معشوق السنجق (1) بقلم:محمد يوسف محمد المحمودي
تاريخ النشر : 2018-12-16
معشوق السنجق (1) بقلم:محمد يوسف محمد المحمودي


معشوق السنجق (1)

محمد يوسف محمد المحمودي

المنصورة.. جمهورية مصر العربية 

[email protected]

أشرقت شمس الصباح على استحياء، وخرج الأربعيني يوسف؛ فيما كان يرتدي ملابسه كعادته، ومن خلفه تطارده زوجته التي تحرص على التقاط بعض الصور له كل صباح في حديقة منزله قديم الطراز؛ المكون من طابقين وحديقته المتواضعة بنخلتيها الشامختين في سماء قريته. بعدها، وقف يوسف منصتًا لتعليمات زوجته التي تنبهه إلى الاعتدال في وقفته حتى تحسن التقاط صورة فوتوغرافية له ترضيه وترضى عنها. ومن الطبيعي أن يجد بعض المارة، القلائل في هذا التوقيت، شيئًا غير مألوفٍ في أمرٍ كهذا بقريتهم تلك، ومن البديهي أن توقف الزوجة التصوير كلما مر مارٍ أو خرج من شرفات المنازل المجاورة رجلٌ أو امرأة. 

كان يوسف المقدسي الأندلسي، كما يسمي نفسه، مغرمًا بنفسه وحريصًا على متابعة التغيير الطارئ على ملامحه ومعالم جسده بين حينٍ وآخر. لكنه رغم اعتدال هيئته والتزامه بمتابعة انطباعات زوجته؛ مرتديًا "بدلته الأنيقة"، كان يفكر في "علا".. الفتاة التي شغلته واحتلت قلبه وغزت عقله وكيانه، وصرفته عن التركيز في كلمات زوجته التي تغازله بها وتوصياتها له بالابتعاد عن النساء وعدم الالتفات لهن، وتدعو الله أن يعود لها خاليًا من هموم عشقه المتكررة، وحالاته المزاجية الفريدة في غرابتها وتقلباتها. وبعدما اطمأن يوسف من توثيق اللحظة والتقاط الصور التي تروق له؛ بمراجعة ومتابعة زوجته وهي تصوره ومشاهدته بعض ما التقطته، انصرف إلى عمله في مبنى تابع لمؤسسة إدارية تعمل في مجال التعليم التقليدي. 

مضى يوسف في طريقه إلى عمله مبتسمًا؛ يكلم نفسه أحيانًا تجاوبًا مع الحوارات الوهمية التي يتخيلها مع "علا" حبيبته "حمساوية الهوى" التي شغلت فكره أيامًا وليالٍ طويلة. كان العاشق سائرًا وعقله الحالم يعيش منعزلًا عنه، لأنه كان يرى الدنيا بعيني حبيبته ولا يعي حقيقة المارين بجانبه والسائرين من حوله؛ حتى وإن ألقوا عليه السلام وتفاعل معهم ببسمته التي لم تكن لهم بقدر كونها لحبيبته. على الرغم من ذلك، كان الرجل يحسن التفاعل مع المصافحين والمرحبين به. 

كانت عيناه دائمًا معلقة دائمًا بشاشة هاتفه الذكي والإخطارات التي تأتيه من هنا أو من هناك، لكن قضايا الإنسانية؛ خاصةً القضية الفلسطينية وأحوال أهل غزة، لم تكن غائبةً عن وجدانه، رغم أنه مصريٌ يرى في مصرٍ كيانًا معاديًا للجميع بسياساتها وتوجهاتها؛ إذ تشارك دولته في قهر غزة بحصارها الذي تفرضها عليها منذ سنوات. ربما كان استعجاله التصفح للأخبار العاجلة والإخطارات الواردة مبنيًا على ظنٍ ساوره بأن خبرًا سارًا في الطريق إلى هذا العالم. ربما زالت دولة ظالمة أو هلك حاكمٍ مستبد. نعم.. كان يريد مفاجآت سارة تسعده وتطمئنه إلى حتمية انتصار الحق وإمكانية رؤية العدل سائدًا في هذا العالم قبل موته.