مناقشة مسرحية بيجماليون (لتوفيق الحكيم) بقلم رائد محمد الحواري
تاريخ النشر : 2019-01-09
مناقشة مسرحية بيجماليون (لتوفيق الحكيم)
ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها اللجنة الثقافية في دار الفاروق تم مناقشة مسرحية "بيجماليون" لتوفيق الحكيم، وقد افتتح الجلسة الروائي "محمد عبد الله البيتاوي" قائلاً: يعتبر توفيق الحكيم من الذين أثّروا في المسرح العربي ووضعوا أسس هذا الفن، له العديد من المسرحيات منها ما يميل إلى الواقعية، وأخرى مسرحيات ذهنية، ومسرحية "بيجماليون" تتناول أسطورة إغريقية جاعلاً حالة صراع بين الفن الإنسان، الإنسان والآلهة.
ثم فتح باب النقاش فتحدث الأستاذ "سامي مروح" قائلاً: يلبس المؤلف قناعًا خلف شخصية "بيجماليون"، فيطرح إشكالية الفنان مع المجتمع، علاقة الفنان بالحياة، علاقة الإنسان مع الله، من خلال نظرة فلسفية، فحالة صراع الإنسان مع المحيط الخارجي تصل إلى ذروتها وتصل إلى درجة الإلحاد، لكن أعتقد أن "توفيق الحكيم" كان محايدًا في تقديم الأفكار، فهو لم ينحاز لأي طرف، وأبقى الباب مفتوحًا أمام المشاهد/القارئ ليقرر هو أين هو الصواب فيما طرح.
ثم تحدث الأستاذ "سمير عودة" قائلاً: عدد الشخصيات قليل في المسرحية، والمكان محدود، حتى أنه لم يعطينا وصفًا دقيقًا له، لكن المسرحية تحمل مجموعة رسائل، منها المفارقة بين قوة الفن والفكر من جهة وبين الحياة من جهة أخرى، فالحياة فانية، لكن الفن يبقى حاضرًا، والرسالة الثانية التي تطرحها المسرحية جمال المرأة وعلاقة جمالها بالفن، فجمالها لا يدوم إلى الأبد، وهنا نجد فكرة الخلود وبقاء الجمال على حاله، وفكرة أن المرأة تميل إلى من يملك النفوذ والمال، ونجد فكرة سيطرة وهيمنة الذكور على المرأة، وهنا الرسالة متعلقة بضرورة حفاظ الإنسان على من يحب، وهنا يمكننا الحديث عن دور الواجب الذي على الحبيب أن يقوم به تجاه محبوبته.
وقدم الشاعر عمار خليل ورقة نقدية جاء فيها: "قراءة خارج النص مما لا ريب فيه أن الحكيم من طليعة هؤلاء الأدباء والمفكرين الذي أوجدوا ما يُعرف بالمسرح، قادمًا به من الثقافات اليونانية، ومن السهل جدًا أن ترى في هذا النص، المقدار الكبير من الفلسفة الكامنة والصراع المتوهج بين الفن والحياة. في تقديري أن المرحلة التي كتب فيها بجماليون ما هي إلا تفريغ في اللاوعي للكاتب، وإعادة إنتاج لنص ميثولوجي قديم ينسجم مع ذات الكاتب. هذا التناقض والتمرد الرمادي ما زال يطرحه العقل الإنساني، هذا العقل الذي لم يُدرك بعد تلك الحوافز والرؤى التي تُسهل عليه معنى الوجود وغايته المطلقة، فهو كالظمآن يركض خلف السراب وفي يديه نبع من الماء زلال. بجماليون في هذا النص، يمثل كل خلجات النفس وتناقض الرغبة وصراع المعرفة، ففي كل إنسان منا يكمن بجماليون، متلقب المزاج، الباحث عن الكمال والمتشظي في مكامن رغباته، ولكن لماذا يتوجب علينا أن نقف عند هذا النص الدرامي العتيق في هذا الوقت بالذات، رأيت أن النص يعيد إنتاج نفسه، وأن هذا الصراع الفكري والإنساني والديني ما زال قائمًا، وما بجماليون سوى انعكاس في اللاوعي لخلجات ونفسية الكاتب ولكثير من البشر الذين فقدوا توازنهم وهدوء قلوبهم، وخير دليل على ذلك ما قاله حين سئل مرة عن نفسه، فأجاب بتاريخ 6/9/1986: "توفيق الحكيم شخص لا أعرف عنه شيئًا كثيرًا.. وإني أقرأ عنه أحيانًا بعض ما ينشر عنه فأراه شخصًا آخر.. أما أنا فأسأل نفسي دائمًا: ما هي المهمة التي كلفت بها في هذه الحياة الموقوتة.. وكلما سرت في طريق حياتي فطنت فجأة إلى أن هذا الطريق ليس هو الطريق الذي تصورته.. ولو كان في طريق حياتي لافتات مثل لافتات المرور تنبهني إلى أن هذا الطريق يؤدي إلى جهة كذا، كنت تنبهت من أول الأمر ولم أواصل السير.. فأنا إذن مخلوق ضحية عدم وجود لافتات مرور في شارع حياتي الطويل.. هنا أقول وبدون مواربة، أن بجماليون كان لئيمًا، قاسيًا، شبه إنسان، متنافضًا، متمردًا على ذاته، متشظيًا في رغباته، وسيظل بجماليون يسكن في كل نفس تائهة لا تدرك مغزى الوجود، هذه النفس الغير متصالحة مع خالقها، كيف لها أن تتصالح مع ذاتها ومع هذا الوجود".
ثم تحدثت الأستاذة "فاطمة عبد الله" فقالت: يمكن أن تدرس هذه المسرحية ضمن الأساطير الإغريقية، فهناك مجموعة كبيرة من الآلهة وكلها تقوم بدورها حسب الأساطير الإغريقية، وهذا ما جعل آفاق المسرحية كبيرة، فقد كتب توفيق الحكيم هذه المسرحية بعد أن شاهد لوحة فنية في فرنسا، رفض "الحكيم" فكرة عرض المسرحية في أول الأمر، لكن بعد أن عُرضت أُعجب بها، فكرة المسرحية تتمحور حول فكرة عدم قدرة الإنسان للوصول إلى الكمال المطلق، من هنا نجد حالة الصراع بينه وبين الآلهة، الفن والحياة، فالفن قادر على الوصول إلى معنى الحياة، لكن الحياة قاصرة على الحفاظ على الجمال وبقاءه، وأجد شيء من الصراع بين شخصية توفيق الحكيم وبين "بيجماليون" وهذا ما انعكس على رؤيته للمرأة التي عاملها بقسوة وشدة.
أما الأستاذ نضال دروزة فقال: تذكرني هذه المسرحية بمسرحية سارتر "الشيطان والإله الطيب"، فالصراع أساس الحياة، القيم المتبناة عند بيجماليون هي المحرك لأحداث المسرحية، الحياة ليس لها نمط معين، بل تخضع لمجموعة عوامل تؤثر عليها وعلى الإنسان، كما أن هذه القيم هي من يسيطر ويشكل طبيعة الحوار في المسرحية، من هنا نجد الشخصيات تنطلق من مفاهيم/قيم خاصة بها، وأعتقد أن الحكيم في هذه المسرحية أراد تقديم فكرة، مستترة، تتمثل في فشل المثقل العربي في تقديم رؤية واضحة حول العديد من القضايا، وفشل الرجل بعلاقته مع المرأة، وفي قيام علاقة مبينة على أسس عصرية، وهناك فكرة مطروحة هي أيهما الأفضل "الفن للفن، أم الفن للمجتمع؟"
وتحدث رائد الحواري قائلاً: أن أهمية توفيق الحكيم في تناوله لحالة الصراع، فهو كاتب يتقن تناول الأفكار المتناقضة دون أن يتدخل في الحوار، وهذا ما يجعل القارئ هو من يقرر أي الأفكار هو المناسب، وهذا ما يُحسب له، فهو لا يتدخل باختيار القارئ، بل يجعله يفكر ويقرر لأية جهة ينحاز، وفي ذات الوقت يترك فيه فكرة تقبل الآخر وعدم إقصاءه.
وفي نهاية اللقاء تم الاتفاق على أن تكون الجلسة القادمة يوم السبت الموافق 19/1/2019 لمناقشة ديوان "شغف الأيائل" للشاعرة "عفاف خلف".
ملاحظة: يمكن الحصول على الديوان من دار الفاروق لمن أراد أن يشارك في المناقشة..