المذهب الاتباعي بقلم: حسين علي الهنداوي
تاريخ النشر : 2019-01-10
المذهب الاتباعي بقلم: حسين علي الهنداوي


الباب الثالث
المذاهب الأدبية الحديثة
–غير العربية-
أ- مقدمة :
تدخل المذاهب الأدبية الحديثة في الدراسات المقارنة بوصفها تيارات فكرية وفنية واجتماعية، تعاونت الآداب الكبرى العالمية في نشأتها ونموها، وقد مثل كل مذهب منها روح العصر الذي نشأ فيه خير تمثيل، وقد ازدهرت هذه المذاهب في الآداب الغربية منذ أسفر عصر النهضة الأوروبية عن الاستقرار الكلاسيكي بما ساد فيه من أسس فنية وفكرية، وأهميتها واضحة من ناحية تأثيرها العميق في أدبنا الحديث .
ب- انواع المذاهب الادبية غير العربية:
وقد تنوعت المذاهب الأدبية التي استوردها أدباؤنا من الغرب ، وأهمها :

1الباب الثالث
الفصل الأول :
1 -المذهب الاتباعي :

أولا: التعريف
الكلاسيكية مذهب أدبي، ويطلق عليه أيضاً "المذهب الإتباعي" أو المدرسي وقد كان يقصد به في القرن الثاني الميلادي الكتابة الأرستقراطية الرفيعة الموجهة للصفوة المثقفة الموسرة من المجتمع الأوروبي. أما في عصر النهضة الأوروبية، وكذلك في العصر الحديث: فيقصد به كل أدب يبلور المثل الإنسانية المتمثلة في الخير والحق والجمال "وهي المثل التي لا تتغير باختلاف المكان والزمان والطبقة الاجتماعية" وهذا المذهب له من الخصائص الجيدة ما يمكنه من البقاء وإثارة اهتمام الأجيال المتعاقبة. ومن خصائصه كذلك عنايته الكبرى بالأسلوب والحرص على فصاحة اللغة وأناقة العبارة ومخاطبة جمهور مثقف غالباً والتعبير عن العواطف الإنسانية العامة وربط الأدب بالمبادئ الأخلاقية وتوظيفه لخدمة الغايات التعليمية واحترام التقاليد الاجتماعية السائدة. كما ورد في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي)
ثانيا- التأسيس وأبرز الشخصيات:
يعد الكاتب اللاتيني أولوس جيليوس هو أول من استعمل لفظ الكلاسيكية على أنه اصطلاح مضاد للكتابة الشعبية، في القرن الثاني الميلادي. وتعد مدرسة الإسكندرية القديمة أصدق مثال على الكلاسيكية التقليدية، التي تنحصر في تقليد وبلورة ما أنجزه القدماء وخاصة الإغريق دون محاولة الابتكار والإبداع. وأول من طور الكلاسيكية الكاتب الإيطالي بوكاتشيو 1313 - 1375م فألغى الهوة بين الكتابة الأرستقراطية والكتابة الشعبية، وتعود له أصول اللغة الإيطالية المعاصرة. كما أن رائد المدرسة الإنكليزية شكسبير 1564 - 1616م طور الكلاسيكية في عصره، ووجه الأذهان إلى الأدب الإيطالي في العصور الوسطى ومطالع عصر النهضة. أما المذهب الكلاسيكي الحديث في الغرب، فإن المدرسة الفرنسية هي التي أسسته على يد الناقد الفرنسي نيكولا بوالو 1636 - 1711م في كتابه الشهير- فن الأدب -الذي ألفه عام 1674م . حيث قنن قواعد الكلاسيكية وأبرزها للوجود من جديد، ولذا يعد مُنظر المذهب الكلاسيكي الفرنسي الذي يحظى باعتراف الجميع. ومن أبرز شخصيات المذهب الكلاسيكي في أوروبا بعد بوالو:
1- الشاعر الإنكليزي جون أولدهام 1653 - 1773م وهو ناقد أدبي ومن المؤيدين للكلاسيكية.
2- الناقد الألماني جوتشهيد 1700 - 1766م الذي ألف كتاب فن الشعر ونقده.
3- الأديب الفرنسي راسين 1639 - 1699م وأشهر مسرحياته فيدرا والإسكندر.
4- والأديب كورني 1606 - 1784م وأشهر مسرحياته السيد - أوديب.
5- الأديب موليير 1622 - 1673م وأشهر مسرحياته البخيل - طرطوف.
6- والأديب لافونتين 1621 - 1695م الذي اشتهر بالقصص الشعرية وقد تأثر به أحمد شوقي في مسرحياته.
ثالثا- الأفكار والمعتقدات:
يقوم المذهب الكلاسيكي الحديث، الذي أنشأته المدرسة الفرنسية مؤسسة المذهب على الأفكار والمبادئ التالية:
1- تقليد الأدب اليوناني والروماني في تطبيق القواعد الأدبية والنقدية وخاصة القواعد الأرسطية في الكتابين الشهيرين: -فن الشعر -وفن الخطابة -لأرسطو.
2- العقل هو الأساس والمعيار لفلسفة الجمال في الأدب، وهو الذي يحدد الرسالة الاجتماعية للأديب والشاعر، وهو الذي يوحد بين المتعة والمنفعة.
3- الأدب للصفوة المثقفة الموسرة وليس لسواد الشعب، لأن أهل هذه الصفوة هم أعرف بالفن والجمال، فالجمال الشعري خاصة لا تراه كل العيون.
4- الاهتمام بالشكل وبالأسلوب وما يتبعه من فصاحة وجمال وتعبير.
5- تكمن قيمة العمل الأدبي في تحليله للنفس البشرية والكشف عن أسرارها بأسلوب بارع ودقيق وموضوعي، بصرف النظر عما في هذه النفس من خير أو شر.
6- غاية الأدب هو الفائدة الخلقية من خلال المتعة الفنية، وهذا يتطلب التعلم والصنعة، ويعتمد عليها أكثر مما يعتمد على الإلهام والموهبة.
رابعا- الجذور الفكرية والعقائدية:
ارتبط المذهب الكلاسيكي بالنظرة اليونانية الوثنية، وحمل كل تصوراتها وأفكارها وأخلاقها وعاداتها وتقاليدها. والأدب اليوناني ارتبط بالوثنية في جميع الأجناس الأدبية من نقد أدبي وأسطورة إلى شعر ومسرح ، ثم جاء الرومان واقتبسوا جميع القيم الأدبية اليونانية وما تحويه عن عقائد وأفكار وثنية. وجاءت النصرانية وحاربت هذه القيم باعتبارها قيماً وثنية، وحاولت أن تصبغ الأدب في عصرها بالطابع النصراني، وتستمد قيمها من الإنجيل إلا أنها فشلت، وذلك لقوة الأصول اليونانية . وبعد القرن الثالث عشر الميلادي ظهرت في إيطاليا بداية حركة إحياء للآداب اليونانية القديمة، وذلك بعد اطلاع النقاد والأدباء على كتب أرسطو في أصولها اليونانية وترجماتها العربية، التي نقلت عن طريق الأندلس وصقلية وبلاد الشام بعد الحروب الصليبية. وازدهر المذهب الكلاسيكي في الأدب والنقد بعد القرن السادس عشر والسابع عشر الميلادي.
خامسا- الكلاسيكية الحديثة:
وفي أواخر القرن التاسع عشر بدأت المدرسة الكلاسيكية الحديثة, أو ما يطلق عليها (النيوكلاسيكية) , وهي اتجاه حاول أن يجمع بين الكلاسيكية التقليدية الجامدة والرمانسية الخيالية المتطرفة وبلغت الكلاسيكية الحديثة قمتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى على يد كل من عزراباوند, وت. س. اليوت, وت. ل. هيوم, وجون كرورانسم, وكلانيت بروكس, وآلان تيت, وغيرهم, وكان هذا الاتجاه يرى أن تقليد الفلسفات القديمة مفيد عندما تكون في خدمة الإنتاج الأدبي والفلسفي الجديد, فالقديم ليس مجرد قوالب صماء, يجب أتباعه, بل العقل يختار من التقاليد القديمة ما يناسب الإنتاج الحديث, الذي يجب أن يفرض نفسه على القديم, كل قديم, وهم لا يفرقون في هذا الاتجاه بين الدين الحق والآداب والفلسفات الوثنية, فكل هذا القديم يجب أن يخضع للعقل والفكر المعاصر, ليختار منه ما يناسبهما, وينفعهما, دون الخضوع له. وهذه الصورة الجديدة (أعني الكلاسيكية الحديثة) , هي التي استغلها الحداثيون, في العالمين, الغربي والعربي, وسار كثير منهم على نهجها, وانتسبوا إلى الكلاسيكية بهذا المفهوم الحديث كمت ورد في كتاب (الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 582)
سادسا- الانتشار ومواقع النفوذ:
تعد فرنسا البلد الأم لأكثر المذاهب الأدبية والفكرية في أوروبا، ومنها المذهب الكلاسيكي، وفرنسا - كما رأينا - هي التي قننت المذهب ووضعت له الأسس والقواعد النابعة من الأصول اليونانية. ثم انتشر المذهب في إيطاليا وبريطانيا وألمانيا .. على يد كبار الأدباء مثل بوكاتشيو وشكسبير.
وقد كان الإيطاليون قد سبقوا إلى التمهيد لنشأة المذهب الكلاسيكي، فقد كثرت عندهم ترجمات فن الشعر لأرسطو عن الأصل اليوناني في القرن السادس عشر، وكذلك فن الشعر لهوراس، وتوالت شروحهما، ثم ألفت كتب كثيرة أخرى عنوانها (فن الشعر)، وهي تنهج منهج هذين الكتابين، وتتأثر بهما، ولكن مع تأويل تبعد به قليلًا أو كثيرًا على المعنى الدقيق فيهما، كما يقول الدكتور محمد غنيمي هلال. ومن الناحية الفنية: سارت الكلاسيكية على فصل الأجناس الأدبية بعضها عن بعض، وحافظت بعامة على الوحدات الثلاث في المسرحية، على حسب تأويل الإيطاليين لها عن أرسطو وعلى نظرية "محاكاة الأقدمين". وتقوم الكلاسيكية على العقلية، والعقلية أساس لفلسفة الجمال في الأدب عند الكلاسيكيين؛ إذ الأدب في نظرهم انعكاس للحقيقة، وهم يرون أن الحقيقة هي في كل زمان ومكان لا تتغير، والعقل هو الذي يحدد رسالة الشاعر الاجتماعية ويعززه القواعد الفنية الأخرى، وهو عماد الخضوع للقواعد عامة، ثم إنه هو الذي يوحد بين المتعة والمنفعة، ولا يصح أن يحاكى الأقدمون إلا بقدر إتباعهم للعقل، والعقل عند الكلاسيكيين يرادف الذوق السليم والحكم السليم، ومن هذه الناحية اتخذوه وسيلة لتثبيت دعائم التقاليد والقواعد المقررة، وهم يعارضونه بالذوق الفردي ويفضلون العقل عليه لأنه ثابت غير متغير؛ إذ أساس الجمال في الأدب أن يكون صالحًا لكل زمان ومكان، وهم يترجمون العقل في النقد بخلق الجماهير التي يتوجه إليها الشاعر وبعاداتها، وهذا هو معنى التطابق بين العقل وما سموه الذوق السليم أو مراعاة ما يليق. وجمهور الكلاسيكيين محدودٌ أرستقراطي، وليس أدب الكلاسيكيين أدبًا شعبيًّا، وحتى في (الملهاة) كان يقصد الكلاسيكيون إلى إرضاء السادة قبل سواد الناس، وهم يصرحون بأنه لا يتوجهون إلا إلى الخبراء بمهنة ربات الفنون، وفي ظل القواعد الكلاسيكية راج الشعر المسرحي وضعف الشعر الغنائي وانمحت الذاتية تحت سلطان المجتمع الأرستقراطي، وقد ساعد أدبهم على دعم القيم والتقاليد السائدة.
سابعاً-الاتجاه الكلاسيكي في العالم العربي:
لم يكن في الأدب العربي مدراس واتجاهات أدبية بالمعنى المعروف لدى الآداب الأجنبية وإنما كانت أساليب وطرائق وأنواع أدبية لم تدخل المذاهب الأدبية الغربية بمفهوماتها الفلسفية إلى العالم العربي إلا في مطلع القرن الميلادي العشرين بسبب الابتعاث والترجمة ونحوهما .وممن اشتهر بالكلاسيكية في العالم العربي محمود سامي البارودي وأحمد شوقي ومحمد مهدي الجواهري ومعروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي وخليل مطران وبشارة الخوري وشفيق جبري وبدوي الجبل والقروي وإلياس فرحات ومحمود قابادوا وغيرهم كثير . على تفاوت بين هؤلاء في تمسكه بالقديم ومراده به. والمراد بالحداثيين الكلاسيكيين هم الذين التزموا أصول الحداثة وأسسها الثورية من رفض القديم الحق وضرورة التحول والتطور في الأصول والمصادر المعرفية والفكرية والصراع مع الموروث الديني بغية تغييره وإخضاعه للفكر الحديث التزموا ذلك مع إيمانهم بالأوزان والقوافي القديمة واستلهام الرموز الوثنية والفلسفات اليونانية والرومانية وآدابها . وهو مذهب جاء مقلدا للنماذج الأدبية القديمة التي اتخذت صفة الخلود ، وأعجب بها الأدباء ، ونشأت الاتباعية كتيار أدبي عربي في مرحلة استيقاظ الشعور القومي وأفول الاستعمار ومن خلال الثورة على اللغة التركية التي أصبحت لغة رسمية بديلة عن العربية وقد حاكت الاتباعية العربية نظيرتها الغربية القدماء واعتمدت على الثقة بالعقل البشري والتزمت القواعد ومبادئ منتظمة، وقد كان البارودي زعيم هذه المدرسة اعتمد في معظم شعره على محاكاة القدماء من ذلك قوله :
فيا قوم هبّوا إنّما العمر فرصةٌ وفي الدهر طرقٌ جمّةٌ ومنافعُ
أصبراً على مسِّ الهوان وأنتم عديد الحصى: إني إلى الله راجعُ
وقد اعتمد الاتباعيون العرب كحافظ إبراهيم وأحمد شوقي واسماعيل صبري ومحمد عبد المطلب وخليل مطران في بناء قصائدهم على الجزالة في الألفاظ والمتانة في التركيب والإشراق في الديباجة والعودة إلى المعاني القديمة والأساليب السابقة.
ثامناً-من سمات الاتباعية العامة :
أ - محاكاة الطبيعة الإنسانية ( الاهتمام بالإنسان العام لا الفرد)
ب - محاكاة القدماء باقتباس موضوعاتهم وأساليبهم
ج - الثقة بالعقل البشري بحيث يكون العقل الطريق الهادي للجمال
د - الانضباط بالقواعد والالتزام بالضوابط التي أشهرها:
1 - جودة الصياغة اللغوية
2- نصاعة التعبير
3 - عدم التكلف والزخرفة اللفظية
4 - الاقتصاد باستخدام الألفاظ ( البلاغة في الإيجاز )
5 -الوضوح في الأفكار
6 - الوضوح في المعاني
7 - الذوق واللياقة (الاتباعية أدب موجه للإنسان المهذب )
8 -مشاكلة الواقع
9 - إقصاء عواطف الأديب الخاصة ليتحدث أشخاصه
10- فصل الأنواع الأدبية ( الملحمة ثم ّ المأساة ثم ّالملهاة ثم ّالقصيدة الغنائية)
في المسرح ( اتباع فواعد المسح الثلا ث) (وحدة الزمان والمكان والموضوع )