أوجه التواصل الثقافي والتاريخي بين المغرب والامبراطورية العثمانية (تركيا) بقلم: محمد زيطان
تاريخ النشر : 2018-12-30
محمد زيطان باحث متخصص في الأدب والثقافة التركية المغرب ، تطوان

موضوع الدراسة: أوجه التواصل الثقافي والتاريخي بين المغرب والامبراطورية العثمانية (تركيا ).
تمهيد:
إن موضوع العلاقات المغربية العثمانية يشكل بلا مراء جوهر العلاقات الإسلامية ، التي افاد بها مؤرخ الدولة العلوية . غير ان البحث في هده العلاقات. ليس بالأمر اليسير. فالمقصود هنا هو الحديث عن علاقة دولة المغرب الأقصى التي ظلت وحدها خارج محيط الإمبراطورية العثمانية من دجون باقية دوال بلدان العالم العربي. ومن تم ؟، فإن على هذا الحديث ان ينطق بالمنظور مغربي لدولة مستقيلة ذات تاريخ عريق تنئ بنفسها عن خضوع لنفوذ الحكم التركي العثماني . كما ان الحديث هو عن علاقات دولة إسلامية طرقت بحدودها أراضي هده الدوال المغاربية .وظهرت امبراطورية عظمى في علاقات في القرن 16 م وما بعده وقبلت بالدخول تحت حكمها في مطلع هذه التاريخ شعوب الأقطاب العربية . ودعت في صلواتها لسلطانها التركي بدلا من الخلافة العباسي او الحفصي.
كذلك يتناول الاستحضار التاريخي موقف الدولة المغربية من بتلك العلاقات من غير ان يكون هناك براهن واضح على ان رفضها للاحتواء العثماني نابع من شعور عربي منفصل عن الحماس للإسلام .كما ان نفس الحديث يتناول التوسع العثمانيين دون ان يكون فيه ما يفيد بسقوط رايتهم الإسلامية في سبيل التفوق بتركياتهم .
ورغم تباين واختلاف نظرة الواحد للآخر ، وسياسة واستراتيجية كل طرف تجاه الطرف الثاني ، قامت علاقات وثيقة وعريقة بن المغرب وال عثمان تركيا منذ القرون الوسطى وتوطدت بعد انتصار المغرب في معركة واد المخازن في القرن 16م في مواجهة الغزو البرتغالي . وحري بينا ان نذكر في هذا الطرح أيضا انه على الرغم من حفاظ المغرب على سيادته ، ظلت علاقته بالإمبراطورية العثمانية آنذاك قائمة على الوئام والاحترام المتبادل بحكم ان الموقع الجيوستراتيجي للمغرب ، بانتمائه لحوض البحر الأبيض المتوسط الدي يمثل بؤرة التواصل والتلاقي وتلاقح التيارات والحضارات ، كان له الدور الرائد في التواصل الدبلوماسي .
_ما هي السمات التي طبعت العلاقات المغربية العثمانية؟
_ وما هي العناصر الفاعلة في التقريب بين الدولتين؟
أولا: السمات التي طبعت العلاقات المغربية العثمانية.
تتشابه الظروف السياسية للدولتين العثمانية والمغربية وعلاقتهما بالقوى الأجنبية إلى حد كبير. فمنذ القرن التاسع عشر سوف تكثف الدول الأوروبية الاستعمارية هجومها باتجاه البلدان والمجتمعات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، وفرضت عليها أشكال نفوذها، وعمدت إلى التدخل في شؤونها وفرض الحماية والوصاية عليها أو تكبيلها بمعاهدات سياسية واقتصادية تحت شعارات "الحرية والعدالة" و "تمدين المجتمعات الإسلامية ونزع البربرة عنها" و "الدعوة إلى حرية التجارة" وقد نظرت أوربا إلى مسألة تفكيك قوى العالم الإسلامي على أنه مسألة تدخل في صميم المجتمع الأوروبي ونتجت عن موجة الاستعمار الأوربي ردود فعل إسلامية تمثلت في بروز فكرة الجامعة الإسلامية، التي قام مضمونها على واجب التضامن والاتحاد بين المسلمين ودولهم ضد الأطماع الاستعمارية الأوروبية وهو ما يعني جعل الإسلام من حيث هو دين نقطة التمركز والقوة .
ثانيا: العناصر الفاعلة في التقريب بين الدولتين:
إن جدلية العلاقات المغربية العثمانية في فترة المعاصرة قد انطلقت من فكرة الإصلاح وتطورت بعد ذلك لتستقر في ضرورة الاتحاد لمقاومة الغزو الأوربي لبلاد الإسلام. ذلك أن التحولات التي شهدتها أوربا في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر ، جعلت الجانبين المغربي والعثماني يحسان بالضعف والخطر نتيجة انقلاب ميزان القوى لصالح الآخر الأوروبي مما يعني أن التعاون العسكري بينهما هو نتاج ظروف عصيبة كانا يجتازانها في صراعهما للأطماع الأوروبية ان سيادة حالة الود والسلم بين السلطتين المغربية والعثمانية منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر، والتي تمثلت في المكاتبات والمراسلات والوفود والهدايا، كانت تؤشر على بداية علاقات تقارب بين الجانبين ، غير انها كانت تسير كما وصفها ابن زيدان "بين الحبو والدبيت" وقد شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر بجداية المخاطبات بين الجانبين لإقامة التمثيل الدبلوماسي وإنشاء علاقات متطورة لتحقيق التعاون بشكل أكبر وتعزيز التضامن الإسلامي وهذا بدا واضحا في سياسة المغرب والدولة العثمانية أيام حكم كل من عبد الحميد الثاني والمولى الحسن الأول إذ التقى السلطان عبد الحمد عقب جلوسه على العرش إبراهيم السنوسي، أحد تجار فاس وعلمائها ووكيل المغرب في مصر أثناء ترويج تجارته في الأستانة، وإثر ذلك اندلعت الحرب العثمانية-الروسية، فانتهز السلطان المناسبة وحمل السنوسي رسالة إلى الحسن الأول .
بدأت رسالة السلطان عبد الحميد الثاني بحمد الله سبحانه والصلاة والسلام على رسوله الكريم واله وصحبه أجمعين ثم الإشادة بالسلطان المغربي الحسن الأول ثم تناول الهدف الحقيقي للمراسلة بين الطرفين بقوله "هذا وإن كانت المراسلة بيننا مقطوعة، ومالكة المودة ممنوعة، إلا أن عهد المودة التي كانت بين أسلافنا، دعا إلى تجديد عهدها بين أخلافنا فالاتحاد بالدين يوجب كمال الألفة والتشابك في قهر الأعداء بسل الألسنة، فإن ما يزري بطائفة من ذوي التوحيد، فقد يزري بالأخرى، فلا مرية، ولا ترديد فيجب علينا نحن معاشر المسلمين كافة، الاتحاد والتعاضد والتناصر لدفع كيد المشركين، وإبقاء شعائر الإسلام بين المؤمنين وإلا فعاقبة الأمور تؤول إلى محذور عظيم لا ينجو منه أحد من المسلمين ولو كان في أقصى البلاد...
إن هذه الرسالة تكشف حقيقة الموقف العثماني الثابت في العمل على إيجاد حليف إسلامي لمواجهة التحديات الأوروبية المشتركة، فكان المغرب موضع الاهتمام الأبرز، وبما ان المغرب كان بدوره في حاجة لمثل هذا التحالف فقد كان تفاعله مع الرسالة العثمانية لا يخلو من حماس وتعاطف مع السلطنة العثمانية في محنتها، والاعتراف بالسلطان عبد الحميد خليفة وإمام للمسلمين، وهو ما عبرت عنه الرسالة الجوابية المغربية "فأما ما شرحتم من تمالك أهل الشرك ونصبهم للمسلمين الغوائل والاشتراك ودعوتهم إليه من الاتحاد على دفعهم والاشتباك فما خلت بحمد الله ضمائرنا من تلك النية والتناصر في ذات الله عندنا غاية الأمنية، والسعي في جمع الكلمة متعين على جميع أهل التوحيد....
من جهة أخرى أكد السلطان عبد الحميد موقفه الثابت من أجل التحالف الإسلامي لمواجهة الخطر الأوروبي، لذلك كلف شيخ الإسلام حسن خير الله بالكتابة في هذا المعنى إلى الصدر الأعظم موسى بن أحمد وزير السلطان الحسن الأول. ومما جاء في الرسالة: "...إن مدار القوة المحمدية وصولتها على سائر الملل الردية، إنما هو اتحاد جميع أفرادها الموجودين في كرة الأرض وتشابك الأيدي منها بالقبض ولا سيما عند تعاضد المشركين وقوة أعداء الدين، كما نشاهد وتسمعونه مما لهم في هذا الزمان من الصولة الباهرة والجولة الشدة القاهرة المؤدية بحسب المال إلى الفتك بجميع ما للأمة المحمدية من الأفراد وان كانوا في أقصى البلاد...فبناء على هذا تحريري إلى حضرتكم ما يورث التواصل بيننا وبينكم ويقتضي الاتحاد الحقيقي معكم..".
إن الرسالتين أكدتا على ضرورة الاتحاد والتحالف لمواجهة الضغط الأوربي المشترك وتحدياته التي تستهدف القضاء على استقلال الدولتين وسيادتهما ووحدتهما، لكن الرسالتين لم توضحا طبيعة العمل بما يخدم التحالف والاتحاد إذ بقيت هذه الاتصالات في شكل تبادل رسائل الود دون تحقيق شيء ملموس.
إن الظروف والتطورات الخطيرة ساهمت في إقناع الطرفين بضرورة إيجاد علاقات بينهما.


بقلم الباحث محمد زيطان
29دجنبر2018 تطوان

خلاصة :
_ العلاقات المغربية العثمانية عرفت تضامنا وتعاون وذالك من خلال المرسلات الدبلوماسية.
_ دعم المغاربة للعثمانيين سيسا ومديا ومعنويا في بعض الحروب التي كانوا يخوضونها ضد القوى المسيحية المتطلعة احتلال أراضيهم، فضلا عن الاسهام في افتكاك أسراهم المسلمين ، سواء عن طريق إيفاد السفراء لاوربا او بتقديم الأموال الكفيلة بإطلاق سراحهم.
_ تبادل السفراء والرسائل والهدايا بشكل كبيربين الجانبين، فخلال الفترة الممتدة بين السنوات 1761 و1790 م، توجه إلى إستانبول أربعة عشر سفيرا مغربيا، في حين بلغ عدد السفراء العثمانيين الذين حلوا بالمغرب أربعة سفراء.

المصادر والمراجع:
_ مصطفى الغاشي: الرحلة المغربية والشرق العثماني –محاولة في بناء الصورة.
_ عبد الرحيم بنحادة: المغرب والباب العالي من منتصف القرن السادس عشر الى نهاية القرن الثامن عشر.
_ عبد الرحيم بنحادة: العثمانيون المؤسسات والاقتصاد والثقافة.
_ الطبايلي عبد الحفيظ: العلاقات المغربية العثمانية خلال القرن السادس عشر.