عصا الضرب وإجراءات العقاب - ميسون كحيل
تاريخ النشر : 2019-01-02
عصا الضرب وإجراءات العقاب - ميسون كحيل


عصا الضرب وإجراءات العقاب

أربعة أو خمسة أطفال لا يتجاوز عمر أكبرهم الرابعة عشرة يهتفون لفتح، يركضون يصعدون على منصة تمثال العنقاء، يتحلقون حوله في ميدان فلسطين وسط مدينة غزة، يلاحقهم رجل ضخم الجثة بعصا غليظة طويلة، يرتدي زي الشرطة المرقط بالأزرق، محاولاً ضربهم لترهيبهم وتفريقهم.

كان هذا المشهد الأبرز بالنسبة لي أمس الأول، في تلك اللحظات كان العشرات من أبناء حركة فتح رجالاً ونساء وشباباً وأشبالاً وزهرات، قد بدأوا بالتوافد، ومحاولة الوصول لمكان إيقاد الشعلة وسط المدينة، كان الأمن ينتشر بكثافة، ولا يكاد المرء يخطو خطوة إلا ويجد هناك رجل شرطة حوله، هذا قبل قمع وضرب كل من يحاول الوصول لميدان فلسطين "الساحة".

ومن خلال ملاحظتي على الوجوه التي كانت تنتشر سواء من شرطة حماس التي كان يكسوها الكشرة والغضب والتوتر والنظرات الحادة المستنفرة المستفزة نحو الجميع، أو وجوه المتجهين نحو ايقاد الشعلة، فلا أغالي إن قلت: إن أغلبهم كان متحمساً بوجوه مبتسمة راضية، حتى أولئك الذين اعتقلهم الأمن قبل وصول المئات من أبناء فتح، فقد رأيت أفراد الأمن، وقد تجاوز عددهم العشرة، يعتقلون شاباً يتحلقون حوله، كأنهم أمسكوا فريسة ثمينة، كان يسير معهم بكامل أناقته برأس مرفوع، وابتسامة يوزعها على الناس في شارع فهمي بك.

وبالرغم من حمل الشرطة للسلاح إلا أن الهراوات كانت بارزة، وواضحة، فهي سيدة الموقف قبل الدخول لـ "الساحة" - مكان التجمع- حتى الخروج منها، بعد برهة بدأ أبناء الفتح يتوافدون بكثرة من كل الاتجاهات من الشمال والشرق والجنوب والغرب، وبعد خروجي من شارع فهمي بيك، سمعت صوت يصرخ؛ التفت نحو مكان الصوت كان الأمن يلاحق شاباً ويُبرحه ضرباً، وكان التعليق الأبرز لرجل كبير في السن، سمعه كل من وقف يتفرج على قمع وضرب الناس المسالمين، بأنه لو أن هذه العصا وجدت من يكسرها، ويمنع حاملها من رفعها من قبل؛ لما تجرأ أحد على ملاحقة المدنيين العزل بالضرب والكسر بهذه الضراوة والقسوة.

الأطفال الذين تحلقوا حول تمثال العنقاء، يهتفوا لفتح لم يأمرهم أحد، ولم يطلب منهم أحد لأنهم كانوا فرادى، ولم يكونوا مع عائلاتهم كما بدا لي. هؤلاء الأطفال، والشاب الذي اعتقله الأمن، والشاب الذي أبرحوه ضرباً في شارع الوحدة، والرجل العجوز خرجوا من أجل الوطن، خرجوا لأنهم يريدون أن تستمر حياتهم في غزة بنت البحر المدينة الفلسطينية، لا يريدون مناصب أو علاوات يريدون حقوقهم التي تكفلها كل قوانين الدنيا. يريدون رواتبهم الكاملة، يريدون الأدوية، يريدون حقهم في السفر وحرية الحركة، لا تعاقبوهم بحجج الأمن وسيطرة حماس بقوة السلاح على غزة!! فإن الحلول بيد الجميع إذا كان لديهم الرغبة وحقيقة الادعاء أن الوطن أول الاهتمامات، بدءاً من أصغر وأقل فرد في هذا الوطن إلى الرئيس، وفلسطين لن تحررها الشعارات أو إجراءات العقاب التي تستهدفهم، ولا العصا التي تكسرهم بحجة حماية الوطن- حماية الوطن من أهله- فهم في كل مرة ينهضون كما العنقاء يُبعثون من جديد، فكل ما أخشاه هذه المرة أن ترحل العنقاء، وتختفي الأسطورة بأنه كان هنا شعب يعيش في غزة يهتف للفتح وللوطن، ولم يثبته أحد تركوه يغادر بلا أسف حتى مع عصا الضرب وإجراءات العقاب.

كاتم الصوت: مواطن يُعاقب بالضرب ومواطن يُعاقب بقانون! فلا يُنصف هنا ولا يُنصف هناك!

كلام في سرك: كثرت براشوتات الوطن على حساب المناضلين الصامتين.. انظروا إلى السماء فلا تزال هناك براشوتات لم تنزل بعد.

التحضير: التحضير لمرحلة جديدة قادمة افتقدت للوطنية الصادقة، وتعتمد على تقوية مواجهة ذاتنا! الله يستر.