اليهودي في رواية "مئا شعاريم" أحلام الأحمدي بقلم رائد محمد الحواري
تاريخ النشر : 2019-01-08
اليهودي في رواية
"مئا شعاريم"
أحلام الأحمدي
هناك حال من (الضياع) يمر بها المثقف العربي، لهذا نجد العديد من (الروايات) المنتشرة تحمل أسماء يهودية "في قلبي امرأة عبرية، سيدة من تل ابيب، المصائر، المصائر، الهلوكوست، كيلاا، والرقص الوثني" والقائمة تطول ولكي أكون موضوعيا فقد قرأت رواية "المصائر" لربعي المدهون، وبكل حيادية كانت لغتها متواضعة جدا، لكن فكرتها كانت تتناول الواقع الفلسطيني وكيف أن البيت/المكان لم يعد له، وأصبح لمهاجر جاء اليمن ليسكنه. على العموم، وأما رواية كيلا فهي متواضعة جدا في حبكتها وفي طريفة تناولها لليهودي، فالكاتب كتبها من خارج المكان ولم يكن على علم ومعرفة كافية تأهله ليقدم مادة أدبية موضوعية، أما الرواية الأهم والأكثر بروزا فهي رواية "الرقص الوثني" التي ادخلتنا إلى طريقة تفكير اليهودي، وطرحت حقيقة اليهودي وأن المشكلة تكمن في العقلية التي يفكر بها، فهي الرواية الأنضج والأهم على صعيد اللغة والفكرة والسرد وفن الرواية.
إذن هناك تناول لليهودي في الأدب الروائي العربي، وهذا التناول يتحدث بتفاصيل كاملة ودقيقة عن اليهودي، وليس كما كان عليه الحال في القرن الماضي، عندما كان يتم الاشارة إلى شخصية اليهودي بطريقة عابرة، من خلال قراءتي للروايات التي ذكرت، وجدت أن من يكتب من خارج المكان/الجغرافيا الفلسطينية كان طرحه وأحداث روايته وشخصياتها ولغته الروائية غير منسجمة مع الواقع، ـ وهنا لا أدعو إلى أن تكون الرواية واقعية ، بل ليتقبلها العقل والمنطق ـ فلا يجوز أن نغالي (زيادة أو نقصان) في تقديم الشخصيات الروائية، فلا نقزمها أو نعظمها، بل يجب أن تقدم كما هي بطبيعتها البشرية، وضمن الواقع الذي هي فيه.
في هذه الرواية العديد من الملاحظات، منها أن السارد يستخدم لغة/الفكرة الفلسطينية على لسان شخصية يهودية، ونجد علاقة الحب غير منطقية كأنها في كوكب أخر، فعمر "أرييل آشر" ستة عشر عاما عندما أحب "أيالا" وأخذه الصراع مع "خليل" إلى عالم بعيد جدا عن أرض الواقع، فهناك أكثر من حوار ولقاء ومواجهة دامية بينهما، على مدار زمن لا يحتمله واقع الصراع الفلسطيني الصهيوني. ونجد اللغة التي يستخدمها "أرييل" لغة إسلامية ليست يهودية: "فلا مناص لك إلا أن تسلم روحك لها طوعا أو كرها" ص15، فهنا نجد تناص مع الآية القرآنية "قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ۖ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ" وهذا يعتبر خلل في لغة السارد. هذا أضافة إلى العديد من المواقع التي وقعت فيها الراوية في التحدث بلغتها هي وليس بلغة الشخصية: "ولكن قوة تنظيمنا ورغبة الصهاينة في لإقامة دولة، والخيانة والتقاعس وأسرار كثيرة داخل الجيش الإسرائيلي والعربي على حد سواء، حسم نتيجة الحرب بما يسمى حرب الاستقلال للكيان الإسرائيلي وحرب النكبة للعرب.. بل استطاع الكيان الإسرائيلي بفضل هذه الحرب تثبيت مكانته وتوسيع مساحة داخل فلسطين." ص131، فهل يوجد يهودي شارك في الحرب وقتل ما قتل وشرد ما شرد من الفلسطينيين ويتحدث بهذه الشكل عن حرب 48 وتأسيس دولة الاحتلال؟، وعندما يتحدث "أرييل" عن الجيوش العربية يقول: "..فقد كان تسليحها سيئا بصورة كارثية، مع مزيج من الصفقات لشراء أسلحة فاسدة بالجملة" ص131، لا ندري هل المتحدث هو الروائية أم "أرييل" ومثل هذا السرد يعتبر حالة ضياع وتيه للسارد وللقارئ، والشواهد عديدة في الرواية على هذا التداخل بين لغة الروائية ولغة السارد، كما هو الحال في الصفحات 124و133و 156 وقبلها الكثير من الشواهد على هذا التيه والتداخل في الأصوات واللغة.
كما أن قصة الحب بين "أرييل وأيالا" ومن ثم تعلقها بخليل وزواجه منها وهو صغير السن غير منطقي وغير واقعي، كما أن فكرة "أرييل" عن الوطن مرت بمراحل متقلبة ومتناقضة، ففي بداية الرواية نجده يقول: "أرى وطنا. لا يتنفس فيه غير اليهود، من نهر الأردن إلى الفرات، وسيكون ذاك الوطن لي" ص24.
حالة الخلل في مسار وسلوك "أرييل" كان واضحا في الراوية، فنجده مرة صهيوني متشدد كما جاء فيما سبق عند حديثه عن الوطن ومرة نجد إنساني كما هو حال عندما تم أسر خليل" من قبل الهاجاناه: "وكنت لا زلت ممزقا أطرح على بالي ألف سؤال، وأفكر في ألف طريقة، للخروج بهذا الفتى من قضبة الهاجاناه التي لا ترحم" ص32، وهذه التقلب والتحول في شخصية "أرييل" يستمر حتى نهاية الرواية، فهي لم تقدمه بطريقة يمكن فهم/تفسير سلوكه المتقلب والمتحول.
اعتقد أن للغة الأدبية جيدة، لكن لغة الشخصيات لم تكن موفقة، كما أن الأحداث لم تكن منطقية ولا مقنعة فتبدو لنا وكأنها تجري في عالم أخر وليس في فلسطين التي تتعرض لاستعمار استيطاني يريد الانقضاض على الأرض والقضاء على السكان.
الرواية من منشورات دار الدراويش، جمهورية بلغاريا، بلوفديف، الطبعة الأولى 2018