شرق الفرات .. خارطة مصالح متبادلة
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستبدأ عملية عسكرية في شرق الفرات خلال الأيام القادمة, ضد من أسماهم "الإرهابيين الانفصاليين", في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية, التي تسيطر على مناطق في شرق الفرات بدعم من الولايات المتحدة الأميركية, وأكد أردوغان أن الهدف لن يكون أبداً الجنود الأميركيين, فيما تزامن الإعلان التركي مع قيام القوات الأميركية ببناء نقاط مراقبة داخل الأراضي السورية على الحدود التركية, بهدف رصد تحركات القوات التركية لحماية حليفتها "قسد", فماذا أراد التركي من هذا الإعلان في هذا الوقت؟ وما الدور الأميركي في المقبل من الأيام؟.
في الوقت الذي ما تزال فيه جبهة إدلب مفتوحة على كل الاحتمالات, بعد فشل تركيا الواضح في تطبيق اتفاق سوتشي, فلم تتمكن من اقناع التنظيمان الارهابية من الانسحاب من المنطقة المنزوعة السلاح التي اتفقت عليها مع روسيا, وبالرغم من المهل التي منحتها روسيا لتركيا, إلا أنّ الأخيرة بقيت تراوح مكانها, ولم يتغير شيء على أرض الواقع.
وقد نقلت مصادر صحفية أن تركيا حذرت هيئة تحرير الشام "النصرة سابقاً" والفصائل الأخرى المتحالفة معها, بضرورة تنفيذ الاتفاق, والانسحاب من المنطقة منزعة السلاح, وإلا فلن تستطيع حمايتها من هجوم وشيك يحضر له الجيش السوري وحلفاءه.
هل تتخلى أميركا عن دعمها للأكراد في شرق الفرات؟
مازالت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" متمسكة بتحالفها من الأميركي, رغم كل المؤشرات التي توحي بإمكانية تخليه عنها, حين تتقاطع مصالح الأميركية التركية, ففي الأسابيع القليلة الماضية قامت القوات التركية والأميركية بتسيير دوريات مشتركة في محيط مدينة منبج السورية, وفي المقابل تسير القوات الأميركية دوريات مشتركة مع القوات الكردية في شرق الفرات, وأقامت المراصد التي أشرنا إليها, وتعلن عن بقاءها في سوريا إلى حين تشكيل أمن داخلي وفق ما صرح به مبعوث واشنطن إلى التحالف.
إن الرئيس التركي يحاول من خلال عملية مرتقبة في شرق الفرات الحصول على عدد من المكاسب, والاستثمار على مختلف الجبهات, داخلياً بالحفاظ على شعبيته وشعبية حزبه "العدالة والتنمية", وخارجياً من خلال تثبيت تواجده العسكري في الأراضي السورية وبالتالي الحصول على بعض الامتيازات في الحل النهائي.
فيما يبدو السوري والروسي في موقف المتفرج الواثق من أن الختام سيكون ممهوراً بختم الجيش السوري والحلفاء, بانتظار معرفة طبيعة التحركات التركية والأميركية ومدى التنسيق والتعاون بينهما, فالحشود العسكرية السورية لم تتوقف, ومن المتوقع أن تبدأ عملية عسكرية في إدلب, بالتزامن من قيام التركي بهجومه على شرق الفرات والتي سيستخدم فيها قوات درع الفرات التابعة له, الأمر الذي سيفسح المجال أما الجيش السوري والحلفاء لتطبيق ما اتفق عليه في سوتشي والقضاء على الفصائل الإرهابية " جبهة النصرة وحلفاؤها".
قد تلجأ الدولة السورية إلى الانفتاح على شخصيات وقيادات كردية من خارج قوات سوريا الديمقراطية, التي لا تزال على موقفها المتمسك بالتحالف الأميركي, وهي العازمة كما أكدت دائماً على استعادة كامل الأراضي الواقعة خارج سيطرتها.
ولأن الأميركي لا يؤتمن جانبه كما التركي, لذلك قد يكون من المفيد لقوات سوريا الديمقراطية عدم السماح بتكرار سناريو عفرين, وعدم التعويل كثيراً على الموقف الأميركي, لأن الولايات المتحدة الأميركية تدرك أن تركيا باتت دولة ذات أهمية في المنطقة وعندما تتقاطع المصالح فمن المؤكد أنها ستختار الجانب التركي, وبالتالي ستتخلى عن دعمها للكردي, أو على أقل تقدير ستقف على الحياد متفرجة.
لذلك إن الوقت اليوم مناسب لإعادة فتح طريق دمشق والعودة إلى المحادثات مع الدولة السورية, لإخراج هذه المنطقة "شرق الفرات" الأغنى في الجغرافيا السورية, من أن تكون محل ابتزاز لمختلف الأطراف وحجة تلوح بها هذه الدولة أو تلك.
ميادة سفر
شرق الفرات .. خارطة مصالح متبادلة بقلم:ميادة سفر
تاريخ النشر : 2018-12-17