المرأة الحديديّة بقلم:منى العمري
تاريخ النشر : 2018-12-22
( قصّة قصيرة من تأليف منى العمري )
_______________________

أُدعى " سارة " أرملـة ، و أُم لـطفلين " يحيى " و " ليلى " تزوجتُ كرهاً من إبن عمتي و أنا في عُـمر " التاسع عشر " تلك كانت رغـبة والدي لا رغبتي .

اما انا فكنت أريد ان أُكمِـل مسيرتي بعد أن تخرجت من المرحلة الثانـوية بتقدير إمتياز يؤهلني لدخول افضل التخصُصات ، كانت رغبتي الدّخول " لكلية الحُقوق " كنت أتخيّل نفسي دوماً مُرتدية لِـباس المحكمة ، امام القاضي أترافع عن اكبر القضايا الجِنائية منها و الجُنـحَ ، و قضايا المرأة على وجـهِ الخـصوص .

.و لكن حُلمي إنتهى تزامُـناً مع زواجي بإبن عمتي
" احمد " مع مرور اول سنة كان احمد رجلاً لا ذكراً فالفرق بين الرجولة و الذُكورة كـالفرقِ بين " الثـَرَا " و "الثُريّـا " أحبني احمد و أحب عُيوبي قبل مِيزاتي الأمر الذي جعلني أُبادله الشعور ذاته ، و لكن بعد أن حملّـت و أنجبتُ توأماً خلع احمد " قناع الرجولة و الحُب " الذي خدعني به ، و بعد ان أظهر لي عكس ما كان يُخفيه تحوّل إلى " وحش " و أصبح جسدي كعلامة جودة مُتصبغٌ بألوان الطيف السبعة من شدة الضرب .. كان ضربه مُبرِحاً تارةً ، و أحيانا قاتلاً . و في كل مرة يصفـعُني بها كانت كرامتي تُصفع قبلَها . اما عن كلامه فقد كان بذيء حد الوجع و الألم .

كان يضربني بسببٍ و بدون سبب ، و عندما طفح الكيّل ذهبت إلى والدي و قلت له أريد الطلاق من أحمد و لكنه أجابني بكل جفاء و ضارباً بكرامة إبنته عرض الحائط
قال :
" اذهبي إلى بيتك و اولادك ، لن أستطيع سماع كلمة أنك إمرأة مُطلقة من أحد و انا رجلا كبير في السن لن اتحمل مسؤولية الاحفاد . "

كانت صدمتي بأبي تفوق صدمتي بأحمد عشرات بـل مئات المرّات . أصبحتُ في متَـاهة لم اعرف ماذا افعل ، جُبرت على العودة إلى المنزل بالرغم من انه كان صعباً عليّ ان أقول " سمعاً و طاعة " لجميع أنواع الضرب و لكن لا خيار أمامي سوى العودة جسداً بلا رُوح .
عدت إلى المنزل و أنا أُعِـد الغذاء ..رنَّ الهاتف
أجبت قائلة : نعم من معي ؟ سمعت صوت سيارة إسعاف و رجلا قال لي : انت زوجة أحمد ؟
قلت له بصوت مُرتجف : نعم
ردّ الرجل قائلاً : زوجك توفى بحادث سير و وجدنا اسمك على هاتفه تحت اسم " أم الأولاد "

بعد سماعي لهذا الخبر اختلطت مشاعري و امتلئ نصف قلبي حُزناً و النصف الآخر فرحاً
فَـأطفالي الآن أيتامـاً و لكنني تحررت من" دكتاتورية " أحمد إلى الآبد.

اصبحتُ سارة الفاقدة لِمعنى الإسـم حرفيّاً .. لعبتُ دور الأب و الأم سويّـاً .

قُمت ببيع ذهبي حتى أستطيع أن أُوفر لُقـمة العيش لأولادي اما عنّـي فإني قد نسيت نفسي لأجلهم. و بعد أن أتممت أشهُر " العدّة " إشتغلت خادمة في أحد البيوت " ذو الطبقة الارستقراطية " و كنت اتقاضى مبلغاً لا بأس به صرفـتُ منه على ليلى و يحيى و ادخلتهم المدارس و ادّخرتُ بعضاً منه بحيث يُمكنني من دخول كليّة الحقوق . فكنت صباحاً أذهب إلى الكليّة و مساءً مع الأولاد .. و بسبب ضيق الوقت اضطررتُ أن أتخلى عن خدمتي في البيوت و اتخذت من صُنع الكعـك و الحُلّـو حِرفةً مـؤقتةً لي . و مع مرور الوقت تخرجت من كلية الحقوق بدرجة إمتياز مع مرتبة الشرف. كان يوماً يُصادِف الثامن من آذار أصبحت فيه مُحاميّة و تحقق الحُلم الذي كان على لائحة الإنتظار .

الثامن من آذار هو يوم ليس كباقي الأيام .. فبالإضافة إلى تخرُّجي في هذا اليوم هو أيضاً يوم
" المرأة العالمي " يوم المرأة التي حملَت أنجبَـت و ربـّت يتهمُـك آدم إفتراءً بأنك إمرأةً بنصف عقل ! و لكن ما كُنت يوماً بنصف عقل . هو يوم " الوجود او البشرية " إن صح التعبير فـ أنتِ الأم و الجنَّـة تحت أقدامك ، الأخت " السند " .. الحبيبة .. الزوجة ..الصديقة
المرأة التي تُعنّـف و تصمُت عن حقوقها من أجـلِ اطفالها . المرأة التي تعمل من أجل إطعام اولادها الأيتام كما فعلت أنا . و لكن بعد قصّتي و تجرِبتي المريرَة
" يكفيني القول بأنك أنــتِ الحيـاة ولا حيـاة بدونك " .