرية بعد أن اكمل قبل ذلك بخمسة عشر عاما حصوله على الماجستير في الدبلوماسية والتنمية, وقبلها باثني عشر عاما على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية , وقبل ذلك بأحد عشر عاما على دبلوم في اللغة الإنجليزية أيضا, والآن تفرغ لأداء واجباته الدينية والاجتماعية والكتابة , وهذا التقطع مرده إلى الظروف المادية والالتزامات الأسرية التي ترتبت عليه في سن مبكر .. صحيفة ” العربي اليوم ” وعبر فضاء صفحته الشخصية ضيفت الأديب العربي الكبير الدكتور سلطان الخضور وحاورته لتخرج بالمحصلة الاتية :

*كيف تنظر للحراك الثقافي في بلدكم , وما هو تقييمك لهذا الحراك في الوطن العربي ؟

-تعلم أخي العزيز أن أي حراك ثقافي يحتاج إلى عوامل رئيسة أربعة حتى ينتعش , أولا الجو الديمقراطي الذي يعطي سقفا من الحرية يسمح للكاتب أو الشاعر التعبير عما يريد دونما خوف , والثاني الأوضاع السياسية والاقتصادية , والثالث سهولة التواصل والإعلام , أما الرابع فهو ذاتي يعتمد على توفر كل من الإرادة والموهبة والمعلومة. محليا ألاحظ حراكا ثقافيا نشطا وخاصة في المدن الرئيسة بالإضافة للعاصمة , فهناك أنشطة ثقافية متنوعة ومتواصلة ومكثفة , تختلف باختلاف المكان والموضوع نظرا لتوفر العوامل المذكورة , فنحن في الأردن نتمتع بجو من الحرية والاستقرار السياسي , وسهولة التواصل نظرا لصغر المسافات بين المناطق المأهولة . أما عربيا فكل دولة لها خصوصيتها والأمر نسبي , فمصر وفلسطين والعراق ولبنان مشهود لكل منها تاريخيا في شتى أنواع الأدب والفن. لكن لا بد من الإشارة هنا إلى أن وسائل الاتصال الإلكترونية الحديثة, قد أسهمت في ظهور مستويات متدنية من الأدب , بقدر مساهمتها في انتعاش هذا الأدب , فقد بات المجال رحبا للجميع وهي بالتالي ظاهرة ليست سيئة لأن المجال متاح للمتلقي أن يتفاعل مع ما يراه مناسبا .

*أسبر أعماق روحك , لمن يكتب الدكتور سلطان الخضور ؟
-الحمد لله أن قلبي يتسع لحبيبتين , الأرض والزوجة , فحين أكتب للأولى تتجسد الثانية وتأبى إلا أن تكون جزءا من المشهد فأخاطبها وعيني على الثانية , وأشعر وأنا أكتب للوطن , أنني مجبول بخلطة عجيبة , طينتي “عربية” أحرفها تتوزع على ألوان التربة في وطننا العربي الكبير. وحين أكتب لزوجتي أشعر أنني أمام حديقة غناء تحيط بي جميلات العالم وتتجسد بشخصها, وهذا برز واضحا في ديواني الشعري “لست عبثيا” , وأحيانا أوجه رسائل لأبنائي ولمجتمعي فأنا جزء من منظومة اجتماعية أشعر بالمسؤولية تجاهها, فأرى أن من واجبي أن أقدم ما أمتلك من معلومات لأبناء وطني وأن أنصحهم وأرشدهم وأدعوهم للفضيلة, وهذا الأمر ظهر في كتاب ” بوح الخواطر” حيث هو جزء من حصيلة تجاربي في الحياة. وبحكم التخصص كتبت للمختصين في التنمية , فسعيت من خلال كتابي ” مدخل إلى التنمية البشرية ” أن أبلور مجموعة من المفاهيم ذات العلاقة , وأن أفرغ كما من المعلومات تكفي للخروج بالدارس إلى تكوين الأفكار الكافية التي تمكنه من الدخول في التخصص.

* ما تعليقك حول ظاهرة جسدنة الأدب وتكريس سلطة إغراء الحرف. هل هي دعوة لتحرير الأنثى من القيد المتوارثة ؟

-إذا كنت تقصد ” بالجسدنة” التركيز على الجسد , فلا أعتقد أنها تصب فيما ذكرت في سؤالك , فالأمر حقيقة يصب في قناة تجرف بطريقها المعنى الحقيقي للأنثى , وإلا ما معنى ما نراه من أجساد مغرية ترافق القصائد أو ما تسمى بالقصائد . فتحرير الأنثى يجب أن يكون بالحفاظ على قيمتها كأنثى ,” أم الرجل وأخته وزوجته وشريكته” , فالمرأة بروحها لا بجسدها , بعطائها لا بابتذال دورها وحصره بالجسد . المرأة مخلوق له قدسيته وكينونته الخاصة , يجب الحفاظ عليها وعدم كسرها , فمن يسعى إلى ” الجسدنة ” بالمعنى الذي ذكرت , يسعى إلى إنزالها مقاما دون مقامها , وكلنا يعلم مقامها الحقيقي في ديننا .


* يسعى الشاعر المعاصر الى اكتشاف أهمية الحرف من اجل الوصول إلى قصائد بمفردات غير معهودة , فهل هبط بعض الشعراء بالشعر لاسترضاء شريحة واسعة من الجمهور ؟

– أولا, لا نستطيع التعميم , فالشعراء المعاصرون مستويات , فلا نستطيع على سبيل المثال مع احترامنا للآخرين , أن ندرج الجواهري أو قباني أو درويش ضمن هذه الجوقة . ثانيا , أرى أن القصيدة رسالة, والرسالة لا يمكن إلا أن تحمل هدفا , والقصيدة التي لا تحمل هدفا مضيعة لوقت الكاتب والمتلقي , والرسالة يجب أن تكون نبيلة , وما ذكرته في سؤالك المداهنة واسترضاء الجمهور ليس أي منهما من الأهداف النبيلة . أما الكلمة فهي وسيلة وليست هدف وحين تصبح هدفا, تطيح بالقصيدة وبالرسالة أو الرسائل التي تحملها , والموضوع هو فكرة ,والفكرة تولد ثم نبحث عن الكلمة التي تجسدها وتنقلها للمتلقي بصورتها الأبهى , وإلا خرجت عن سكة الشعر .

*هل وصل الخضور إلى مرافئ تحقيق الأحلام والتطلعات ؟ وما هو مشروعك المستقبلي ؟

– الحلم يا سيدي كالشريط الذي نراه عند طبيب القلب حين يقوم بعملية ما يسمى بتخطيط القلب , فله نقطة بداية , ونجده متعرجا في مسيرته ولا ينتهي الا بضغطة من الطبيب على الجهاز , والضغطة تمثل خروج الروح , تماما هو الحلم , فطالما القلب ينبض طالما الحلم يتجدد , قد يكبر أو يصغر حسب الظروف وهو هنا التعرج , وإذا انتهت أحلامنا فلنجلس على فراشنا ننتظر الأجل , ويجسده في مثال الطبيب زر التوقف عن التخطيط . أما مشروعي المستقبلي فهو تجميع ما أكتبه من قصائد في ديوان جديد , وتجميع ما أكتبه من مقالات في كتاب جديد , وسأعطي الأولوية لإصدار كتاب في النقد الأدبي , فقد وجدت نفسي هناك .

*السؤال الحالي ، ساقتني إليه إجابة السؤال السابق , فإني أراك ميالا للنقد الأدبي , هل يعني ذلك أنك ستتخذه مسارا مستقبليا ؟

– يعتمد النجاح في النقد على أمرين , التذوق وسعة الخيال , فلا تستطيع أن تنقد دون ذائقة أدبية سامية المستوى , وكذلك لا تستطيع أن تنقد دون أن تشطح في المعاني , فالكتاب من ألفه إلى يائه لوحة فنية , الحكم على مستواها في إيحاءاتها, والنقد فن راق لم أصل إلى مستواه بعد , لكني في النقد أعتمد على أسلوبي الخاص فلا أميل إلى القولبة , وأميز بين النقد والانتقاد . فأجدني في كل مرة أنحى نحو نهج جديد , يتحكم في هذا الأمر, شخصية الكاتب ومضمون الكتاب وأسلوبه , وأشعر أنني نجحت في تقديم بعض الدراسات النقدية الإبداعية والحكم بالتالي للقارئ.

*برأيك هل بات الكتاب في غرفة الإنعاش كنتيجة لتأثير الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي ؟

-لا شك أن هناك تأثير سلبي ملحوظ على الكتاب الورقي كنتيجة لتأثير الشبكة العنكبوتية , لكن لم يدخل غرفة الإنعاش بعد كما أشرت. ما زال للكتاب الورقي أصدقاؤه , وما زال للصحيفة الورقية أصدقاؤها . فللقراءة من الكتاب كما للقراءة من الصحيفة الورقية نكهة خاصة يتذوقها من كان يتلذذ بهما قبل وصول الشبكة العنكبوتية واستخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية.

* طقوس الكتابة تختلف من أديب لآخر , فما هي الطقوس التي تسهم في ولادة النص لديك ؟

أولا , ما زالت قدمي على الدرجة الأولى من سلم الأدب , وما زلت أحاول تثبيت قدمي على الساق قابضا على الغصن ساعيا لقطف ثمار شجرة الأدب اليانعة التي تعطي أكلها كل حين .أما بخصوص الطقوس فأنا أعتبر الكتابة الأدبية ردة فعل وليست فعلا بذاتها , بكلمات أخرى, نحن نكتب نتيجة للانفعال السلبي أو الإيجابي , فلا نص دون مشاعر, والمشاعر حزنا أو فرحا هي بحد ذاتها انفعال , فالأصل أن توظف الكلمة للتعبير عن الفكرة ولا توظف الفكرة لاجترار الكلمة . والكلمة عندما تجتر اجترارا, تصل هزيلة لا تستحق النظر إليها وتحتاج إلى علاج .

*كيف تجسد المرأة في قصائدك؟ وهل توظيف مشاعر الحب يخدم القصيدة؟

-المرأة بالنسبة لي , وطن فيها السكينة والمودة والرحمة , وهذه وتلك تولد الطمأنينة , والطمأنينة تخلق الشعور بالأمان , والشاعر يبدع في حالتين , إما طمأنينة أو تضحية , والمرأة تشكل بؤرة الدائرة الأولى , وأنا أحاول أن أزاوج بين المرأة والوطن .

*لو لم تكن اديبا ماذا وددت أن تكون ؟
-أركض خلف قطار الشعر , وقد ألحق به وأتشبث بعلائقه الخلفية , وقد يفوتني وأذوب ما بين عجلات القطار الذي يليه وسكته. على العموم , في مقتبل العمر كنت أتمنى لو أصبح مذيعا , ولما أصبحت ناضجا تمنيت أن أكون سياسيا , فلم تتحقق هذه ولا تلك , ولا أدري إذا تمكنت فيما تبقى من العمر أن أعد في قائمة الأدباء .

*حدثنا عن رحلة التزود بالمعرفة مع دواوين الشعراء والأدباء ؟

-مرت رحلة التزود بمحطات عديدة , تأثرت بمرحلة المراهقة الفكرية التي طالت فأرهقتني , في صغري كانت الصحف تشكل وجباتي اليومية , فقد كنت أقرأ الصحف اليومية بنهم , ثم انتقلت إلى مرحلة الكتب الفكرية الجدلية , ولم أكن أهتم بقراءة الشعر كثيرا رغم أنني كانت لي محاولات لا يعتد بها في سن مبكرة , وبعدها شدتني الكتب الأدبية ودواوين الشعر والقصائد المغناة كثيرا, وكانت قصائد محمود درويش ونزار قباني والجواهري تستهويني ,وأنا هنا لأقول ” أن القرآن الكريم خير غذاء للعقل وخير مصحح للسان لما فيه من بلاغة مركزة ” . على كل حال أعيش هذه السنوات مرحلة التفريغ والتفريخ .

*بم يختم الأديب سلطان الخضور حواره معنا؟

– أختم الحوار بتقديم شكري العميق لكم ولصحيفتكم , ودعائي اللحوح لكم بالتوفيق , ورجائي لله سبحانه وتعالى أن تنعم أمتنا بالهدوء والاستقرار, وأن تتفرغ لتنمية الوطن والإنسان وأن تعود أراضينا المحتلة ومقدساتنا إلينا .

 العربي اليوم