اللنش الهائج بقلم:حسين عمر دراوشة
تاريخ النشر : 2018-12-30
اللنش الهائج

حسين عمر دراوشة(باحث وكاتب)

يبحر العم صدقي في البحيرة التي انشقت عن البحر الكبير، فهي تشبه الترعة، واعتادت على أن يصطاد فيها الأسماك الطيبة التي يشتهيها الإنسان ويسيل لعابه عندما يراها، ويحمل على ظهر اللنش المتواضع في بحيرته مرسى ثقيلة يربط فيها لنشه بأحبال ثخينة لا تمر من سم الخياط، وهبت الرياح والعواصف بما يشتهي اللنش وصاحبه الفضولي، فاقطع حبله من المرسى وحدث ما لم يكن في الحسبان، وفجأة من غير سابق إنذار، إنها تفاقيد الرحمن لبني الإنسان، ويعارك العم صدقي التيارات الجارفة ويصارعها إلى أن المستقر كان على بعد آلاف الكيلو مترات من بحيرته العزيزة إلى لسان بحري آخر خيره جم، سكنت الرياح وهدأت الأمور وطالعه أهل تلك البحيرة من أعالي تلالهم المشرفة على مكانهم، فاستغربوا الأمر وهالهم، واقتربوا من اللنش وتعرفوا على العم صدقي، وبدأ يتداولون الحديث معه، ولكن العم صدقي لم يرتاح ضميره لهم، للؤم الذي بدا على محياهم وكثرة كلامهم وقلة أفعالهم، وتفهم الأمر وقلب صفحات العمر، فهم صيادون ماهرون مثله، لقنتهم بحيرتهم ما يكفيهم من الخيرات فهي لهم، والعم صدقي له بحيرته، وبدأ يرقع في حباله ويبحث عندهم عن مرسى؛ ليسير إلى وجهة بحيرته التي تاهت به الخَطاوي عنها رغماً عن أنفسه، إنه غضب الطبيعة وتقلباتها؛ لتنكشف أسارير الأحياء ومن ذهبوا هكذا مع الرياح الهوجاء، كريشة في المهب أمام الحركات البهلوانية، ويزاحم اللنش المركبات الصغيرة لتتصادم بعضها ببعض؛ حتى البحيرة اشتكت من ثقله ودورانه إلى أن لفظته على شواطئها طريحاً منكسر الأضلاع... وتخلد سيرة اللنش الهائج لتلج في الآفاق وتسري مع الرياح، وفوق الصفحات البيضاوية اليانعة ...