فيوليت بقلم: زياد حمد حسن مخيمر
تاريخ النشر : 2018-12-22
" فيوليت " قصة قصيرة
_______________



في الممر وجدت ُ " فيوليت" , كان الوقت متأخراً جدا ً , فتاة أكبر من
لحظات الظن , وشيكة على الانتهاء , كانت تعزف على البيانو الفرنسي القديم
في الصالة الخاصة بالنزلاء , بطرف الزاوية مقعد هزاز وعلى الحائط برواز صغير يشبه الحقيبة الطبية , نظرت إليها وهي جالسة ، يرجح أن وجهها كان قد تلقى الليلة
نفسها نورا ً دافئا ً في الوقت الذي يمر الهواء بشيء من البرد
الخفيف يتقافز بعدها نسيم حاد , يُفضل فيه أن أتناول معطفي لبعض الوقت
في لحظة أخرى تبدو القاهرة بمزيد من الحر فتتطوح على ثغر " فيوليت"
ابتسامة جريئة , بادلتني نظرة فضولية ثم تنظر إلى السقف كأنما تذهب إلى رحلة
في الفضاء , رفعت ْسبابتها عن آلة العزف متأملة
الغرفة ثم تناولت سيجارة بحدة قائلة
_من أين أنت َ؟
قلت ُ بهدوء _ فلسطين .
انبرت تتسامر مع سيجارتها بينما الدخان تبعثر في أرجاء الغرفة
ملامساً الجدران الرطبة , ثم توقفتْ في الطرف المقابل للبيانو
قائلة بمسحة اغراء _أنت َ فلسطيني إذن .
استدركت نفسها للحظة ثم رفعت أكمامها العارية كأنها قد
ساقت نفسها إلى فضيحة وأخذت تعزف وتتمتم بأغنية لم تروق
لي كثيراً .
انتهت من النغمة وهي تقول _ هل تعرف من هو اليتيم .؟
قلت بإرتباك _ بالتأكيد الذي لا يملك وطن .
ابتسمت بعينين مظلمتين , السكون يلف المكان , والبيانو بات يجلس
وحيدا ًبينما الغرفة وكأنها في سبات عميق , ثم قالت بنغمة صبيانية
_ أنا يتيمة لأنني لا أملك أكثر من وطن .
_ماذا ؟
قالت والحزن يسبقها نحو النافذة _ لا أملك نفسي .

أدرت وجهي بإتجاه غرفتي , أقفلت الغرفة ثم تناولت قدح القهوة
المفضل قبل النوم , تقطر في عيني نظرة مبهمة نحو الحياة
بكل ما فيها من تناقض , سائحا ً مغرقاً في التفكير , يبدو أن السياج
الذي بيني وبينها كان أكبر من الجوع في ليل مبهم وغريب .

كانت حركات فيوليت أشبه بالمتصوفة , لم يكن حصنا ً يمنع شبح
الوقوف هنيهة سوى للتأمل , كان الهواء لا يزال يترك لي منفذاً
للتفكير بعمق , حيث لا نهاية للدوران حول الذات , العجز
وقوة الإرادة , كلاهما كانا في ورطة وعليّ أن أتحامل على نفسي
قليلاً وأدوس بقوة على السياج الفاصل بين التضحية لأجل الوطن
وبين بيع الجسد , هذا التنازل الرهيب يحتاج إلى نقطة ضعف صغيرة
أو إلى قوة أكبر من أي شيء , دم الشهداء في غزة ,هذه القوة التي
تشجعني على شهوة الإنتصار دائماً وأبداً ..

________________________