الأمية في الوطن العربي بين آلام الواقع وآمال المستقبل بقلم:د. وائل محمود صادق
تاريخ النشر : 2019-01-10
الأمية في الوطن العربي بين آلام الواقع وآمال المستقبل بقلم:د. وائل محمود صادق


الأمية في الوطن العربي

بين آلام الواقع وآمال المستقبل

(اليوم العربي لمحو الأمية)

د. وائل محمود صادق

متخصص في تعليم الكبار

يحتفل العالم العربي في الثامن من يناير من كل عام باليوم العربي لمحو الأمية, والذي جاء بناء علي قرار الجامعة العربية, كذلك نشهد مرور ثلاثة وخمسين عاماً علي إنشاء الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار في العام 1966, وسبق هذا التاريخ وأعقبه محاولات ومحاولات, ووضعت خطط وتقارير ودراسات للحد من أخطر الآفات علي مجتمعنا العربي وهي الأمية, لقد بات جلياً أن خطط التطور والتنمية تقتضي مواجهة الظاهرة, فلا زالت نسب الأمية مرتفعة نحو 20% من المواطنين العرب أميين (حسب الإحصاءات الرسمية), ومن خلال تتبع التسلسل الزمني لمواجهة الأمية نجد أن الطريق ما زال طويلاً, فخلال خمسون عاماً استطعنا أن نقضي علي 50% فقط من نسبة الأمية, وهو ما يعني أننا نحتاج أكثر من 20 عاماً آخرين إن صدقت النوايا.

وللظاهرة أسبابها ونتائجها, أما الأسباب فهي عجز نظام التعليم العربي على توفير فرص التعليم للجميع وانتشار ظاهرة التسرب المدرسي, بالإضافة إلي أن ظاهرة الأمية تسهم في العديد من المشكلات للمجتمعات العربية أخطرها مشكلة الأرهاب وتفشي التطرف والعنف والجريمة, وغياب الوعي بشكل عام وانتشار البطالة والفقر والمرض والقصور في امتلاك أسباب التطور وغيرها.

لقد كان العقد العربي لمحو الأمية (2015- 2024) أحد المبادرات الطموحة والتي تنطلق من أهمية التعلم باعتباره عملية مستمرة مدي الحياة, وكونها حق إنساني أصيل وهدف أساسي من أهداف التنمية المستدامة أملاً في علاج المشكلة, وخاصة أن الدول العربية تقوم بوضع الخطة الزمنية والتصورات المناسبة لمواكبة العقد, بينما توفر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم منصة داعمة فنياً للجنة التنسيق العليا, والتي وضعت أهدافها وأولها تحرير الأميين في الوطن العربي بحلول عام 2024, وسد منابع الامية من خلال الاستيعاب الكامل للأطفال في سن التمدرس وتوسيع برامج محو الأمية في المناطق الأشد فقراً ومكافحة الارتداد للأمية.

ولتحقيق ذلك وضعت آليات تتضمن تشكيل لجان وطنية تقوم بوضع الخطط وتنفيذها وتقويمها بمشاركة كافة القطاعات الحكومية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني, حصر الأميين, بناء القدرات واعتماد المدربين في مجال تعليم الكبار, والاستفادة من تقانات التعليم والاعلام والاتصال في انتاج برامج تعليمية يسهل الوصول إليها والإستفادة منها.

لا زالت الجهود العربية ضعيفة في محو الامية في كثير من الدول حتى تلك الدول التى قطعت خطوات كبيرة في محو الامية تعاني من العديد من المشكلات التي ترتبط بشكل كبير بمحو الأمية كالبطالة والفقر والعنف.

وتقع فلسطين في صدارة الدول العربية التي حققت إنجازات بارزة في مجال محو الأمية, وهذا بفضل جهد الكثير من المؤسسات أولها وزارة التربية والتعليم وآخرها المؤسسات العاملة في هذا المجال وهي كثيرة لا مجال لحصرها, ومع ذلك نقول بأننا لا زلنا نحتاج لكثير من الجهد بشكل عادل ومتساو بين محافظات الوطن, فالإنقسام السياسي لا يجب أن يعطل مسيرة وضع فلسطين في مكانها المناسب.

 كذلك نحتاج لوضع خرائط لمحو الأمية توضح أعداد الأميين وأماكن تواجدهم حتي يتيسر الوصول إليهم, والعمل علي زيادة مراكز محو الأمية بحيث تشمل كل محافظات الوطن إن لم يكن مدنه وقراه, مع ضرورة التأهيل الكافي لميسري تعليم الكبار وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال التشبيك مع الجامعات ومؤسسات التدريب المختلفة وخاصة كليات التربية, وهنا أقدم دعوة صريحة لجامعاتنا بضرورة فتح أقسام لتعليم الكبار بكليات التربية.

لقد آن الأوان بأن يتم إنشاء هيئة لتعليم الكبار يقع علي عاتقها مهمة التخطيط والتنفيذ والمتابعة والاشراف علي مراكز تعليم الكبار وبرامجها المختلفة وتوظيفها بما يلبى احتياجات التنمية الوطنية الشاملة .

ليس مهمة الجهات الرسمية فقط استكمال مسيرة القضاء علي الأمية الأبجدية, بل الإنتقال لفضاءات أرحب من خلال محو الأمية الحضارية, وهنا نقصد تلك الفجوة التي تفصل بين عالمنا النامي والعالم المتقدم من العلم والثقافة والتكنولوجيا والصحة والفن والسياسة والاقتصاد والاجتماع, المهمة كبيرة وثقيلة وتحتاج لجهد أعظم, لقد أصبح دورنا غير مقتصراً علي تحقيق النجاح في القضاء علي الأمية الأبجدية بل في التقليل من الفوارق الحضارية حتي ننتقل من طريق الآلام إلي تحقيق الأحلام.