شرشف الحاجة بقلم: فادي سلايمة
تاريخ النشر : 2018-12-16
شرشف الحاجة بقلم: فادي سلايمة


شرشف الحاجة

بقلم: فادي سلايمة

«هضاك هو الشرشف هدته لاخوها» - كما تقول الحاجة - «بدي الشرشف بذاته غي السعودية»!

حديث الساعة الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي، وتدور أحداث القصة حول مكالمة هاتفية بين سيدة مسنة وابنها تقول أنها أحضرت عند عودتها من زيارة الأماكن المقدسة في العربية السعودية بعض الهدايا ومنها شرشف!

ومع الأيام علمت الحاجة أن كنتها أهدت الشرشف لأخيها فكان وقع هذا الخبر عليها أشد من وقع الصاعقة فهي لا تريد تعويضاً عن شرشفها ولا تريد شرشفاً غيره!

لم يبقى عقل لدى الحاجة بسبب الحادثة، فالشرشف سُلب من الحاجة «عينك عينك» وأهدته زوجة ابنها إلى أخيها .. الشرشف سُرق والسارق معروف والحاجة تعرف من سرقه ولمن أُهدي وتريد شرشفها بذاته الذي أحضرته من العربية السعودية فهي لا تريد ثمنه ولا تريد غيره!

هنا نستحضر حكاية «كوفية» سُرقت ووطن تم سلبه من الشعب «عينك عينك» وأهداه «من لا يملك لمن لا يستحق» .. الوطن سُرق والسارق معروف والشعب يعرف من سرقه ولمن أُهدي ويريد وطنه بذاته الذي ورثه من أجداده فهو لا يريد ثمنه ولا يريد غيره!

لعل صراخ الحاجة لن يجدي نفعاً، فالشرشف سُرق وانتهى الأمر وأصبح ملكاً للغير وعليه «طابو» و«شهود» أيضاً، ومن يريد أن يستعيد شرشفاً مسروقاً أو دراجة مسروقة أو بيتاً مسروقاً أو وطناً مسروقاً فإنه سيجد معوقات وعراقيل كثيرة في سبيل ذلك، لأن السارق قد أوثق سلطته على كل شيء!

الأخطر من ذلك أن السارق قد كسب رأي المجتمع لصالحه أيضاً فكما يتكاثر في قضية الشرشف «شاهدو الزور» و«ماسحو الجوخ» و«الشامتون» يتكاثر في قضية الوطن «بائعو الوطن» و«الخونة» و«المتخاذلون» فيقلبون الحق باطلاً والباطل حقاً، أو يسخرون من صاحب الحق المظلوم ويغضون البصر عن سارق الحق الظالم وهو ما يسمى «الظلم الاجتماعي».

ومن يدّعي أنه يقف أمام الظلم على الحياد فهو في الحقيقة ليس محايداً وإنما مؤيداً متفرجاً، لأنه كما يقول الأستاذ الدكتور حسين طه محادين أستاذ علم الاجتماع في جامعة معان: «إن الوجدان الشعبي كشخص معنوي يشبهنا كأفراد ومجاميع عاديين لذا يمكني الاجتهاد بأن الوجدان الشعبي ليس محايداً في تعاطيه مع قصة الشرشف ومصاحباتهما خصوصا خبثه في توظيفه الجيد واستثماره للميديا بحكم سعة انتشارها وكثرة تردادها كقصة على مسامع وألسنة الكثيرين نظراً لما توفره الميديا من سعة انتشار وحرية تعبير هذه الأيام».

وفي الختام نقول أن سرقة شرشف الحاجة قد كشفت عورة مجتمع كامل، ويا ليت هذا المجتمع يملك ذرة واحدة من غيرة امرأة مسنة على شرشفها! .. وبما أن هذه المرأة المسنة ثابتةٌ على مبدأها ولا ترضى عن الحق بديلاً ولا تعويضاً لا نستطيع إلا أن نعزّيها ونقول لها: «يا حاجة .. اللي مضيع شرشف ممكن سنة ويلقاه .. بس اللي مضيع وطن وين الوطن يلقاه» ؟!

فادي سلايمة