علماء منسيون من فلسطين (عالم الرياضيات ابن الهائم المقدسي)بقلم أ.هدى سالم الزريعي
تاريخ النشر : 2018-12-20
علماء منسيون من فلسطين (عالم الرياضيات ابن الهائم المقدسي)بقلم أ.هدى سالم الزريعي


علماء منسيون من فلسطين (عالم الرياضيات ابن الهائم المقدسي)

بقلم أ.هدى سالم الزريعي .

ابن الهائم المقدسي، عَرفه الزركلي في كتاب الأعلام فقال عنه: " هو أحمد بن محمد بن عماد الدين بن علي، أبو العباس شهاب الدين ابن الهائم (1352-1412م) من كبار علماء الرياضيات، مصري المولد والنشأة انتقل الى القدس، واشتهر ومات فيها"عمل ابن الهائم في القدس، ودرس فيها، فقد استنابه الشيخ العلامة زين الدين أبوبكر بن عمر بن عرفات المصري على المدرسة الصلاحية وأصبح ابن الهائم بذلك من شيوخ المقادسة، ثم استقل بتدريس الصلاحية.

وقد تحدث عنه قدري طوقان في كتابه: تُراث العرب العلمي فقال : " كنت في القدس مع بعض الإخوان في زيارة المعرض العربي الثاني عام 1934م، وبينما كنا على مقربةٍ من مقبرة –مأمن الله- سمعت أحدهم يقول :(هذه المقبرة تضم عدداً كبيراً من فحول العلماء وكبار الفقهاء ورجال الدين ممن ظهروا أيام الحروب الصليبية وقبلها، وقد سرد أحدهم أسماء بعض هؤلاء) فلم يستوقف نظري الا اسم ابن الهائم، إذ تذكرت أن هذا الاسم مر بي في أثناء مطالعتي بعض الكتب الانكليزية التي تتناول تاريخ تقدم العلم"

كما ذكره السخاوي في كتابه الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، فقال عنه: " كان خيّراً مُهاباً معظماً قواماً بالحق، علامة في الفقه وفرائضه والحساب وأنواعه والنحو وإعرابه وغير ذلك، وانتهت إليه الرياسة في الحساب والفرائض، وجمع في ذلك عدة تآليف عليها عَوّلَ مَن بعده"

لقد برعَ ابن الهائم المقدسي في الرياضيات وعلم الفرائض " علم تقسيم المواريث" حتى لقبه أهل عصره بالحيسوب، فنجده يكتب في الحساب والجبر والفرائض والفقه والتفسير والنحو والشعر، وقد عدد له أ. د. خضير عباس المنشداوي في تحقيقه لمخطوطة المعونة في علم الحساب الهوائي ما يزيد على الثلاثين مؤلفاً منتشرة في العديد من مكتبات العالم أجمع.

وقد ألف ابن الهائم عدة مؤلفات في علم الحساب وأنواعه،فله مؤلفات في علم (الحساب الغباري) وهو الذي يحتاج الى أدوات –كالورقة والقلم أو الآلة الحاسبة- لإيجاد الناتج، فكتب: "نُزهة النُظار في قلم الغبار" ويشتمل الكتاب على مقدمة وبابين وخاتمة تطرق فيه إلى الصحاح والكسور والأعداد المتناسبة، ويوجد منه عدة نسخ في مكتبة الظاهرية بدمشق، ومكتبة الأوقاف ببغداد، وعدة مكتبات بإسطنبول، وهو اختصار لكتابٍ له سابق يحمل اسم: "مرشدة الطالب إلى أسنى المطالب" ويوجد منه عدة نسخ في سوريا واسطنبول ومصر والعراق.

كما أن له مؤلف باسم: "المعونة في الحساب الهوائي"،والمقصود بالحساب الهوائي هو ما نطلق عليه اليوم الحساب العقلي، فلا نحتاج الى ورقة وقلم ولا لآلة حاسبة لإيجاد الناتج، وقد قام د. خضير المنشداوي بتحقيق هذا المؤلف في كتاب باسم: "المعونة في علم الحساب الهوائي لابن الهائم المقدسي" وقد ذكر في تحقيقه ما يزيد عن10 نسخ منتشرة في متاحف ألمانيا وتركيا والعراق وسوريا ومصر وليبيا وتونس. وترجع أهمية هذا الكتاب إلى شموله لمعظم مؤلفات ابن الهائم السابقة، فقد احتوى على كيفية التعامل مع الصحيح والكسور والجذور، كما أضاف إليها 36 فصلاً في أمور علم الحساب.

وله أيضاً رسالة باسم:"رسالة في الغربال" تبحث في كيفية تمييز العدد الأولية عن غيرها من الأعداد، وقد قام بتحقيقها د. خضير المنشداوي، وقام بنشر التحقيق في مجلة المورد التراثية عام 1988،وقد عقب على الرسالة فقال: "إن تقديم فكرة عالم الرياضيات العربي ابن الهائم المقدسي في هذه الرسالة تُسهم في إعداد صورة واضحة، وطريقة سهلة للكشف عن الأعداد الأولية، كما أنها تُمثل فكراً ناضجاً أصيلاً بإسهام الأمة العربية في هذا المضمار، وإن أهمية غربال ابن الهائم تكمن في يُسرها وتعاملها الواقعي في الكشف عن الأعداد الأولية فهي أسهل من الطرق التي سبقتها."

كما كتب أيضاً في علم الجبر، له مؤلف باسم: " شرح الأرجوزة الياسمينية في الجبر والمقابلة"، ولقد قام د. المهدي عبد الجواد بتحقيقه في كتاب ضمن منشورات الجمعية التونسية للعلوم الرياضية، والمؤلف يحتوى على توطئة ومقدمة وثلاثة أبواب، وينتهي بختمة ، ومما يلفت نظرنا في هذا الكتاب ترتيبه له، فقد تناول في الباب الأول حساب أنواع المجاهيل، وعقب د. المهدي على هذا الباب فقال:(يتميز عمل ابن الهائم في هذا الباب عن سابقيه بوضوح ترتيبه للمواضيع، وتفصيله لها بكثرة الأمثلة المختارة للأعمال الحسابية -من ضرب وقسمة وجمع وطرح وتجذير- على الأنواع المجهولة بغرض إقناع أولي الألباب وتَرَيُب حُذَاق الطلاب).

وعند حله للمعادلات من الدرجة الأكبر من اثنين،نجد أن ابن الهائم يلجأ إلى حيلة في استخراج الجذر، حيث يُعوض مجهولاً أول بمجهول آخر يُعيد المعادلة إلى إحدى المسائل الست، والتي سبق وناقش حلها.

كما نرى في تناول ابن الهائم للمسائل في الباب الثالث من الكتاب فنجد أنه يذكر شروطها ومعطياتها وكيفية التفريق بينها، ويبين لكل حالة أمثلة تُعين الطالب على استيعاب المفاهيم المندرجة، وقد قسّم هذا الباب إلى عدة أقسام هي: ( في ذكر أصول المسائل الواردة، في شروطها، في معطيات المسائل، في كيفية تناولها، في ذكر أمثلة المسائل الست)، ويقول د. المهدي عن هذا الباب: "يُظْهِر ابن الهائم حرصاً على توضيح المفاهيم وتنويع الأمثلة بغية التدريب في كيفية التناول".

هذه بعض اللمحات البسيطة عن ابن الهائم المقدسي، ذلك العالم الجليل، والذي للأسف لم يأخذ حقه في التعريف به برغم إسهاماته العلمية، ابن الهائم مثال للكثير من العلماء الذين سكنوا وعاشوا في فلسطين، ولم يجدوا من يُنصفهم، أو يٌنصف أعمالهم التي لا تزال مخطوطات متفرقة على أرفف المكتبات يعلوها غبار الزمن.