معشوق السنجق (5) بقلم:محمد يوسف محمد المحمودي
تاريخ النشر : 2018-12-22
معشوق السنجق (5) بقلم:محمد يوسف محمد المحمودي


معشوق السنجق (5)

محمد يوسف محمد المحمودي

مترجم وصحفي حر

[email protected]

كان وجه محمدٍ يتعكر احمرارًا كلما رأى ما يسوءه أو يكرهه.. كان يفشل في عزل داخله عن خارجه! ويعلم حاله كل من رآه؛ حتى وإن حاول جاهدًا إخفاء ملامح روحه المارقة الزاهقة ببسمته المعهودة. انصرف الفتى وصعد سلمًا يقوده إلى طابقٍ علويٍ يتخذ فيه مكتبًا يأوي إليه عادةً للاختلاء بنفسه وأخذ قسط من الراحة بعيدًا عن أعين العاملين معه.

جلس محمد ينظر من نافذةٍ مطلةٍ على التائهين في الأرض، السائرين في طرقات المدينة الحائرة بين أتربة متصاعدة من حركة إطارات السيارات على الأرض وأصواتٍ مزعجة يصدرها شبابٍ وفتيان يمزحون، ويمرحون ويتحدثون بلغةٍ "منحطةٍ وساقطة." لم يكن حال البلاد والعباد غريبًا أو غير مألوفٍ لمحمد الذي طالما أشار إلى معاناة مجتمعات هذا السنجق من أمراضٍ نفسيةٍ واجتماعيةٍ شتى؛ منها تأليه الحاكم، والنفاق الاجتماعي وانفصام الشخصية. وربما استشهد على صحة فكره بأمراضه هو وعصبته. وها هو أحمد قد حضر في عقله وهو يمشي معتزًا بقوته ومتباهيًا بتدينه؛ رغم ضعفه وشغفه بالنساء.

وهنا، دفع الفضول محمدًا إلى التفكير في مسألة أحمد وشأنه الاجتماعي فأراد أن يحدثه ويستعلم منه. أخرج محمد هاتفه النقال من جيبه وبدأ يبحث عن رقم أحمد، وبينما هو كذلك، التقطت أذن محمد صوت خطوات سنجق من خلفه، فقال لها: "ماذا تريدين؟" في هذه اللحظة، كانت سنجق تفكر في بعثرة تفكير صاحبها وبالفعل هرعت إلى ارتداء عباءة الحبيبة التي تشك بجنون وبدأت تندفع نحوه بوجهٍ غاضب وصوت جهوري صاخب؛ متساءلةً: "هيا اطلبها واجعلها تريحك. أنت هكذا دائمًا لا تضيع وقتك ولا تستطيع العيش دون التواصل مع الساقطات." ابتسم محمد ونظر إليها بثباتٍ انفعالي وهو يعلم خلفية حديثها ومنطقها الذي تعمله فيه، ثم قال: "دعك من هذا الدور فهو لا يليق بك. وعلى كلٍ، هذا صديقي أحمد، لست مثلك تكلمين غيري وتخفين أمرك عني." لكن سنجق لم تتخل عن حيلتها واقتربت من الهاتف وهي تعلم أنه صادق وأسمعها صوت صاحبه وهو يرد عليه السلام." عندها، سكتت قليلًا ثم اعتذرت له بعينيها.

أما الشأن الاجتماعي الذي أراد محمد الاستعلام عنه من صاحبه، فقد أخبره أحمد أنه يريد منه مساعدته في البحث عن امرأةٍ غير مصرية ليتزوجها لأنه لا يجد في مصر امرأةً تصلح له. وكعادته، أجابه محمد بالضحك وقال له: "ابحث لي معك".

كان محمد يذكر نفسه بين حينٍ وآخرٍ بما قالته سنجق في موقف كذا، ورده عليها في كل موقف، وكان يرى نفسه ضعيفًا في مواجهتها ولا يقدر على هجرها بالكلية ولا يستطيع حتى مصارحتها بما يضمره من غضب لأنها بكاءة تهرع إلى البكاء بشكلٍ يفوق الوصف. وهكذا تسلل التردد إلى نفس محمد المعروف بحزمه، وبدأ يتنازل عن بعضٍ منه مقابل عدم خسارة سنجق أو هجرها للأبد.. كان يسأل نفسه: هل أستمتع بها على عوجٍ أم أرحل عنها معوجًا مكسورًا؟ وكان يمني نفسه بقدرته على تغيير حالها وصرفها عن كل من سواه إليه. إنه قادمٌ من الخلف لا يملك أن يمحو ماضيها كله في سويعاتٍ معدودات. إنها امرأة أدمن الوقوف بين يديها وكتابة اسمه بين عينيها.