معشوق السنجق (6) بقلم:محمد يوسف محمد المحمودي
تاريخ النشر : 2018-12-26
معشوق السنجق (6) بقلم:محمد يوسف محمد المحمودي


معشوق السنجق (6)

محمد يوسف محمد المحمودي

مترجم وصحفي حر

[email protected]

عجيبٌ أمر هذا الفتى الذي تقتله غيرته، ويستطيع إخفاء عشقه، وغضبه وأشواقه ويسلم لمحبوبته زمام قلبه بشكلٍ يتعارض مع كل مبادئه وقيمه. هل يصبح مجنون سنجق؟ ها هو محمد يسأل نفسه: "كيف لقائدٍ مثلي أن يميل كل هذا الميل لصالح مائلٍ لا يرغب في الاستقامة وطمأنة قلبي؟ أتستخف "سنجق" بأمري أم لا تكتفي بحبي؟ وبينما هو جالسٌ يعض أصابعه  ويحرك ساقيه بهزاتٍ هيستيرية تخبره – كما تخبر غيره - مدى توتره وتبعثره، دق جرس الخروج لينبهه إلى انتهاء الدوام. بدأ محمد يحضر حقيبته ويستعد للخروج ويتساءل عن إمكانية انصرافه دون أن يودع سنجق. قائلًا: "سأفعل، والله سأفعل." 

وعلى غير عادته، خرج محمد من مكتبه مهرولًا دون توديع رفاقه ودون تصدير بسمته لمن يسيرون بجواره في طرقات المبنى. وعندها تلقى اتصالًا هاتفيًا من"أروى" - ابنته الكبرى - التي تستعجل حضوره لتناول الغداء معها، فأخبرها أنه في الطريق إليها، وهو يقول في نفسه: "لا أملك شهيةً لتناول أي طعام، ولا أملك حتى الرغبة في العودة." وفجأةً وقعت عينا محمد على امرأةٍ تشبه "سنجق" وتستقل سيارة "رجلٍ" لا يعرفه. تشبهها! إنها هي! يا ربي! هم محمد أن يقترب من السيارة، لكن سرعان ما أقلعت السيارة ورحلت عن المكان. ومن خلال متابعته المشهد، غلب على ظن محمد أن نظرات مرافق "سنجق"، حسب اعتقاده، تدل على حبه لها وأن ثمة مشكلة بين الحبيبين. عندها، بدأ عقله يتمرد على قلبه وعلا صوت داخله حتى بلغ أذنيه: "كفاك إهانة لنفسك مع تلك المرأة يا رجل. ارحل عنها فهي ليست لك، ودعها لمن استحوذ عليها قبلك." 

استقل محمد "الميكروباص" وجلس بجوار سائقه؛ الذي كان، شأنه شأن غيره، يتبادل معه الحديث عن أحوال البلاد والعباد وبعض القضايا السياسية والاقتصادية. وعلى الرغم من تعارض الاتجاهات واختلاف الآراء، كان السائقون يميلون إلى شخص محمد ويعجبهم منه ردوده في الكثير من القضايا الشائكة. في ذلك اليوم، ألقى محمد التحية على السائق، وجلس صامتًا دون أن يبدأه الكلام والسؤال عن أحواله وأحوال الرعية؛ الأمر الذي دفع السائق إلى سؤال محمد عن علامات الحزن البادية على وجهه، فأجابه محمد: "لا شيء مهم." فقال السائق: "ظننتك حزين على حادثة القطار التي وقعت صباح اليوم ولقي فيها سبعون شخصًا مصرعهم"، فرد محمد: "ربما كنت حزينًا على المليون عراقي الذين سقطوا جراء العدوان الأمريكي على العراق؟"، وربما كنت حزينًا بسبب استشهاد ألفي فلسطيني على أيدي الصهاينة الجبناء في هجماتهم على غزة!! وقد أكون حزينًا على حرق المصابين واستهداف المسلمين الراكعين والساجدين في كل وقتٍ وحين.! 

ثم استطرد محمد: "ليتني حزنت على هؤلاء ونسيت أمر نفسي!! هل العشق هكذا ينسي صاحبه هموم أمته وهموم غيره ويجعله أنانيًا لا يفكر إلا في نفسه؟! بعدها، انفجر السائق ضحكًا وقال: "حتى أنت تعاني من العشق يا أستاذ محمد!! ليس في العشق كبير كما يقولون." وهنا أدار محمد وجهه إلى السائق وابتسم له: "صدقت يا أخي.. في العشق الكل صغير، والكبراء هم من يصنعون المجد ويعشقون الجنة. ليتني كنت مجاهدًا عاشقًا للشهادة. هذا خيرٌ لي من عشق امرأة وعشق دنيا وعشق قد يقودني إلى جهنم."