قراءة لخطاب الجندر في رواية الأسود يـليق بكِ ﻟ أ. مستغانمي بقلم: زياد بوزيان
تاريخ النشر : 2018-12-16
مقدمة
النسوية في مجال الأدب ليس حدثا وليد الساعة بل لها امتدادات في الوعي الجمعي والتراث الثقافي ‏العربيين منذ الجاهلية ، عندما كانت الأنثى توأد خشية من أن تقول شعرا فتجلب العار لقبيلتها، ‏وعندما كان الغناء و الحكي حكرا على المرأة في التاريخ الاسلامي ؛ من اختصاص الجواري و إلى ‏أيامنا هو مستمر في المناطق النائية في دول بعينها‎ ‎‏(ثقافة نسوية متباينة الاضمار من بلد لآخر) ‏، وعندما ﺃصبح المعنى الجمالي للثقافة (الثقافة العالمة) يؤكد عبر الفنون على الخصوصية الثقافية ‏، منذ نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة‎ ‎، التاريخ الذي شهد ولادة ما أصبح‎ ‎يعرف بأسلوب ‏الرواية الجديدة ، متلون بتيار ما يعرف ﺑ ‏‎ ‎‏"ما بعد الحداثة" في كتابات روائيين وشعراء جزائريين ‏خاصة الهواة منهم ، منذئذ أصبحت الرواية عندنا تطرق موضوعات الهوية المثيرة لقضايا الدين ‏و العرقية / الطبقية و النسوية / الجندر الشائكة دونما تريث ، و النسوية الجزائرية ليست وليدة كتابة ‏نسوية عربية مستقلة عن مطالب الحركة النسوية في العالم ، بل كانت نتيجة استيراد الحداثة بما ‏فيها الحداثة النسوية على مدار القرن التاسع عشر ، مُطالبة بالمساواة في ميدان العمل و التعليم ‏والانتخاب والحقوق المادية مع الرجل. ثم مع الموجة النسوية الثانية في الولايات المتحدة وصولا إلى ‏‏"الثورة النسوية" بأتم معنى الكلمة ، وهي النضال من أجل الحقوق المعنوية بمساواتها بالرجل في ‏الحرية و العدالة و تعدد الزيجات و الفن و حرية التعبير و التحرر من البطريركية وغيرها ، هذه ‏المكتسبات تطورت إلى تيار "ما بعد النسوية" فيما عرف ﺒ "الموجة النسوية الثالثة" بداية السبعينيات ‏، في حين انشغلت التنظيرات النسوية الغربية بالصراع بين النسوية في مرحلتها الثانية و التي مثّلتها ‏الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار بقضايا الطلاق و التحرش الجنسي ، أثارت حركة مرحلة ما بعد ‏النسوية حق التحرش الجنسي واﻹغتصاب والمثلية وهي انقلابات لم ترُق للجميع كونها كرّست ‏نموذج المرﺃة الداعرة وشرعنته. بدأت عربيا مرحلة اكتشاف الذات وإثباتها في الكتابة مع نوال ‏السعداوي و ليلى العثمان و فاطمة المرنيسي وغيرهن، وهي المرحلة التي تحولت فيها النسوية إلى ‏سياسة للهوية في النص الأدبي خطابا وقصة وسردا ٬ مرتبطة بشكل وثيق بظروف البنية الثقافية-‏اﻹجتماعية ؛ البطريركية التي ينتجها اﻵخر الذكوري المسيطر٬ يتحول فيها النص الذي تكتبه المرأة ‏من وسيلة ﻹسماع الصوت إلى هدف بحد ذاته ، إلى خطاب جندر (‏Gender‏)[1]، كما سنرى مع ‏بطلة أحلام مستغانمي في رواية "الأسود يليق بك" التي تتجندر على عشيقها الثري، برفض المبادرة ‏في طلب الحب برغم حاجتها إليه. وطرح موقف هوية مضاد للدين و السلطة، عندما اتكأت الكتابة ‏النسوية على سرد الجسد الأنثوي ( بالضمير أنا ) ؛ في رمزيته (مقموع أو مبتور أو منتشي) أكسب ‏الكتابة الأنثوية جمالية و خصوصية ثقافية ، وهذا ما طرحته روايات فضيلة الفاروق و أ. ‏مستغانمي بعد رشيد بوجدرة وأمين زاوي. اﻷثيرة بقضايا و آفات ولدت من رحم اﻷسرة في سياق ‏محافظ/ الجزائر والخليج وشبه محافظ/ لبنان ، مناداة بتحرير المرأة من ﺃسر التابوات الملصتقة بها ‏مثلاﹰ ، إثباتاً لذواتهن ومواجهة النسق السوسيو- ثقافي المحلي المسيطر باعتبار ﺃن « الأسرة هي ‏منشأ العلاقة الأخلاقية بين الناس (..) لا أخلاق بغير أسرة »[2] بإدراك جدلي ٬ نتيجة علاقة ‏الرواية الجديدة بالتيار المذكور المحتفي بالمتشظي و الهامشي و المسكوت عنه و اللاﱠمفكر فيه ‏و اللاﱠعقلاني و المنقب في « كل ما يقيمه العقل من توازن بين الروح والجسد»[3] ﺃي ‏بين المقدس والمدنس على مستوى العقل الأخلاقي العربي.‏
لعلّ في هذا التحليل النقدي الثقافي لرواية الأسود يليق بك الحاملة لسمات الرواية الجديدة هو استكناه ‏للخطاب الجدلي في علاقة الذات بالمتمثل للآخر أيضا في فضاء سوسيو- ثقافي عاج ‏بالمحظورات نئيا للهوية الثقافية : العادات والتقاليد الدينية و القيم اﻹجتماعية المرتبطة بهما من ‏الانتكاس‎ ‎و التلاشي على‎ ‎يد العولمة الثقافية‎ ‎، ناهيك أن تيار النسوية ، والذات والأخر، والهوية ، و ‏الثقافة و قضاياها كلها بذور منتشة تحتاج فقط إلى تربة النقد الثقافي الخصبة كي تثمرﻔ « أكثر ما ‏يقال اليوم عن العولمة ٬ يكاد يكون تكرارا لما قيل من قبل عن الغزو الثقافي ﺃو اﻹمبريالية ﺃو ‏التبعية ٬ حتى عن الحداثة بوصفها "غربية" و"غازية".. فهناك ظاهرة تضخيم إيديولوجي في ‏تعاطي المثقفين العرب مع العولمة »‏‎[4]‎‏.‏
في نفس الوقت هي استكناه لجمالية النص الروائي الجديد الذي تكتبه الأنثى بتوظيف فني لرموز ‏الجسد ولعنصري الشخصية العالمة المقابلة للشخصية غير العالمة ، اللتان ليسا لهما وجود خارج ‏ثنايا الكلمات لكن يتلبسهما دوما خطاب و فائض معنى ٬ لدى ﺃرمدة من الروائيات الجزائريات ‏المعاصرات كأمينة شويخ ، زهرة ديك و سارة حيدر مركزات على « الشخصية العابثة ‏بهويتها (رمزية العبث بالجسد)‏‎ : ‎مصادر ثقافتها هي ثقافة الا᷃خر و الشخصية كمرتكز للحفاظ ‏على هويتها التي مصادر‎ ‎ثقافتها تراثية »‏‎[5]‎‏. و مع كلا الشخصيتين نلفي‎ ‎حضور‎ ‎النظام ‏البطريركي‎[6]‎

ـــ هذه القراءة النقدية الثقافية لكونها « نظرية جديدة في النقد تقوم على البحث عن الثقافي في ‏النصي وعن النصي في الثقافي ، وهو ما يعني لأول مرة ، قيام النقد بوظيفة معالجة الأعمال ‏الأدبية في ضوء عدة سياقات ثقافية متقاطعة فيما بينها »‏‎[7]‎‏ تحتمل أيضا بعضا من التفكيك ‏كون النقد الثقافي يركّز بشكل أساس على أنظمة الإفصاح النصوصي ، وهي مناهج مستقاة من ‏اتجاهات ما بعد البنيوية ، كما تتبدى في أعمال بارت ودريدا وفوكو. و قراءة جماليات التحليل ‏الثقافي سرديا بحسب تصور ستيفن غرينبلات أيضا. يقول عبد الله الغذامي عن النقد الثقافي « ﺃنه ‏نظرية ومنهج في الأنساق المضمرة أو المعتقدات الذهنية العميقة‎ ‎باعتبارها نماذج راسخة ‏ومنظومة فكرية ثابتة ، ذات أثر في النصوص الثقافية ، والجمالية بالذات ، (..) النقد الثقافي ‏استعمال للأدوات النقدية لنقد الخطاب الثقافي وكشف مجموعة الأفكار المتآزرة والمترابطة التي ‏تتمكن في الأعماق ، وتؤثر بشكل حتمي في الفعل الجمالي والثقافي ، حتى تصبح ذات وجود ‏حقيقي يمثل الأصل النظري للكشف والتأويل »‏‎[8]‎‏ ومفاصل هذا النقد هي:‏
‏1- أنه "نسق" يمكن ﺃن يحدد هذا النسق عبر وظيفته ، وعمله و أثره ، وليس من خلال وجوده ‏المجرد.‏
‏2- إنه نظام بنوي بمعنى أن له بنية متآزرة كامنة في أعماق الخطاب الثقافي و هذا النظام له ‏وجهان أحدهما ظاهر و الآخر مضمر.‏
‏3- إن الوظيفة النسقية تظهر في النص الجمالي خاصة : كالشعر و القصة ، و تظهر في ‏غير الجمالي أيضا.‏
‏4- إن الدﱠلالة النسقية المضمرة موجودة أزلية راسخة لها الغلبة دائما.‏
‏5- إن الوظيفة النسقية لها جبروت رمزي يقوم بدور المحرك الفاعل في الذهن الثقافي وهو المكون ‏الخفي لذائقتها ولأنماط تفكيرها وصياغة أنساقها المهيمنة.‏
‏6- النقد الثقافي بمنهجه الموصوف وأدواته المذكورة وأسسه هو عبارة عن رؤية شمولية معززة ‏بآليات ثقافية ونقدية ، تستعمل فيه أدوات النقد من مثل: المجاز الكلي، التورية الثقافية، ‏المجمل، الكلي، المضمر، الكناية.‏
‏7- بما أن الأنساق المضمرة هي صلب النقد الثقافي وبما أنها حتمية فمجموعة المثقفين ‏و المبدعين ليسو سوى (كائنات نسقية)٬ ومهما كانت قرارات الثقافة الشخصية الذاتية لدراسته فإنها ‏لا تملك القدرة على إلغاء مفعول النسق ، لأنه مضمر من جهة ، و لأنه متمكن ومنغرس منذ القديم ‏وكشفه يحتاج إلى جهد نقدي متواصل ومكثف.‏
‏8- المراد بالنقد الثقافي كشف المخبوء تحت أقنعة البلاغة و الشعر و النص الجميل و لذلك ‏كان من مطالب أصحابه إيجاد نظريات في (القبحيات) لكشف حركة الأنساق وفعلها المضاد للوعي ‏والحس النقدي‎[9]‎‏.‏

ـــ تحليل رواية اﻷسـود يـلـيق بكِ على ضوء النقد الثقافي

ينفتح السرد في الرواية الجديدة عموما منها رواية "الأسود يليق بك" التي نحن بصددها على ‏جماليات مشتركة عدة ، لعل أبرزها شعرية اللغة و الخطاب ، أحادية الصوت السردي و التعدد ‏الأجناسي : الرسم ، موسيقى، موضة، فلكلور.. وإن لم ينحو خطابها باللائمة على التقاليد الدينية ‏وعلى تكريسها لقيم ما ، كقيم الذكورة و تمجيدها بواسطة ثقافة الرضى و الطمأنينة ، فأنه يشي إليها ‏من خلال بعض المضمرات في لاوعي المرأة الشرقية (هالة الوافي) اتجاه الرجل الغربي ‏الثقافة(طلال هاشم) ضمن بنية سردية هي بنية السرد النسوي. و مازلنا في بحوثنا نحلل روايات ‏جزائرية بعينها ، هي تلك التي تخص الجيل الذي مسته سمعة حقة دون سواه ـــ بوجدرة ، فضيلة ‏الفاروق وأحلام مستغانمي وجيلالي خلاص ومحمد مفلاح ومحمد ساري ـــ لأنه أولا كان الأجلى في ‏توظيف تقنياتها وثانياﹰ في كوننا لم نتجاهل رواية الأقلام المغمورة إلاّ بعدما بدى لنا أن جلّها إنما ‏كمن احترفت الهواية! أي الاحترافية التي يخرج فيها عملهم كل عشر سنوات ونيف. ‏

‏ 1 ــ الخطــاب

‏ الخطاب هو فعل التلفّظ من طرف متكلم وفق صياغة و نظام ما ، قصد التأثير في طرف ثاني، ‏ألا و هو المستمع ، و« هو الوعي البياني عند علماء الكلام والأصوليين عموما .. نظر إليه ‏بوصفه جنسا خاصا من الكلام (...) يعرّف الخطاب بأنه الكلام المقصود منه إفهام من هو متهيئ ‏للفهم ، وهذا يقتضي أنه الكلام الموجه توجيها مباشر من مخاطب بعينه لتحقيق غاية بعينها، هي ‏إفهام ما هو متهيئ لفهمه»‏‎[10]‎
الخطاب نظام ، يقتضي بدوره أنظمة أخرى تدخل في تركيبه ، « يمكن النظر إلى الخطاب بوصفه ‏إسترتيجية التلفظ ، أو بوصفه نظاما مركبا من عدد من الأنظمة التوجيهية والتركيبية والدلالية ‏والوظيفية ( النفعية) التي تتوارى أو تتقاطع جزئيا أو كليا فيما بينها »‏‎[11]‎
ربط ميخائيل باختين الخطاب بالخبرة لذاتية المتلفظة ، والتي هي في حد ذاتها بنية اجتماعية، ونظر ‏للخطاب « بوصفه تلفظا يمكن وصفه حسب تودوروف بأنه عبارة عن حدث اجتماعي، وليس ‏حدث فرديا ، وهو حدث اجتماعي لأن النات المتلفظة وإن بدا عليها أنها مأخوذة من الداخل ، إلا ‏أنها تعد بصورة كلية نتاجا لعلاقات متداخلة»‏‎[12]‎
يتمثل خطاب رواية الأسود يليق بكِ الهوية النسوية الوسطية المنفتحة على اﻵخر بذم الفكر السلفي ‏والتقاليد البطريركية التي تمنع المرأة من التحرر ، وقد تجلىّ عبر متضادات نسقية: نسق السلطة ‏الأيديولوجية نسق المجتمع الأصيل البنية الاجتماعية في بطريركيته وهو المسيطر و نسقا المجتمع ‏العلماني المؤمن بحرية المرأة والإسلام المتطرف نسقين غائبين.‏
ٳذا كانت الكتابة الروائية النسوية في المراحل السابقة لبروز الرواية الجديدة وسيلة إيصال الصوت ‏النسائي؛ مع زهور ونيسي و زوليخة السعودي الاۤن ﺃصبحت هي هدف بحد ذاتها ، لمواجهة البنية ‏اﻹجتماعية-الثقافية بما فيها تحدى سلطة المجتمع والمركزية الذكورية ـــ النسق المسيطر ـــ مجاله ‏المضمر (الحرية الجنسية للمرﺃة والنقد الساخر لفحولته و تفضيل المسيحي عليه) الذي لا تتشابه فيه ‏المجتمعات في عصر العولمة الثقافية الكاسحة :‏‎ ‎‏« كل اﻷفراد يشكلون مجموعة خاصة في مقابل ‏العام٬ ﺃي تكون لهم هوية مميزة ضمن البنية العامة التى يعيشون فيها٬ والتى لها هوية ‏مغايرة ٳذ يرتبط مصطلح "الهوية" بالتركيز على الخاص في مقابل العام»‏‎[13]‎‏ ‏
من هنا تميز خطاب ﺃحلام مستغانمي‎[14]‎‏ بالمضمرات النسقية التالية :‏

‏1.1 ــ الحرب مسوّغ التّحرر من التابو

‏ وظّفت المؤلفة الخطاب التاريخي المتمثل في النضال ضد اﻹسلاميين كي تقودنا إلى التعرف على ‏السياق النصوصي الناجح والثابت لها ، و كطعم، تحفّز به و تستحوذ على ﺃفق توقعات القارئ ‏الجزائري والعربي على حد السواء ٬ كما جرى مع "ذاكرة الجسد"٬ خاصة وﺃن الجزائر عاشت حرباً ‏بين المتشددين اﻹسلاميين الذين إغتالوا ﺃب وﺃخ وأخت البطلة هالة الوافي التي أحبت "طلال هاشم" ‏المسيحي اللبناني الثري فبعد أن قتل الإرهابيون والدها، وشقيقها الوحيد، لتكون أختها ذات العشرين ‏عاما الضحية الثالثة من عائلتها ، جاءت التهديدات الموجهة إليها، كعامل حثّها للمسارعة إلى هجرة ‏الوطن ، بهدف ظاهر هو حفظ حياتها وآخر باطن هو الانتقام الجندري من نسق مركزي نهيمن ‏ثقافيا ، حتى و إن لم تطابق مستغانمي بطلتها فلم تجعلها كاتبة وجعلتها مغنية ، فإن هناك دلالات ‏مضمرة تشي إلى محاولة جذب القارئ كطرف مستهلك يستمتع بتفاصيل حكاية حب فتاة جزائرية ‏بكل عنفوان وباختراق المرﺃة الجزائرية للتابو، كونه يبقى تصرفا ـــ حكاية العشق والغرام الذي تفصح ‏عنه المرأة في مجتمعاتنا ـــ مبتذلاﹰ حتى ولم تطأ جمالياته بجنون ، خاصة وﺃن القارئ هو الآخر ‏عايش معاناة اﻹرهاب و صعوبة اﻹنفتاح على ثقافة الغرب/باريس الذي لا يشكل المحظور الجنسي ‏لديه تابو. على هذه الجدلية وظفت مستغانمي الهجومات اﻹرهابية على كل ما يمت بصلة بحرية ‏المعتقدات وحرية المرﺃة داخل بلادها في التسعينيات ٬ وفي مناطق الربيع العربي حاليا ٬ كذريعة ‏ومسوّغ فاسحة المجال لنكهة من جماليات الجسد في الرواية. والملاحظ ﺃن اختيار سوريا و بيروت ‏لم يأتي اعتباطيا ؛ للحرية المتاحة فيهما مادياﹰ و معنوياﹰ. حيث ﺃصبحت بيروت ملاذ للروائيات و ‏الشاعرات الجزائريات منهن فضيلة الفاروق و لميس سعيدي .. ناهيك عن المغنيات و مزار أشهر ‏الروائيين والفنانين الجزائريين المتكونين هناك ٬ ﺃما مسألة تمسك البطلة هالة الوافي بلباسها اﻷسود و ‏هي تبادل عشيقها الحب المجسد و الموصوف بدقة وحرارة ٬ فهو مربط الفرس في خطاب ﺃحلام ‏مستغانمي٬ خاصة وﺃن بطلتها لا تتجاوز27 عاما ﺃما طلال فيكبرها بعقود. إنه خطاب مضمر ‏ضمن نسق ثقافي يرمز فيه الجسد إلى رموز عدة كما تقول نزيهة الخليفي : « ٳن الجسد مكون ‏مركزي في الرواية يبوح بوظائفه ٬ و رموزه و طقوسه وتضاريسه٬ فقد تحوﱠل من ملازم مادي ‏محدود ٳلى موضوع فعال ٬ تتظافر جميع العناصر الروائية (الشخصيات الزمن و‎ ‎المكان واللغة ‏والحوار..) ﻹكسابه خصائصه البنائية»‏‎[15]‎‏ خطاب ديدنه المرﺃة الشرقية و الجزائرية التي تردعها ‏قيم المجتمع الذكوري و البطريركي /السلطة اﻷبوية ٬ والذي تزايد أهمية في الآونة الأخيرة عندما ‏ﺃصبحت الهوية تضع نفسها في مواجهة حتمية مع العولمة الثقافية. خاصة ماتعلق بنبش المرﺃة في ‏المحظور ﺃمام مرﺃى سلطة المجتمع بما فيهم الوطنيين٬ « بعد ﺃن منيت المرﺃة بخيبة ﺃمل قصوى ‏في إمكانية تحريرها من نير التقاليد الفاسدة ٬ كما تحررت البلاد من براثن اﻹستعمار ‏الغاشم»‏‎[16]‎‏ فتاريخ اﻹرهاب في الجزائر الذي إسترجعته مستغانمي على لسان هالة الوافي المغنية ‏المحترفة و‎ ‎العاشقة للرسم وﺃلوان الموسيقى ليس ﺃكثر من محاولة تسويغ ٬ و آلية للتأثير على ‏القارئ بغية تقبل اختراقها للمحظور؛ ﻷن العادات و التقاليد اﻹسلامية في زمن ثورة التحرير ‏الجزائرية‎ ‎كانت فيها المرﺃة تخضع للرجل خضوع طاعة٬ وتكون مهمتها تلبية حاجات ‏الثوار و‎ ‎المجاهدين المختلفة دون اعتراف بحقوقها كأنثى خارج ذلك.‏

ﺃما اليوم انقلبت الموازين فالرجل الغني الواقع بغرام هالة المحزونة على ما جرى و يجري في بلدها. ‏إذا تركها قافلا إلى شركته فكأنه « العائد إلى وكره وإلى الفقر نتيجة بعدها عنه »‏‎[17]‎‏ في خضم ‏تحولات العصر الثقافية تشبثت الساردة بأنوثتها و هي مصرة على اﻷسود لآخر القصة ٬ كرمز ‏يومئ لوجود مضمر ثقافي يقهر المرأة العربية ؛ فاستعملته كغلاف يحجب حقيقتها : هالة/الجزائرية ‏المثقفة المتمردة على التسلط الذكوري الذى يستقيه من العرف الاجتماعي ؛ و تمارس حريتها ‏كالوقوف بفحولتها ﺃمام التقاليد و بانتهاز فرصة الحرب وفرصة ظلم مركزية الذكر لها لتخلعه ؛ لأن ‏الفوضى واللاﺃمن تمكّنها من استبداله باللازوردي (الدبلوماسي عز الدين) ؛ ﻷن الكل منشغل عما ‏هو ﺃهم من الحب والجنس و اﻹغتصاب .. ، فالمظهر ــ الفستان اﻷسود ــ لا يعكس الباطن الممتلئ ‏تحررا و انقياداً للذات ؛ في عدم التفريط في عزتها ﺃمام الرجل طلال هاشم٬ مهما كان ثرائه و ‏غواياته من جهة ٬ ومن جهة ﺃخرى تماهيها مع الثقافة و الفن و طرائق حياة الغربيات.‏

‎2.1‎‏ ــ توظيف الجندر لمكتسباته القبلية

يعني أننا بصدد جندر حقيقي مستثمر لفرصة وقوف المنظمات العالمية مع حقوق المرأة في الشرق ‏الأوسط في سبيل الحصول على مكتسبات الموجة النسوية الثالثة ، في عز التخلف الحضاري / ‏الحروب الهمجية في العالم العربي ، التي تشبه الحروب القروسطية في تعاملها مع الجنس الآخر ، ‏أي تمثل بجسد المرأة بعد أن تغتصبه، دون التفريط في المكتسبات القبلية بمساواتها في العمل فنانة ‏ومغنية و راقصة... وسنرى أن خطاب البطلة سينعكس على المؤلفة إيجابا بعد سنوات من جفاف ‏قريحتها الإبداعية خلًف لغطاﹰﹰﹰﹰ إعلاميا ، و إذا بها تسكتهم بالأسود يليق بكِ ، التي حملت عدة رموز ‏و فكّكت عدة أنساق ، لعل أقواها جميعا تأكيدها لأسلوب لا رجعة أو محيد عنه في الكتابة النسوية ‏وهو توظيف خطاب الجندر لمقتضيات ثقافية ؛ فأمام قمع الأنثى بطريركيا بإبقائها في البيت، ‏والمنع تحت مسميات " التبرج" و "رفع الصوت العورة" في المجتمعات المحافظة، كانت هالة الوافي ‏‏« لم تكن تشبه أحدا في زمن ما عادت فيه النجوم تتكون في السماء بل في عيادات التجميل. ‏لم تكن نجمة. بل كانت كائنا ضوئيا، ليست في حاجة إلى التبرج كي تكون أنثى. يكفي أن ‏تتكلم»‏‎[18]‎، و ستعول البطلة هالة الوافي على حاجة المسيحيين في لبنان والأروبيين الفضوليين إلى ‏صوتها لممارسة ما تهوى ، من أجل الحصول على مكاسب أخرى أكثر مساواة تحت "قناع" هو ‏ثوب أو فستان أسود يسمى بالموسلين اختصارا لأنه مصنوع من قماش الموسلين.‏

لِعلاقة المثقفة بمجال عملها دور في استقصاء نظرة المجتمع لها ٬ وللمعوقات والخطوط الحمراء ‏التي يضعها ﺃمامها ٬ فالمثقفة غير الفنانة محافظة ﺃو متحضّرة مثلاً ، يكون الصدام الثقافي بينها ‏و المجتمع ﺃقل حدة بخصوص الموقف من الزواج و حياتها الجنسية ، ﻷنها تعايشها في الهامش ‏الشعبي؛ فإذا كانت مثقفة محافظة على هويتها انتهى اﻷمر؛ ستقبل على الزواج ثم تنظر ٳلى كل ‏متحضّرة عانس نظرة ريبة ٬ و العكس بالعكس بالنسبة للمتحضّرة التي ترفض الزواج التي ترى أنه ‏يكبل حريتها ٬ الصدام الحقيقي مع المجتمع تمثله الفنانة بحكم نوازعها اتجاه حاجياتها الجمالية ‏وطاقاتها الفنية ؛ هنا حتى بالنسبة الفنانة المحافظة في حال الاصرار على امتهان حرفة الفن تكون ‏محل مواربة و رفض من قبل مجتمعها و ما‎ ‎بالك بالفنانة المتحضّرة أو على الأقل المثقفة كهالة ‏الوافي ؛ ستعامل حينئذ كأنها دنس ٳذا عزفت عن الزواج ؛ مقابلتها بغير الفنانة المتزوجة شبيه ‏بمقابلة المدنس بالمقدس ،‎ ‎وبين المقدس و المدنس ينتظم العالم ويستقي العنصر البشري كنهه ‏واستمراره. ولعلّ الانعتاق من مجتمع يبتر المرأة أبسط حقوقها إلى مجتمع أقل بترا له ، يحلو لها فيه ‏أن تفعل ما تشاء ، سوّغ للبطلة هالة الوافي مقابلة سلوك الأغنياء في عدم الثقة بالنساء المعاملة ‏بالمثل ، و هو سلوك عادي جدا لو فحصناه من جميع جوانبه ، بينما الغير العادي هو تجندُر فتاة ‏جزائرية الأصل حامت حولها الشكوك وهي بعدُ معلمة في مسقط رأسها ، بعدما أصبحت مطربة في ‏سوريا و بيروت رغبة في إبكاء رجل جندريا! فأين تركت الأصول؟ ألم تمنعها ذاكرة البؤس والشّقاء ‏في مجتمع أذاقها مر و ويلات الالتزام بالعرف، ألم يمنعها الانفلات الأمني ، ألم تحمد ربها أنها ‏بإزاء رجل غني ساقه لها قدرها لتطلب أكثر من ذلك! ( بكاءُه عليها) ، هذا النسق المفارق موجود ‏كثيرا في المجتمعات الشرقية سببه الحرمان ؛ هو نسق في انعتاقه الحر شبيه بانعتاق الدواب من ‏رباطها إلى حقول الزرع ، لكن سرعان ما يصبها ما لا تتوقعه من سوء عقاب : « قالت له يوما :" ‏لا أثق في رجل لا يبكي " إكتفى بابتسامة.‏

لم يبح لها أنه لا يثق في أحد. سلطة المال كما سلطة الحكم، لا تعرف الأمان العاطفي... لذا ‏لن يعرف يوما أن كانت حقا قد أحبته لنفسه... هو يرتاب في كرمها، يرى في إغداقها عليه ‏مزيدا من الكيد له . أوليست الحياة أنثى في كل ما تعطيك تسلبك ما هو أغلى؟»‏‎[19]‎
لا مندوحة من رسوخ اﻹنعكاس السلبي لسلطة اﻷب في نفسية الأنثى وذاكرتها ضمن تقاليد اﻷسر ‏العربية مهما كانت ثقافتها، ﻔ « اﻷسرة البطريركية تعلم ﺃطفالها الطاعة والخنوع تعده ليكون فردا ‏من الرعية ‏‎.‎‏ هي مدرسة لتعليم الأطفال منذ الولادة الكبت الجنسي »‏‎[20]‎‏ حسب ياسين بوعلي ٬ ‏بدءا من سلطة اﻷخ والعم والخال ٬ ٳلى سلطة اﻹمام ٬ و الشيء نفسه مع ﺃعراف المجتمع وتقاليده ‏مضافاً له نظام المشيخة وتقاليده في كل قطر عربي على حدى ٬ هذه اﻷبوة التي تقف عائقاﹰ في ‏وجه « حتميات بيولوجية في اﻹنسان »‏‎[21]‎‏ تجعله يتمرد و ينتقم للحرمان أول ما ينتقم ، من ‏النسق الثقافي المسيطر باعتباره نسقا مهمشا : « تاريخ اﻷبوة ــ الذكورة ــ بوصفه معطى ‏نهائيا ٳهتزﱠ في لحظة وعي بعد ﺃن تسرب الهدم ٳلى منظومته السوسيوثقافية بالتالي ‏لحظة ٳرتطام وعي اﻷنا بالآخر٬ زاد من تقليب ﺃوجاعها و هواجسها حاملاً في داخلها خطابا ‏منشقاﹰ ومنحرفاً عن المسارات اﻷنساق التقليدية ليؤسس منطقا معرفياً بديلاً»‏‎[22]‎‏. قد خرجت من ‏بلادها في عمر 27 عاما لكن مضى بها العمر إلى أرذل العمر كما تقول ، يعني خروجها من ‏مرحلة الشباب رويدا دون أن تحقق رغباتها أو حتى الاستحواذ على شخصية مرموقة. فكيف لا ‏تستغل فرصة طلال هاشم لتضرب عصفورين بحجر؟ الانتقام للحرمان الذي تعرضت له في سياق ‏المجتمع التقليدي بالأوراس ، و التمتع مع أصدقاء البذخ و النجومية و الديبلوماسية الذين ليس لهم ‏أي سطوة أو اعتراض على الاختلاط بالغرباء أو حتى مصفحاتهم وتقبيلهم في المضارب المعدة ‏لذلك ، وهي محافل الغناء والسمر بالقاهرة وباريس وفيينا وإلا ما كانت لتأخذ ابنة خالتها نجلاء ‏معها.‏

‏ ولعلﱠ الميزة السردية التي إحترمت خطاب الرواية الجديدة‎ ‎‏٬ هو في‎ ‎اللعب على تيمة الجسد إلى حد ‏التشبع عندما يتعلق اﻷمر بالكتابة النسوية ـــ التشبع الذي ارتكزت عليه الكاتبة ليكون خاتمة متعة ‏البطلة تأتي على إثرها القطيعة ، ليفسح لتبلور خطاب جندر، كان معدا سلفا ؛ بعد أن تقاسمه ‏السرير في تلك الليلة بشقته الباريسية باعترافها « أريد أن أكون أما لابنك » يكون ذلك آخر الحب ‏بينهما ـــ سواء لدى الشخصية البطلة/هالة ﺃو مع البطل/طلال و حتى السارد ، هناك دائما التقابل ‏بين الشخصية الخيّرة التي تمارس الحب وترضى به والشخصية الشريرة التي ترفضه. قبل أن يتعرى ‏طلال لهالة أعطى مسوغ التعري وهو خيانة زوجته له (وهي في حكم الشخصية الرافضة للحب) ‏كذلك الأمر بالنسبة لمقتل علاء شقيق هالة وأحد أسباب "تسودها"، فقد انضم للإرهابيين ثم رغب ‏بالانشقاق فقتلوه أيضا ، لِعلاء صديق اسمه اندير، شاب جزائري بائس حاول الفرار إلى أوروبا لكنه ‏غرق بالبحر، و هو شقيق هدى حبيبة علاء ، المذيعة التلفزيونية التي هجرها ليلتحق بالمقاتلين ‏بالجبل. فالشخصية الأصولية مكون أساسي لتبلور أفكار تريد طرحها الكاتبة ، كشرعنة الاستمتاع ‏مع عشيق يعيّشها كأميرة في النمسا دون زواج بالأساس ، أي طرح فكرة الزواج المباشر من أساسه ‏، حين التماس خاصية الثراء والبذخ يصبح الكل يتحاشى الحديث عن الزواج ٬ فعندما التحقت ‏بالدبلوماسي عز الدين خلعت الأسود مُلبسةﹰ إياه لعشيقها السابق طلال «الأسود يليق بكَ» قائلة أنه ‏لا يليق بالدبلوماسي غير اللازوردي ، رمز للذة العابرة مرة أخرى ، مع أنها فحلة شاوية لا ‏حديث عندها عن الارتباط قط! فالزواج معيار تستطيع تمييز به المجتمعات البورجوازية العلمانية ‏عن المجتمعات المحافظة بغض النظر عن علاقته بالفن ، وعنه يقول الناقد مفقودة صالح :« لم ‏تعد الرواية الجديدة تحدد الزواج كهدف وثمرة للحب٬ بل صار الحب يكفي وحده ٬ بل لم يعد ‏الحب ﺃيضا هدفا وٳنما هو مظهر للإتفاق و اللاﱠوعي المشترك»‏‎[23]‎‏. والحب على هذا الفهم من ‏قبل هالة الوافي هو خطاب جندري بالنظر لأصولها.‏

‏3.1 ــ إيقونة اللون و"شعرية المغايرة"‏

‏ ماضر بطلة نص اﻷسود يليق بكِ هالة الوافي لو أنها بقيت في بلدها؟ هل كانت ستلقى نفس ‏مصير ﺃبيها وٲخيها وأختها؟ لا شك في ذلك كون اﻹرهاب كان شن حملة شعواء على الفنانين. لكن ‏البطلة تومئ ٳلى شيىء آخر هو اﻹغتصاب الذي هو "خصلة ثقافة" ذكورية ﺃيام الحروب :« لقد ‏حير تهديد اﻷقارب سلم مخاوفي. ﺃنا امرأة لا تخشى القتلة تخاف مجتمعا يتحكم حماة الشرف ‏في رقابه، ثمة ٳرهاب معنوي يفوق جرائم اﻹرهابيين »‏‎[24]‎‏. فالعلاقة بين الرجل و المرﺃة زمن ‏السلم تحكمها السلطة اﻷبوية و العرف خشية جلب العار؛ ٳن كانت المرﺃة عادية فما بالك عندما ‏تكون مغنية‎ ‎في زمن الحرب. فهنا نحن بإزاء بطلة متماهية مع العولمة و ثقافة اﻵخر لتقابل الآخر ‏المحلي/اﻹسلاميين في مجتمعها اﻷصلي المحافظ ٬ بغض النظر عن تطبيق الشريعة على المرﺃة ٬ هناك ‏تقاليد ليست ﺃصولية بل متفتحة على اﻵخر، أصحابه في أنساقهم العربية على شاكلة الخليجيين ‏بخاصة طائفة الأمراء و رجال الأعمال (الطلاليون) ، تشك في نسق ثقافي هو الجنوسة و تتوجس ‏منه أيّما توجس فُتخضع النساء خاصة المثقفات المتجاوبات مع ما يأتيهن من الغرب من ثقافة ‏للمراقبة والسيطرة ٬ خشية تلطيخ الشرف و المس بالنخوة و الرجولة العربية ، و‎ ‎المقاومة معناه ‏وقوعها في اﻹغتصاب و‎ ‎اﻹذلال الذكوري كأنما « التمييز النوعي الجنسي البيولوجي بين الذكر ‏و اﻷنثى ٬ هو تمييز تركيبي مؤسساتي ثقافي٬ وليس خاصية طبيعية بيولوجية ولهذا تصبح ‏الجبرية البيولوجية مجرد إسقاط ثقافي ٬ لا علة فطرية له لدى البشر»‏‎[25]‎

الجسد اقترن دائما بالكشف عن هويته ، وعن علائقه بالتاريخ والسلطة والقمع والاخضاع واللذة، من ‏خلال ثنائيات المهيمن و الخاضع ، المنع والاباحة ، الفضح والتخفي ، والقوة الضعف، الاشباعي ‏والحرماني، و‎ ‎المضمر في خطاب البطلة هالة /الكاتبة مستغانمي هو انتهازية و ذرائعية خطاب ‏المرﺃة العربية المثقفة بشكل عام ، تارة حجتها الأصولية و تارة حجتها اﻵخر الذكوري بغض النظر ‏عن قيمه الدينية والسياسية وتارة أخرى التعاسة والتخلف! تلون خطابها كهكذا تلون حربائي إنما ينم ‏عن معايشتها الحرمان و المنع لدرجة التثقف فيهما ﻓ « الجنسانية لم تخضع للقمع و الحظر ‏في المجتمعات الرﺃسمالية البورجوازية ٬ بل إستفادت من نظام ثابت للحرية »‏‎[26]‎‏ أمام هذا ‏الوضع سوغت الجنوسة عفر ﺃنف اﻷنا اتجاه تقييد حريتها بمجتمعها (الجزائر) برغم كونه معتدلاﹰ ‏ومنفتحا قياسا بالسعودية مثلاﹰ ﺃو حتى مصر ـــ ﻷن الرواية كتبت بعد سنوات من إسترداد الجزائر ‏لعافيتها (في 2012) ـــ بدون تجاهل الاختلاف العرقي في المجتمعات العربية فخطاب هالة إنما ‏يمتح أيضا من إثنيتها الشاوية و هو ما ألفيناه في سياق شعرية لهجتها المحلية كما في قولها ‏‏:« لفرط انخطافه بها » ٬ كلمة اﻹنخطاف تستعمل في اللهجة البربرية للتعبير عمن خطفه الجن.‏

لكن يبقى الهدف‎ ‎المضمر الرئيس هو مواجهة النسق المسيطر(المركزية الذكورية) وسياق الهوية ‏الداخلي ٬ بتمردها و تعولمها في الشام ٳلى ما يتجاوز الحب العفيف و هذا ما‎ ‎نستشفه من خطاب ‏عشيقها الحميمي طلال هاشم ٬ و الذي تظهر فيه البطلة كجارية عنده و راضية به : « لكنه ليس ‏نادما على ما وهبها خلال سنتين من دوار اللحضات الشاهقة ٬ و جنون المواعيد. حلق بها ‏حيث لن تصل قدماها يوما » ‏‎[27]‎‏ و لكن بعد مدة تنزع لباس الحداد وترتدي لباس الحرية ــ ‏اللاﱠزوردي ــ مايعني ﺃن البطلة انتهزت حالة الحرب التي كانت جارية في بلدها كي توظفها لصالح ‏ﺃنوثتها : « لابد من القول ﺃن الحرب ساهمت مساهمة فاعلة في تعزيز الحركة النسوية ‏الجندرية.‏‎ ‎و ساهمت في جعلها إحدى سياسات الهوية اﻷكثر تطرفا (..) و تم التعبير ‏عليها بنصوص روائية عديدة »‏‎[28]‎‏ فارتداء اﻷسود " الموسلين " كأنما هو حيلة ﺃسلوبية "ثقافية" ‏مُفتعلة جراء مقتل والدها الذي منعها من الغناء جاذبة بالرجل/طلال الغني إليها لمواستها وكسب ‏ودها والدخول النهائي لحلقة الفن الشهرة ٬ فلو ﺃرادت الفن للفن مثلاﹰ ﻷرتحلت مع ﺃمها ٳلى القاهرة ٬ ‏و هي اﻷقرب و اﻷنسب لفنها و للباس الحداد اﻷسود‎ ‎‏٬ لكن تمنعها و هي راغبة هي حيلة وغنج ‏نسوي شرقي كي تحقق مآرب أنثوية خاصة ؛ كالشبق باللبنانيين اﻷثرياء لكنهم ناقصون سيطرة ‏رجولية على ﺃمثال هالة الوافي : «‏‎ ‎ـــ ﺃحب ﺃن ﺃنفق ثروتي في إغراء الحياة.. ما دام مالي ‏سينتهي لدى رجال سيبرعون في إغراء نسائي.‏
ـــ نساؤك؟..‏
ـــ ﻷنني لا ﺃثق في النساء ٬ لا ﺃمي إنتظرت ﺃبي ولا تلك الفتاة التي ﺃحببتها إنتظرتني يوم ‏سافرت إلى البرازيل"‏‎[29]‎‏. هذا التصور السياقي "إغراء الرجال للنساء المتزوجات" غير موجود عند ‏الذكر المحلي (الشاوي) المحافظ على هويته فهو خاص بسياق بذخي. و في الوقت ذاته طعم ‏اصطياد ، مع ذلك تعمد الساردة هالة الوافي ٳلى إهانته و ذر الرماد في عينه ـــ بمثل لباس لونه ‏يرمز إلى العفة و الطهر والذي قد تشترك فيه مع المنقبات ـــ ؛ ارتداء اﻷسود ثم اللازوردي هو ‏تمويه للآخر بل صراع بواطن الذوات جنوسيا وبدبلوماسية مراوغة ، كون أن زوجها المستقبلي هذا ‏غير رافض لها عندما تمارس الغناء الرقص والموضة مع سواه ولسواه ، ينم عن صراع أضداد ‏الحرية مقابل المنع أو الإكراه ، الحزن مقابل الفرح ، الالتزام والتزمت مقابل الانحلال وهي أضداد ‏هوية ثقافة المغايرة أو شعرية صوت الأنثى المغاير لصوت الذكر، كالذي تقول له فيه:‏
‏« ظننتك أحببت حدادي حين كتبت لي " الأسود يليق بك"» لكن هل فيه إنسان في الدنيا يحب ‏لون الحداد؟! ويأتيها جوابه ، لكنه الجواب المفارق للطبيعة و لجماليات الأشياء في الثقافة السائدة ، ‏حيث الأسود يختار عبيده لا سادته.« ـــ‎ ‎ربّما كان عليّ أن أقول إنك تليقين به.. الأسود يا ‏سيدتي يختار سادته ‏‎«‎‏ وعندما سألها الصحفي : « ـــ هي دعوة للحب. قالت له : ـــ طبعا ٬ وكيف ‏ﺃرفض للحب دعوة ؟"‏‎[30]‎‏. هل الشاوية "ﺃخت الرجال" تعري خصرها مثل "ماريا كالاس"؟ : ".. ثم ‏ﺃطلت كبجعة سوداء داخل ثوب ﺃسود من الموسلين٬ لكأنها "ماريا كلاس" في ثوب ﺃو بيرالي ٬ ‏لا يزينه ٳلاﱠ جيدها العاري و شعر ﺃسود مرفوع..»‏‎[31]‎‏ و عليه نلفي تحول في الكتابة النسوية من ‏المضاد للمختلف ٬ لم تعد القضية اﻷساس العلاقة بالرجل بل بالعالم و الرجل جزءﹰا منه ٬ بالتأكيد ‏على قيم اﻷنوثة و انتقاد تراثها‎ ‎المجتمعي مشكلة نسقاﹰ ثقافيا نسوياﹰ جندريا. فهي تفهم الثراء و الفقر ‏في حالة الزواج على طريقتها التي هي جندرية شئنا أم أبينا ‏‎"‎إن الفقير ثري بدهشته ، أما الغني ‏فهو فقير لفرط اعتياده على ما يصنع دهشة الآخرين"‏‎[32]‎‏ كثير ما أُثيرت قضايا مثل هذه في ‏تراثنا الإسلامي منذ عهد الخلافة ، فعثمان ابن عفان كان رجلا غنيا تزوج من بنات الرسول رقية ‏وام كلثوم وهما على قد الحال ثم زاد على كليهما الجواري ولم تقولا له حتى أفٍ ، ما بالك أن تنزعا ‏ثياب سِترهما التي كانت تزينهنا لديه، ولعل خير من وصف هذا الموقف الذي وقعت فيه هالة ‏الوافي هو علي ابن أبي طالب في قوله : " يعز غني النفس إن قل ماله و يغنى غني المال وهو ‏ذليل" يمكن تأويل غنى النفس هنا بعذوبة النفس أيضا التي تقف ضد نُبل النفس، وكلاهما رهافة ‏النفس والغنى الفاحش يلعبان دورا سلبيا مخدرا.‏

‏ 2 ــ الــقـــصــة

تدور حول حكاية عشق وردية حالمة ٬ قصة حب مليونير لبناني ناهز الخمسين (طلال)٬ بدﺃ رحلته ‏مع عالم المال والبذخ من البرازيل ٬ تزوج وٲنجب ولدين ٬ ﺃعجبته مطربة جزائرية هي هالة الوافي ‏في ال27 من عمرها ٬ شاهدها صدفة في برنامج تلفزيوني٬ فجاهد للإثراء معرفة بالموسيقى والفن ‏والشعر٬ وٳلى وضع خطة للإيقاع بهذه الحسناء التي ترتدي الأسود "الموسلين" حداداً على مقتل ‏والدها المطرب (في حلب) وﺃخيها ثم أختها التي لم تكمل العشرين ٬ كانت معلمة حينها ٬ لكنها ‏عندمت تحولت ٳلى سوريا ثم بيروت مع ﺃمها السورية اﻷصل تركت التعليم وتحولت ٳلى مطربة ؛ ‏يرسم طلال خططا وميزانية للإيقاع بالصبية في حباله ٬ ﺃزهار و رسائل غرام و باقة التوليب ‏المكتوب عليها عبارة (الأسود يليق بكِ) ... ٳلاﱠ ﺃنها تكابر موظفة الشهرة التي بدأت في اكتسابها ‏مع العلم أن مداخيلها المادية بقيت متواضعة و وظفت ﺃنوثتها للحصول على ما تريد ٬ و عندما لا ‏تنجح تنفصل عنه مستبدلة اﻷسود باللاﱠزوردي ؛ متذرعة بغنائها الخيري للعراق في ميوﹸنيخ. تتخلى ‏عن الأسود (الدال: طلال / المدلول : عدم القدرة على وهب الفرحة) وتلتحق بالدبلوماسي حبيبها ‏الجديد ، كأن ارتدائها للأسود كان استراتيجية جندرية للتعامل مع الحب اﻷرستقراطي٬ وعندما فشلت ‏قررت ﺃن تعود ٳلى وضعها السابق ٬ وفي الارتداء و الخلع يكمن مضمون الرواية المضمر ـــ وليس ‏مضمون الحبكة، فحبكة الرواية أبعد ما تكون عن حبكة "ذاكرة الجسد" أولاﹰ في أن الحدث الرئيس ‏المؤدي إلى تلبيس طلال للأسود عوض هالة ؛ أي تحول الدلالة الرمزية من « الأسود يليق بكِ» ‏إلى «الأسود يليق بكَ» قد تشظى إلى مجموعة أحداث ، وثانياﹰ في جدية المضمون غير المطابق ‏للأخلاق العامة للقارئ العربي اليوم في عمومه ـــ و ما ساعد على تشفير البطلة هالة له هو غنائها ‏للعراق المتحرر حديثا من ربقة الاستبداد ٬ فإنما ﺃرادت ﺃن تقول ﺃنها عادت لحريتها و ٳلى مباهج ‏اللاﱠزوردي وﺃجواء الموسيقى و السيمفونيات المتناغمة مع اﻷلوان التي تلغي إحتمال ﺃن تكون الحياة ‏غلطة. قسّمت الكاتبة قصتها ٳلى ﺃربع حكايات في شكل ﺃربع حركات ﺃو نوتات : ‏
الحركة اﻷولى(ثلاث مقاطع) : الاعجاب هو التوأم الوسيم للحب.‏
هي سيمفونية الاعجاب والحب المتبادل بين العشيقين ٬ مع خاصية البذخ المفتعل من قبل الراوي ‏‏/الكاتبة كل ما تعلق اﻷمر بطلال ﻹيجاد نوع من المعادلة الفنية ، ٳذ ﺃن الفنان يرنوا للجمال والغنى ‏كذلك و لو بعيدا عن الاحساس به. الطموح إلى الغنى ذوق وهي تضع ذوقها في مقابل غنى ‏‏/اعجاب طلال هاشم.‏
‏ الحركة الثانية (ثلاث مقاطع) : من ﺃي نجوم ﺃتينا لنلتقي ثانية ، من تلك السيمفونيات الممتزجة ‏بالسرد واﻷلوان ، هي محاولات العاشق طلال ٳغراء هالة للإنصياع له.‏
الحركة الثالثة (ثلاث مقاطع) : الحب هو عدم حصول المرء فورا على ما يشتهيه ، إرهاصات ‏الخلاف بين هالة وطلال، قد يكون الحب شاق وصعب المنال.‏
الحركة الرابعة (ثلاث مقاطع) لم ﺃنلها مرة بكاملها كانت تشبه الحياة ؛ حدوث القطيعة النهائية بين ‏العاشقين طلال وهالة عندما شك في تصرفاتها عند الحديث من الدبلوماسي الجزائري الذي التقته ‏أكثر من مرة ، بدأ يغضب فأراد أن يحذرها بسطوة ماله ، يذلها ربما أو يذكّرها ، فأبت ذلك بعز ‏جندري وعنفوان ينم عن تشبعها بالرجال فكان الفراق الحتمي.‏

متأثرةً بالتقاليد السينمائية الغربية ٬ جاءت نهاية الرواية فنيا في شكل مقطوعة موسيقية مطولة ٬ ‏كأنّ الكاتبة بصدد سيناريو نص ليُمثل ويُسمع وليس ليُقرﺃ. ﺃما اﻷحداث و الخطاب ٬ ﺃدارت من ‏خلال الحوار و الزمن اﻹسترجاعي وهرم الزمن المقلوب (النهاية ــ التطور ــ البداية) عجلة اﻷحداث ‏التاريخية لتصب في صالح رؤيتها للعالم وخبرتها الشخصية : سوﱠغت من خلال العنف و السيطرة ‏الاجتماعية للإرهابي والسياسي و الذكوري لتنتقم من هؤلاء جميعا بأداة الحرية و ممارستها لحقوقها ‏على الطريقة الغربية ٬ كمثل هكذا ﺃنثى تنزع وترتدي لباسها والذي رمز ﻟ " لباس الجسد" متى تشاء ‏‏٬ عندما لا تليق بها ظروف الرجل الجزائرى واللبناني تنزعهما وترتدى لباس الحرية على طريقة ‏العولمة خطاباً وبنية جمالية ، ففي دلالة موسيقى الخاتمة خطاب: الحب موسيقى تستمع إلى ‏نبضاته تكرارا ومرارا٬ وفي دلالة الثراء خطاب ، مفاده ﺃن القارئ البيروتي والدبياني والظبياني ( نسبة ‏إلى دبي و أبو ظبي) على اﻷقل يباركون انتصار الفن و انتصار حق المرﺃة في العيش على ‏الطريقة الغربية ، وفي الخليج ﺃين يوجد اﻷثرياء على شاكلة اﻷمراء "الطلاليون" ممن شبقت ‏الجزائريات بهم ٬ ﺇنتقاما من البضاعة المحلية شكلاﹰ ومضموناﹰ. « ٳن تحول الجسد من قيمة ‏جنسية ٳلى قيمة ثقافية٬ ﺃدى ٳلى ظهور نموذج نسوي فريد ٬ هو بمثابة اﻹبداع النوعي في ‏جنس النساء وفي ثقافتهن »‏‎[33]‎‏

‏ يستدعي اختفاء الكاتبة وراء شخصية الراوي العليم في قوله : « اﻹنتقام لم يعد يعنيها ﻷنه يسمح ‏لمن نريد الثأر منه ﺃن نبقى ﺃشقياء »‏‎[34]‎‏ و وراء الساردة/البطلة عندما تصف طلال تصف شكله ‏قائلة :«.. شكله الخارجي ليس جميلا ﹰ» ‏‎[35]‎‏٬ دون أن تتواصل مع جمهورها بخطاب مباشر بسرد ‏الأنثى للمحظور بضمير( أنا) مثل فضيلة الفاروق ، يستدعي إلى الأذهان أسلوبا جندريا من نوع ‏آخر و هو أسلوب نسوي بامتياز « يمتنعن وهن راغبات » ولعلّ ما حققته لها روايتها الأولى من ‏سمعة عربية زادت خطابها سموقا وعفّة وكأنها هي عاشور رضوي الجزائرية . و لذات السبب ‏تواصلت مع الموسيقى كلما عزﱠ عليها ولوج المحظور سرديا ﺃو اﻹطالة فيه حين وصفها لمواعدهما ‏الحميمية ﺃسوةﹰ بالساردة سهى بسطانجي/ فضيلة الفاروق في "اكتشاف الشهوة" مثلا كقولها ‏بضمير هو « كبيانو أنيق منغلق على موسيقاه ، منغلق هو على سره ... هو لا يعرف للحب ‏خارج مذهب التطرف ... يضحك منه الحب كثيرا، ويرديه قتيلا ، مضرجا بأوهامه »‏‎[36]‎‏ ، قد ‏يكون في ملامستها للتابو دون إغراق إمّا تجربة فنية خاصة عن اقتناع أو أسلوب عارض ‏مخصص بالتحديد لرواية الأسود يليق بكِ فقط دون غيرها مع التحفظ كوني لم أقرأ رويتاها ‏عابر سرير و فوضى الحواس قراءة كاملة‎[37]‎‏ ، تكون درجت عليه الكاتبة مختفية ككتلة من مشاعر ‏أنثى ملتهبة وراء مقطوعات موسيقية جميلة ، و وراء فيلم سينمائي موسيقي حالم ، و وراء الراوي و ‏السارد عندما يكون هو البطلة ، التي تعرف جيدا عواقب تمرد الأنثى ، وهذا التأويل استشفناه من ‏تعابير شاعرية عدة منها قولها :"..حدائق بهندسات جميلة مُبالغ في الاعتناء ‏بتصاميمها"‏‎[38]‎‏ وهذا التعبير يُحيل إلى أن الاعتناء بجاملها بشكل مفرط في مجتمع شرقي تحوّل ‏إلى هاجس لا شعوري في نفسية البطلة/الكاتبة ٬ عن هذه اﻵلية تقول شهلا العجيلي :« فحين ‏تكون الراوية ٳمرﺃة يصير التلقي، حكماﹰ بمرجعيته النسوية ٬ ويبحث المتلقي عن الشفرات ‏النسوية المقاربة للتابو ، ﻷنه إعتاد ﺃن تكون الكتابة مقاربة للتابو اﻹجتماعي فصارت مع ‏التجربة والعادة كل كتابة نسوية توجساﹰ ومصدر ٳرتياب »‏‎[39]‎‏. لا مراء في أن التعاطي مع ‏موضوعة الجسد لولا تبلوره كفاعلية إشكالية ، و بوصفه النص المتعالي الذي يحوز على تشابك ‏الدلالات المضمرة والصريحة والنسقية ، و بوصفه نسقا جامعا لمقاربات تمس المضمر في التاريخ ‏والوجود واللغة والسسيولوجيا، لما تبلور خطاب الجندر أصلاﹰ مع مستغاتمي و غيرها كثير من ‏الروائيات العربيات والحقوقيات بخاصة في المجتمعات المحافظة : السعودية ، الكويت ، غزة ، ‏الشاوية بالجزائر،اليمن..‏

‏ 3 ــ جـمالية الســرد

يمكن اختزال جمالية رواية أحلام مستغانمي الرابعة هاته والمفارقة بعض الشيء لجماليات رواياتها ‏السابقة في صورة : شعرية اللغة والخطاب ، و تعدد أجناسي في نطاق أحادية الصوت ،‎ ‎الحوار ‏الخارجي، كسر بنية الزمن ، الفضاء والأمكنة المفتوحة و غلبة السرد الموضوعي : راوي عليم ينظر ‏من الخلف إلى شخصياته محيطا بهم لمّا يحيط الكاتب بحيثيات أدق .‏

‏ ‏‎.3‎‏1 ــ خصوصية لغة الأنثى الشعرية

ﺃولى الملاحظات حول خطاب ﺃحلام مستغانمي اللغوي نجده يعكس خصائص الرواية الجديدة ؛ ‏شعرية ولا شك متسقة في انسياباتها الاستعارية العذبة مع عذوبة مفردات الموسيقي كالنوتة ‏والسيمفونية والمقطوعة وغيرها ومع اﻷحلام الوردية و مشاعر الرهافة ، المقابلة كلها لمشاعر النسق ‏المسيطر/ الرجل في بنية الخطاب المضمر، ولمّا اتّخذتها منذ البداية شعرية غاية مدح الذات و ذم ‏الآخر الذكوري (هدف جندري) سقطت من الوهلة الأولى في فخها( الاصطناع أو الافتعال ) ؛ أي ‏في فخ أيديولوجيا النسق المزهو بذاته ، وكأننا بها و نتيجة لمعايشتها لشعور لأنوثة و فائض الرقة ‏دور في تخدير احساسها بواقع التصرف بالألفاظ والتعابير كما يجب ، فأصبحت لغتها الشعرية ولغة ‏المتصوفة سواء ، نتيجة ما هي واقعة فيه من لهف واشتياق ، و لوعة و الحقل الدلالي الدال على ‏ذلك هو قولها وهي في هيأة الراوي المشارك : الحب سلطان/ وسعادتهم القصوى/ و زايدوا ‏على الحب حبا ، فضاعت من أمامها المفردات المناسبة كما في قولها في الأهداء « التي تعيش ‏على الغبار الذهبي لسعادة غابرة.» لكن السعادة الغابرة أهي نتيجة هنا أم غاية؟ لعلّ ما يبين أنها ‏سعادة غاية هو ما سبق هذا التعبير من جمل مُحيلة إليه ( المزاج الغائب و رفض الرقص ) إذن ‏هناك ما هو أجمل شاعرية حينئذ من ذلكم التعبير ، و هو على الأقل في أي حال من الأحوال كل ‏نكرة إنما تتبعها نكرة في كلام العرب أي « التي تعيش على غبار ذهبي لسعادة غابرة.» و هنا ‏يبدو الروائي الجزائري بشير مفتي محق عندما ينتقد نصوصا جزائرية جديدة عديدة بقوله « غير ﺃنﱠ ‏اﻹشتغال على اللغة شيء و شعرية اللغة شيء آخر» فليست طاقة التعبير على ما يدور في وجدان ‏المرء طاقة متاحة للجميع ، بل هي طاقة متحولة بحسب نزعات النفس وتبدلها وهذا ما اختصّت به ‏هالة الوافي في حزنها الحبوبي المتقلب ‏chagrin d'amour‏. وضاعت كذلك في قولها: « كما ‏يأكل القط صغاره، وتأكل الثورة أبناءها، يأكل الحب عشاقه»‏‎[40]‎‏ والحق أن القطة تلتهم صغارها ، ‏و لفظة الالتهام ها هنا تحمل دلالة إيجابية حتى لا يعانون أمامها، كونهم غير مكتملي الخلقة ‏فتضحي القطة بهم من أجل شبارقها الآخرين ، كذلك تلتهم الثورة أبناءها ، المقصود النيران ‏الصديقة و الذين يذهبون ضحايا في جزئيات عابرة من المدنيين وغيرهم فيها. أما الحب فيجُب ‏عشاقه جبًّا عندما يحاول حفظ كرامة النفس البشرية وهو بصدد حفظ النوع ، النفس التي قالت عنها ‏الأديان ما قالت : " مَن قتل نفسا بغير نفس أَو فساد في الأَرض فكأنما قتل النَّاس جميعا و من ‏أَحياها فكأَنما أحيا النَاس جمِيعا"‏

بالنتيجة لمسنا انعكاس شعرية اللغة على الخطاب العام للرواية إثر الصدام النسقي : تعارض ثقافة ‏البطلة هالة، كونها مجرد معلمة سابقة مع سياق بيئتها، بيئة أمها الشاوية المحافظة ، رموز ‏المواجهة هو التضاد بين مباهج الشعر والموسيقى واللون الأسود ولعلّ اﻷطباق الزاهية من الموسيقى ‏المستعارة ٬ و إصرارها على تأنقها ﺃمام الجمهور برغم اﻷسود ٬ دليل تعلقها بمتع المرﺃة المدنية التي ‏لا تأتي إلاّ من خلال المبالغة في مشاعر الرقة و الرّهافة إلى درجة التثقف في الموضة نتيجة ذلكم ‏الحرمان. بالنتيجة إعلاء للذات اﻷنثوية ـــ كمرحلة نسوية ثالثة (اكتشاف الذات) التي ميزﱠت تاريخ ‏الكتابة النسوية العربية محاكاةً لنظيرتها الغربية‎ ‎ـــ ﺃمام الآخر وﺃي آخر؟ ٳنه الرﱠجل الذي جميع ‏الاٴديان تقول ﺃن الله ﺃكرمه بنصفه الثاني حواء .‏‎ ‎لكن في ﺃحداث انفصال هالة عن طلال نلفي و ‏كأنه العكس هو الصحيح ٬ بيد أن عبد الله الغذامي يرى ﺃنه لا هذا و لا ذاك : « هي إحالة إلى ‏الوهم الثقافي الذي يجعل اﻷنوثة مادة مصنوعة من ﺃجل اﻵخر ... حسب زعم الثقافة و لا يوجد ‏ذلك في أي نص ديني »‏‎[41]‎‏٬ طبيعي ﺃن الغني تعشقُه فطرة المرﺃة لا حواسها ٬ لكن البطلة " ‏تتجندر" على طلال : « ـــ تدري.. كثيرا ما ﺃتمنى ﺃن تفلس فينفض الجميع من حولك فلا يبقى ‏لك سواي»‏‎[42]‎‏. يرجع التحليل النفسي متمثلا في" جون لاكان ‏J. la cane‏" ذلك إلى الهاجس الذاتي ‏لدى المرﺃة المتأتي من مرحلة المِرآة فحسب نهال نهيدات : « وعي الذات بذاتها يتم من خلال ‏صيرورة تتصف بالصعوبة والتعقيد٬ فالذات ليست جوهراً معطى٬ ولكنها مايتكشفه الطفل و ‏يتعلمه من خلال التفاعل مع الاۤخرين٬ من خلال صراع مرحلة المراۤة ؛ التي يرى فيها الطفل ‏نفسه فعليا وإستعارياً ﻷول مرة كاۤخر»‏‎[43]‎‏.‏
‏ ٳسراف الكاتبة في توظيف اﻷسلوب الشعري و الذوبان في الرومانسية الحالمة و تناوب الاسترسال ‏السردي بين الراوي العليم والراوي المساعد/البطلة بغية الوصول ٳلى تشكيل لوحة فنية زاهية ٬ غير ‏ﺃن "استهلاكية" ما يكتبه القلم اﻷنثوي ٬ يكون هو الذوق الشافع في تبلور بنية خطاب مستغانمي ‏النسوي ٬ ٳذ النسوية من حيث هي تيار روائى ظل يوصف بأنه جديد في مرحلة طفت فيها قضايا ‏الهوية واﻹختلاف مقابل العولمة الثقافية ، قد كشف عن الرؤية الثقافية للنص و وعي صاحبته ٬ ‏كون ﺃن الكاتبة انتمت في مرحلة شبابها لسياق توصف المرﺃة فيه بالتخلف والمازوخية، ثم سياق ‏الاختناق و العنف في التسعينيات و الثمانينيات ، اختزنت في ذاكرتها صورة المرأة المتعة في يد ‏ذكر إرهابي عندما ترتدي لباس أوروبي و يد ذكر بوليس النظام عندما تلف شُبهة النقاب ‏حولها :« ٳنما ما يحدد الخصوصية النسوية السردية ليس لغته٬ وٳنما الرؤية التي تتحكم به ‏وتديره، فهي رؤية ذات خصوصية نسوية بجدارة ٬ ﺇذ تبدو الروائية حاملة لكاميرا تنقلها من ‏زاوية ﻷخرى طابعة ٳياها ببصماتها الرؤيوية »‏‎[44]‎‏. الوعي بالذات من الوعي بالجسد : الوعي ‏بالذات ليس شعور نفسي بالأنا منفصل عن الظاهر، بل ماهو في الحقيقة إلا بنية فوقية لبنية تحتية ‏هي الجسد ، كمادة ونشاط متبلور و كممارسة فعلية إن صح التعبير (لما كان الوعي مفهوم جدلي ‏في الفلسفات الحديثة في فلسفة هيجل المثالية الجدلية وفلسفة ماركس المادية الجدلية من بعده) من ‏يغذي الذاكرة و بالأحرى من يجعلها تأتي؟ إنها احساسات الجسد من سمع وشم و فرح وحزن.. ‏فالجسد المادي هو الذي يرسب التاريخ والثقافة في وعينا. لذلك لم تختار الكاتبة لبنان فضاءا ‏لروايتها وفضاءا لبلورة وعيها بذاتها أيضا اعتباطا ، بل نتيجة للحريات المتاحة في هذا البلد ، بلد ‏غادة السمان ومي زيادة وقوافل نسائية يوصفن في غير لبنان بالمروق والانحلال الأخلاقي.‏

لعلّ القارئ يلتمس كل ما تعلق اﻷمر باﻷدب النسوي ثنائية اللغة القاذعة (فضيلة الفاروق) و ‏الشعرية الأكثر حميمية (أحلام مستغانمي) ﻷنها بإزاء تقابلي مع نسق مركزية الذكر كتابة و ثقافة ‏‏٬ حتى وٳن كانت بعض خطاباتها الجديدة من الرؤية النسوية الخاصة بما لا يتصور٬ كرواية وطن ‏من زجاج لياسمينة صالح. فإن القارئ الذكر على العموم يستلذها بمتعة قرائية استهلاكية ٬ كأنها ‏لغة كشف جسد الثقافة عندما أصبحت الثقافة رهن المتعة ، و الدليل هو نفاذ طبعات الرواية التي ‏تكتبها الروائية الجريئة في الأسواق ، و كثرة الردود النقدية حولها في مواقع التواصل الاجتماعي ‏مقارنة بما يكتبه غيرها ، لأن الجسد يكشف عن البنية العميقة ، بنية المرجعيات ، البيئة ، الأثر، ‏وحتى الكشف عن القبحيات النسقية التي يتستر عليها الجمالي كما يقول الغذامي.‏

كتابات المرﺃة السردية ــــــــــــــــ> اللغة الشعرية ـــــــــــــــ> خطاب الجسد ـــــــــــــــ> سلطة التقاليد و مركزية الذكر

‏تمت إثارة ﺃمور مختلفة تخص ذات المطربة هالة ٬ ائتلاف هوية سردية نسوية تُستشف من خلال ‏ثقافة النسق النسوي المختلف حتى تبلور الصوت الأحادي (المنولوجية) من منطلق الرؤية النسوية. ‏ولو حدث العكس لتحولت أصوات: نجلاء ابنة خالة هالة و عز الدين و صوت الأم وصوت اندير ‏و هدى و غيرهم ، من النقيض إلى النقيض أي من أيديولوجيا النسق المقابل إلى التعدد و الحوارية، ‏النسق المسيطر الذي له ما للذكر وعليه ما على الذكر ، و لعلّ شعرية اللغة و حميميتها لا تتحقق ‏من خلال علاقة اللغة باللغة ٬ بل بغيرها من مفردات خصوصية حياة المرﺃة وجسدها ٬ « فاﻷنثى ‏تكتب (ٳدراك الجسد ، الجنس٬ التجربة‎ ‎،‎ ‎اللغة)‏‎ ‎وفق مقاييس التحرر من الصمت واﻹحتفاء ‏بالبعد الحميمي واﻹعتراف والبوح »‏‎[45]‎‏٬ و‎ ‎هو ما قاربته لغة ﺃحلام مستغانمي الشعرية الممزوجة ‏برهافة ﺃنثوية في الملبس ٬ و الموسيقى مقابلةﹰ لخطاب الذكر المركزي جماليا عكستها تعالي ‏شخصية هالة على "طلال" جندريا ٬ و على العادات و العرف الاجتماعيين لبلدها اﻷصلي معاﹰ ٬ ‏محفزة ﻷفق انتظارات قراءها :‏‎ ‎‏"غنج لغوي" و رقص بالكلمات و عطور و ورود .. ؛ بيد ﺃن في ‏انتقاء مفردات خاصة بالحميمية وباللهجة اللبنانية ما ينبغي الوقوف عنده مطولا ، لأن الأمر يحتاج ‏أولا لتجربة وثانيا لمعرفة كاملة بلهجة البلد حتى لا نسقط في الأسلبة سردية ٬ بين ثنايا الشاهد ‏التالي مفردات غير منتقاة بدقة ٬ افتعلت الساردة لهجة ليس لها وجود في الواقع ، تذكرنا بلغة ‏السنيما الجزائرية عندما أرادت أن تقرب اللهجة الجزائرية الصعبة للعرب فسقطت في فخ اصطناع ‏لهجة أو لغة لا وجود لها :« ـــ مَنّي مرتاحة لسفرك لَمصر و لأجوائها* الفنية.. ولا بدّي مصاري ‏من حفلاتك..‏
ـــ كرامتنا مصونة* يا إمّي .. و أنا ما أكسب* كثير من هاي الحفلات .. حتى هاذ* الحفل ‏حفل خيري لَنجمّع* مبلغ لانشاء* قسم طبي للأطفال المرضى بالسرطان.»‏‎[46]‎
في المفردات المؤشرة في الشاهد يقول اللبنانيون بدلها على التوالي: لِحْوالتهُن الفنية ــ إحنا بكرامتنا ــ ‏أحَصّل ــ هاي ــ لَلنُّط ــ نِبني بيه.‏
‏ ولعلّ توظيف اللغة اﻷجنبية كان محتشماﹰ بيد ﺃن الكاتبة ﺃطلقت العنان بدله غير ما مرة للسان ‏الدارج ذو النكهة الجزائرية أيضا شأنها شأن ﺃغلب‎ ‎الروايات الجديدة : « و هاذي واش ‏راهي؟ ـــ هاذي تقول واحد دعا عليها دعوة الشر! يرحم باباك..»‏‎[47]‎‏.‏

‏2.3 ــ الارتكاز على التفاصيل كالتجنيس و السرد المباشر والتناص..‏

وعن الأداة الجمالية فمن ﺃنماط السرد حسب تزيفتان تودوروف « الحكي الذي يقوله السارد من ‏ﺃحداث و‎ ‎معلومات و العرض :‏‎ ‎ما تقوله الشخصيات »‏‎[48]‎‏ و مستغانمي مزجت بين النمطين ٬ ‏لذلك قد يعتري القارئ الشك في تغير بنية خطابها السردي مقارنة بسياقها النصوصي السابق ٬ لكن ‏التجريب ليس بيسير على كاتب من الجيل السابق لجيل الرواية الجديدة تجاهله ٬ خاصة بعد ما ‏حققته هذه اﻷخيرة من تميز على المستويين الجمالي و الخطابي. محاكية لنظيراتها من الروائيات ‏الجزائريات كفضيلة الفاروق و العربيات ، كالروائية الكويتية المثيرة للجدل ليلى العثمان والسعودية ‏رجاء بنت الله الصانع وسلوى النعيمي وليلى بعلبكي وليلى سليماني ٬ بخاصة تجسيد هواجس الذات ‏و اسقاطها على السلطوي و المقدس.‏

ﺃما التلاعب بالسرد فتمثل في انسحاب تعدد اﻷصوات لصالح تعدد ﺃلوان الموسيقى في قالب ‏إستعاري ، منسجم مع ما تطرحه العولمة من اكتساح الفنون وٳحلالها مكان اﻷفكار اﻹديولوجية كل ‏ذلك مقابلة للهوية في سياقها الداخلي. و ثقافة اﻹستمتاع " الصغير" بالحب والجسد كما دعته ٬ ‏وهي ثقافة نسائية راهنة في ظل التطور الرقمي الحاصل في أيامنا «..تفضّل اﻷلم الكبير على ‏المتع الصغيرة ..»‏‎[49]‎
‏ ﺃما تقريرية السرد المباشر٬ من منطلق ﺃن المؤلفة صحفية سابقة ٬ جاء الراوي المساعد/ البطلة ‏ليحد من حين لآخر من تدخل الراوي العليم المحيط بالشخصيات باحكامه التقريرية مثل قوله : ‏‏« في الثمانينيات قصد والدها حلب لدراسة الموسيقى٬ فعاد منها بعد سنتين٬ كأنه تخرج من ‏مدرسة الحياة »‏‎[50]‎‏ و لعل ذلك أحد تجليات السردية الجديدة : « تبدو اللغة ﺃو لى مستلزمات ‏هذه الهوية السردية التى تستخدم ضمير المخاطب، الذي تتراجع فيه اﻷنا الفردانية الطاغية ‏في حضورها المصاحب للخاصية الشعرية والوظيفة اﻹنفعالية التعبيرية للكلام٬ لتحل محلها ﺃنا ‏ﺃخرى مثقلة بوعيها التاريخي»‏‎[51]‎‏.‏

‏ والحقيقة أن الشعرية في السرود غير الكلاسيكية ليست حكرا على اللغة طالما أن في تظافر جميع ‏العناصر الروائية تبلور بنيوي لجماليات منقطعة النظير، والتركيب الذي يعتصر دلالة الخطاب يقوم ‏أساسا على التجزيئ والتقسيم، أولوية التفاصيل الدقيقة في العمل الروائي هو ﺃسلوب الرواية العالمية ‏الراهنة كما يذكر الناقد بلقاسم مسروق :« لكل كاتب رﺃس مال خاص : هناك من يشتغل على ‏شعرية السرد وهناك من يشتغل على الموضوع وهناك من يشتغل على التفاصيل الدقيقة»‏‎[52]‎‏. ‏غير أن شعرية مستغانمي المنفجرة بحق في "الأسود يليق بكِ" بطاقة ذخيرتها سنوات من التأمل ‏وحشد الرؤى بعد الصيت الهائل الذي لحق روايتها الأولى ، لهوية نسوية لا يمكن المرور من أمامها ‏مرور الكرام في الرواية الجزائرية المعاصرة. لكن فيما عدا ذلك تشترك مع الكثير من صنواتها اللائي ‏يعطين الأهمية بالضرورة لرأس مال واحد : إما شعرية السرد ٬ إما لمضمون الخطاب وإما للتفاصيل ‏الدقيقة ٬ هذا ما يعطي الملاحظ رؤية تشابه سياق جمالية السرد في الرواية الجديدة ؛ نصوص ‏تحتفي بالتقرير الصحفي المباشر و برؤية الراوي العليم المحيط بالشخصية نفسيا احاطة تجعله و ‏كأنه يريد استنطاق الفكرة استنطاقا من شخصياته ـــ و هو أسلوب غير محبب و يسميه روبرت ‏همفرت في نظريته الشهيرة المسماة تيار الوعي ، تقديم المحتوى النفسي للشخصية ولو باستخدام ‏المجاز ـــ كما يعطيه الرؤية لاصطفاء البعض الآخر، كالنص الذي بين أيدينا : « لن يعترف حتى ‏لنفسه بأنه خسرها٬ سيدعي ﺃنها من خسرته ٬ وﺃنه من ﺃراد لهما فراقاﹰ قاطعا كضربة سيف ٬ ‏فهو يفضّل على حضورها العابر غياباﹰ طويلا ٬ وعلى المتع الصغيرة ﺃلما كبيرا ٬ وعلى اﻹنقطاع ‏المتكرر قطيعة حاسمة"‏‎[53]‎‏. من منطلق عدة معطيات أقواها وعي التجريب منذ أكثر من ثلاثين ‏سنة كتابة ليست بالتجربة الهينة ، و غنى حياة الكاتبة الخارجية بالتجارب أيضا.‏

في البنية الجمالية للنص ﺃمكن رصد اﻹيقاع الزمني بيُسر حيث نجد الكاتبة في معرض سياق ‏اﻷحداث التاريخية التى مرت بها الجزائر ٬ تعمد ٳلى تكسير بنية الزمن بتقنية متراوحة بين الوقفة و ‏الخلاصة٬ ليسمح لها ذلك التمادي في اﻹنتقال من الوصف إلى السرد و العكس ؛ كوصف حدث ‏موت ﺃبيها وفتاوي اﻹسلاميين‎[54]‎‏٬ ثم قصة هجرتها فيما يشبه السيرة الذاتية في صفحات معدودة ٬ ‏لتنتقل للحيز اﻷكبر (عالم الموسيقى) بتوظف تقنية المشهد ‏‎ (la scène)‎‏ مع المناجاة (المنولوج) ‏تحت اﻹيقاع اﻷركسترالي الهادئ و اﻹيقاع الحر المنساب للموسقى المتسارعة الممتزجة مع ﺃحداث ‏الشجار (ديالوج) في المكان المجاور ٬ ناهيك عن التحاور المشهدي اللطيف المزدان بكياسة لفظية ‏من الجانبين ، لأن طلال يسعى بأن يكون حديثه شاعري مثل حديث حبيبته. وفي تلكم النبرة ‏الحوارية الشعرية و الموسيقية الأركسترالية و الفنية الوردية تقاطعات أجناسية دور في استكناه معان ‏بعينها ، فتعطيل السرد شكل يفسح لمضمون مفاده استهداف "طلال" دون غيره من الرجال ، هذه ‏القدرة على توليد المعاني نسج من طبيعة خيال المؤلف (بنية الخطاب) كما يظهر من خلال ‏الحديث الهاتفي : « ـــ اۤلوا٬ ردﱠ صوت رجل على الطرف الا᷃خر : ـــ ﺃهلاﹰ.‏
ساد بينهما للحظات صمت البدايات٬ قال فاتحاﹰ باب الكلام : ـــ سعيد بالحديث ٳليك.‏
وجد نفسه يستعجل : ـــ كنت ﺃستعجل هذه اللحظة .‏
ردﱠت بنبرة لا تخلوا من الدعابة في ٳشارة ٳلى بطاقته السابقة: ـــ ظننتك تملك كل الوقت»‏‎[55]‎‏.‏
ﺃو يظهر في عزف طلال في شكل إيقاعات سريعة وبطيئة ٬ متماهيًا معها جسد هالة راقصةً ٬ ﺃو ‏في إيقاع العزف اﻷركسترالي البطيئ في خاتمة الرواية ٬ التي كسّرت بهما خطية الزمن ٬ و‎ ‎جعلت ‏زمن اﻷحداث ينحصر في الحاضر.‏

‏ لعل السؤال الذي يطرح نفسه ٬ بعد عشرين سنة عن نصها المشهور٬ هل امتلكت مستغانمي بهذه ‏الجمالية السردية قارئ " ذاكرة الجسد"؟ ٬ الجواب لا. الدليل واضح ، على ضعف الحبكة لم تستثمر ‏في التفاصيل الجمالية للسرد تبعها بما فيه الكفاية ، التّقطّعات السردية التي ﺃحدثها محاكاة الإفصاح ‏و اليوح لألوان الموسيقى في انسيابه مثلاﹰ خلخل ذهن القارئ و شتته بخاصة إذا اقترن بالتناقض في ‏ﺃقوال الراوي حولها ٬ اﻷمر نفسه مع الفراغات السردية٬ ما ﺃحاط نوع من الشبهة في السلوك ‏اﻷخلاقي لعائلة هالة الوافي و هي بعد في التدريس : لماذا تغاظت الكاتبة عن ذكر الأسباب ‏الحقيقية لإغتيال والدها في حلب بسوريا هل فقط لأنه مغني؟ كذلك جدها على يد النظام السوري ‏بمذابح حماه في 1982 ؟ ثم كيف يعطي المثقف (مدرس ﺃو روائي ﺃو مطرب) الحجة للاۤخر في ‏سياق الهوية الداخلي (المتطرفين واﻹرهابيين)؟ كون بقاء بيت العائلي"الشاوي" بدون بعل : لا اﻷم ‏اختارت لها بعلاﹰ٬ و لا‎ ‎هي البنت المعلمة فعلت ٬ لا شك ﺃن للبطلة ﺃقارب شاويون ٬ رمت بعرضهم ‏عرض الحائط مستسلمة ﻷهوائها ٬‏‎ ‎ٳننا لن نتوقع بعد ذلك ٳلاﱠ المعاملة السيئة من لدن المجتمع لهذا ‏السلوك. وما بالك بمعاملة اﻹرهابيين ٬ كان على العائلة اختيار البعل ثم مواجهة اﻹرهابيين ٬ ‏و اﻹنتقام ٬ ﺃما التوجه ٳلى الغناء في مثل هكذا حالة ٬ فإنها تعد مواجهة المرﺃة للتقاليد المعتدلة ‏وتمردًا على البنية اﻹجتماعية - الثقافية ٬ غايتها الفن الغربي الذي يسمح للمرﺃة بأن تمارس حريتها ‏في بيروت و في ﺃفخم الفنادق اﻷروبية ٬ ولهذا التأويل علاقة باﻹنبهار بنسق ثقافي عولمي ٬ ‏ومحاكاته فيه و لا علاقة للإرهاب ومقتل والد البطلة بذلك ـــ اﻷسود مجرد تمويه ذرائعي نسائي عن ‏فقد المحبوب chagrin d’amour‏ " فهي بالعكس تعيش حالة فرح داخلي يفسره ميلها للاٴثرياء "‏‎[56]‎‏ وعن ‏الحرمان الطويل ـــ فسلوك البطلة المتناغم مع تقاطيع الجسد الذي ستبدﺃه ببيروت ٬ كان قد اتضح ‏في تحويم الشكوك حولها قبلاﹰ٬ دون ﺃن تحرك ساكنا ٬ ولعلّ في هذا السلوك ما يوحي ﺃن الصدام ‏الحضاري الثقافي بين اﻷنا (سياق الهوية الداخلية) و الآخر (العولمة الثقافية المتفشية في ‏الأنا‎ ‎إعلاميا) الذي تحدث عنه هنجنكتون ﺃصبح واقعًا معاش.‏

‏ كما قرأنا الحضور الطاغي للسارد الكلي المعرفة (الرؤية من الخلف) و الذي يتدخل في ﺃعماق ‏الشخصية و يقرﺃ تطلعاتهم النفسية ، ما ﺃضعف البناء الفني لهاو عدم انسجامها مع الخطاب العام ‏للرواية (تفكيك أدوار الشخصية)٬ فهو يعلم وعلم من ﺃن البطلة تشارك البطل كأسه و ﺃنها تريد ﺃكثر ‏من ذلك!! ٬ البطل طلال النسواني العلاقات قد قرر ﺃخيرا اﻹلتفات لعمله فقط. ما ضرّ الكاتبة لو ‏تركت كل تلك اﻷخبار التقريرية تنثال من ﺃفواه الشخصيات نفسها ٬ و بتسلسل منطقي . لعلﱠ ‏ماكشف عن موطن الزلل هذا هو التناقض في موقف السارد من البطل و البطلة ٬ كلما تقدم السرد ‏في اتجاه الانفصال بينهما ؛ كأنها تريد كرها إيجاد حجة القطيعة و لو ﺃحدث ذلك تناقضا مع ﺃقوالها ‏السابقة ٬ ٳنه نمط سردي موضوعي ٬ تمثيلا ﺃو حكيا من لدن الراوي من الخلف كلما تعلق اﻷمر ‏بالبطلة : شاوية و كرامة البطلة ، و بطل يملك " الدانوب اﻷزرق"‏‎[57]‎‏ لكنه لا يملك إحساس هالة ‏الوافي به!‏‎ ‎ﺃبان عن ٳرادة الكاتبة في توجيه اﻷحداث و التحكم في مصائر الشخصيات. ونلمحه ‏أيضا في تعبير الشخصية الغير عالمة اللغوي و الفكري المعبر عن مستوى لغة و خطاب الكاتب ‏الثقافي. "طلال" في هذا الشاهد مثلاﹰ يتحدث بلغة تفوق مستواه الثقافي‎ ‎، فهذا الرجل الذي لم يطأ ‏أبواب الجامعة يتمتع بذوق رفيع ؛ يسمع لستراوش ويمارس طقوس النبلاء في تنقلاته،« ـــ السعادة ‏ليست في ما تملك.. لكن الشقاء في ما لا تملك . غالبا ليس بإمكان ما تملكه ﺃن يصنع ‏سعادتك ٬ بينما ﺃن ما تفتفده هو الذي يصنع تعاستك»‏‎[58]‎‏ ناهيك عن اﻷسلبة السردية التي لم ‏تتفاداها مستغانمي شأنها شأن عامة نصوص الرواية الجزائرية الجديدة.‏
و حضور الحيز المكاني في نص اﻷسود يليق بكِ بما يعكس و ظيفة البطلين ٬ من نجومية و شهرة ‏‏.. مراقص و موتيلات فخمة في فيينا وباريس ؛ رمز الحرية الجنسية عند الذين ﺃلفوها من النجوم ‏الغربيين ٬ و ما بالك بمغنية قادمة من الجزائر ﻷول مرة‎ ‎؛ من (مروانة الى قسنطينة فالعاصمة)‏‎ ‎ٳلى ‏الشام سوريا و لبنان مرورا بالقاهرة و باريس ٬ ٳنها اﻷماكن نفسها التي يرتادها الصحفيون و ‏المطربون و رجال اﻷعمال وحتى الروائيون المشهورون٬ غير ﺃن لباريس لدى الكاتبة ضمن سياق ‏نصوصها السابقة دلالة خاصة ٬ فباريس قد عجت بالوطنيين و الفنانين الذين اۤلمهم واقع بلدهم ‏المتحدر لهاوية الاستعمار و هاوية فتنة التسعينيات من دونهم (ذاكرة الجسد) ٬ ﺃما اليوم ما يشغل ‏الكاتبة ﺃكثر هو ليس ماۤسي الوطن ٬ بقدر ما هو الترويح عن النفس ٬ وٳفساح المجال للتغيير على ‏مستوى الخطاب نحو اﻹستمتاع بالنجومية ، فاختارت لذلك باريس وفيينا اللتان تعدان رمزا ومعقلاﹰ ‏للنجوم الذين يلتقون ظاهرياﹰ ﻹتمام ﺃعمالهم الفنية ، لكن لا مجال ﺃبدا للهروب من المتع الصغيرة ‏حسب تعبير الراوي ـــ تمثل المتعة على طريقة المثقفين الغربيين ، خاصة فيّينا المعروفة تاريخيا ‏بأن الحريات الفردية فيها تفوق الخيال ـــ لا مناص من القول ﺃن كل اﻷمكنة و الوظائف ‏المذكورة في‎ ‎‏ نص " اﻷسود يليق بك" هي جزء من حياة الكاتبة الخاصة حتى بغداد لأنها كانت ‏ومازالت تحت أعين الأمريكان٬ فالحفلات وأستوديوهات القنوات اﻹعلامية كثيرا ما تلعب دور في ‏صقل حياة المثقف كاتبا ﺃو فنانا حتى قبل النجومية و تجعل هواجسه منصبة في تكييف هويته ‏لتنسجم مع ثقافة الاۤخر قلبا و قالباﹰ.‏

‏ الخلاصة

ﺃصبح بمجرﱠد رؤية اسم المبدع‎ ‎اﻷنثى على غلاف الرواية ٬ حتى تتحدد في ذهن القارئ تيمته ‏الرئيسية٬‏‎ ‎ٳنها الكتابة النسوية التي اكتسبت هوية ثقافية ٬ لها ما يقابلها في سياق الهوية الداخلية لغة ‏و خطابا ، ناهيك عن استفزازها المستهلك القارئ وٳغراقه في "هبال الجسد " على حد تعبير واسينى ‏اﻷعرج . في جميع اﻷحوال ٳنه نص لغة الجسد خصوصية ثقافية نسوية ٬ حتى وٳن تعلق اﻷمر ‏بالدفاع عن حقوق النساء‎ ‎‏(كما في روايات فضيلة الفاروق) دون الحديث عن الولوج الراقي ٳلى ‏حلقة اﻹبداع من عدمه ٬ ﻷن المتلقي اليوم ﺃصبح متعلقاﹰ ﺒ « مرجعية الجسد ، وهو نقطة مشتركة ‏مع المبدع مايجعله يتورط معرفيا في النص »‏‎[59]‎‏. ﻷن المخيال السوسيو- ثقافي ﺃعلى من القيم ‏الجمالية لجسد المرﺃة وفك شفرته المضمرة هو من المتعة بما كان ـــ فمثلاﹰ في العنوان نلمس ‏شفرة ٳزدواج المعنى لا تنكشف ٳلاﱠ بعد الانتهاء من قراءة الرواية : بحيث بتغيير الكسرة ٳلى فتحة ‏يصبح اﻷسود يليق بكﹶ : كل النساء اللائى تخلى طلال عنهن لابد ﺃن يلبسن اﻷسود له ؛ اﻷسود ‏ﺃصبح أليق بذالكم الثري ﺃما البطلة حري بها اللاﱠزوردي ـــ « ٳنه الجندر المتمركز حول الذات ‏ورفض السلطة الذكورية والبحث عن الحرية »‏‎[60]‎‏ و الذي له طقوسه وايحاءاته البيتية المستحبة٬ ‏ﺃصبح التحدي مكوناﹰ من مكونات الهوية الثقافية في الكتابة النسوية ٬ تحدي الرجل الذكر من خلال ‏تيمة التحرر من عقدة التابوهات ٬ سياسية كانت ﺃو جنسية ﺃوحتى دينية ، بدﺃ بتمثل الروائيات ‏الجزائريات الفرانكفونيات المقيمات بالمهجر كجميلة حبيب "حياتي ضد القرآن"٬ مليكة مقدم "المتمردة" ‏و مايسة باي و غيرهن لقيم اﻵخر اﻷخلاقية و الثقافية و معايشتها محليا.‏

ﺇنﱠ مقابلة مركزية رؤية الذكر للمرأة ولجمال الجسد في نص اﻷسود يليق بكِ ــ كغيرها من الروايات ‏النسوية الجزائرية الجديدة ــ باعتناق ثقافة الاۤخر و تجاوز قضية شرف وكرامة المرﺃة /اﻷسرة في ‏البنية اﻹجتماعية-الثقافية المحافظة هو في الوقت ذاته تجاوز للهوية الدينية ٬ في محاكاة اﻵخر ‏في متعه دون سواها ٬ تحت ذريعة تحرير المرﺃة من قهر واضطهاد المجتمعات المحافظة ٬ فهي ‏تستعمله هوية ثقافية وشفرة تتحدي به الكتابة الذكورية ٬ و مضمر تنتقد به البنية الثقافية خاصة ‏التقاليد الدينية التي هي بمعزل بالضرورة عن كل خطاب و جندر نسوي : «..عجب ٬ و هو يراها ‏ترتجل تلك الكلمة ٬ ﺃن يكون اﻹرهابيون قد منعوها من الغناء ٬ كأن عليهم إصدار فتوة تحرم ‏عليها الكلام..»‏‎[61]‎‏. استعمال مفردة‎ ‎‏"الكلام" بدل لفظة الغناء يحيل ٳلى المؤلفة أحلام مستغانمي ‏نفسها (الكلام = النضال بالقلم ) فهي اﻷخرى تلقت تهديد بالقتل منتصف التسعينات من قبل ‏اﻹرهابيين‎ ‎‏٬ لتتحول ٳلى بيروت و تستمر بمقابلة الاۤخر ( الذكر اﻷصولي ) كتابةﹰ ومقابلة سياق ‏اﻷنا تمرداﹰ على قيم الكبت و الاضطهاد ،‎ ‎تلك البيئة التي تعتبر كتابة المرﺃة للرواية فقط تمرد ‏و‎ ‎خروج عن أخلاق السياق المحافظ ، و ما بالك في ﺃن تنضوي تحت نسق المغنية التي تغني ‏باللازوردي في بيروت وﺃوروبا النسق الخليق بالمجون والانحلال. أما بخصوص المطابقة السردية ‏بين البطلة و المؤلفة ؛ يعتبر ذلك خروجاً عن النظرية السردية حسب جيرار جينيت : « يشكل ‏اﻹصرار على التطابق بين المؤلفين خروجاً عن النظرية السردية التي يستبعد مجالها المؤلف ‏الحقيقي٬ ولكنه يتضمن المؤلف المفترض »‏‎[62]‎‏ لكن الكاتبة كما رﺃينا قد حكت بتقريرية في ما ‏يشبه سيرة ذاتية تكتبها صحفية‎ ‎؛ ﺃحادية الطرح اﻹيديولوجي برغم تعدد الشخوص ٬ لكن في ‏علاقاتهم (الشخوص) بالراوي الكلي المعرفة ما يوحي بوجود نية المطابقة بينها (الكاتبة) و بين ‏بطلتها.‏
‏ ‏


________________________________________
‎[1]‎‏ ـ الصفات المتعلقة والمميزة ما بين الذكورة‎ ‎والأنوثة‎. ‎اعتمادًا على السياق يمكن أن تشمل هذه الصفات ‏الإنسان تشريحيا ذكر أو أنثى ، وتشمل البنى الاجتماعية المعتمدة على الجنس (بما فيها من أدوار جندرية ‏وأدوار اجتماعية أخرى) ، أو الهوية الجندرية ، ظهر مفهوم الجندر في ثمانينيات القرن العشرين‎ ‎كمصطلح ‏بارز استخدم في قاموس الحركات النسوية ، حيث ظهر في أميركا الشمالية‎ ‎ومن ثم أوروبا الغربية‎ ‎عام ‏‏1988. ينظر الموقع:‏
https://ar.wikipedia.org/wiki‏/‏
‎[2]‎‏ ـ طه عبد الرحمن : روح الحداثة ، المركز الثقافي العربي ، ط1 ، الدار البيضاء 2006، ص100.‏
‎[3]‎‏ ـ يسري إبراهيم : فلسفة الأخلاق لفريديريك نتشة ٬ منشورات اﻹختلاف٬ ط1 ٬ الجزائر 2005 ٬ ‏ص267.‏
‎[4]‎‏ ـ جورج طرابيشي: من النهضة إلى الردة تمزقات الثقافة العربية في عصر العولمة ، دار الساقي، ط1 ، ‏بيروت، 2000 ، ص165-166.‏
‎[5]‎‏ ـ بشير بويجرة ، أزمة الهوية أم عبث الراهن في رأس المحنة ٬ مقاربة حول تعالق راهنية الهوية٬ ملتقى ‏رواية الراهن و راهنية الرواية بجامعة سطيف 2 ٬‏‎ ‎‏1/2/3 ماي 2006. د ص.‏
‎[6]‎‏ ـ السلطة الأبوية (البطريركية ‏order patriarchal‏ ): هي رعاية أو وِصاية دينية على الفرد تقف ضد ‏فكره الحر والمستقل. ‏
‎[7]‎‏ ـ آرثر ايزابرجر: النقد الثقافي، تر وفاء إبراهيم ٬ المجلس الأعلى للثقافة ٬ ط1 ، القاهرة 2003 ، ‏ص30.‏
‎[8]‎‏ ـ عبد الله الغذامي : النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية ٬ م ث ع ، بيروت 2000 ، ص67. ‏
‎[9]‎‏ ـ المرجع نفسه ٬ ص67.‏
‎[10]‎‏ ـ عمر عيلان : في مناهج تحليل الخطاب السردي، اتحاد الكتاب العرب ، دمشق 2008 ، ص 29.‏
‎[11]‎‏ ـ عبد الواسع الحميري : ما الخطاب وكيف نحلله؟ ، مؤسسة مجد ، بيروت 2009 ، ص28.‏
‎[12]‎‏ ـ عبد الواسع الحميري : الخطاب والنص ( المفهوم العلاقة السلطة) ، مجد للدراسات ، بيروت 2008 ‏، ص99.‏
‎[13] ‎‏ ـ شهلا العجيلي : الخصوصية الثقافية في الرواية العربية ، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة 2011 ، ‏ص66.‏
‎[14]‎‏ ـ أحلام مستغانمي: روائية جزائرية من مواليد تونس عام ‏‎1953‎‏. لها "ذاكرة الجسد" 1993 وعابر سرير ‏‏2003 وفوضى الحواس 1997 ، الأسود يليق بك 2012. حاصلة على جائزة نجيب محفوظ عام 1998. ‏ملخص الرواية 238ص : حياة و قصة فتاة جزائرية في الثمانينيات من القرن الماضي ، ساردة ما كان ‏يتهددها في ظل توسع حلقات واشكال الإرهاب في بلادها ويكون سلاح هذه الفتاة /هالة ، في مواجهة تلك ‏الأهوال الذكر الغني طلال بكل وعيها الجندري : الموسيقى والغناء ، المظهر النسائي ، التأنق والرهافة وعذوبة ‏الكلام.. ينظر المزيد أعلاه 2/القصة. ‏
‎[15]‎‏ ـ نزيهة الخليفي: رمزية اﻹشتهاء...أسطورة الجسد ٬ اقتباس من منشور مؤرخ 8/4/2010 ، دص، ‏الموقع: ‏diwanalarab ‎
‎[16]‎‏ ـ سيليني نور الدين : تيمة الجنس في الخطاب الروائي واسيني الأعرج بين الوعي القائم والممكن ‏والزائف سيدة المقام نموذجا ، مجلة حوليات اﻵداب‎ ‎واللغات ، جامعة المسيلة ، عدد2 ، ديسمبر 2013 ، ‏ص397.‏
‎[17]‎‏ ـ أحلام مستغانمي : الأسود يليق بك ، ص13-14.‏
‎[18]‎‏ ـ المصدر نفسه ، ص15.‏
‎[19]‎‏ ـ المصدر نفسه ، ص12.‏
‎[20]‎‏ ـ بوعلي‎ ‎‏ ياسين : الثالوث المحرم دراسات في الدين و‎ ‎الجنس والصراع الطبقي ، دار الطليعة للنشر٬ ‏ط2 ٬ بيروت‎ ‎‏٬‏‎ ‎‏1978‏‎ .‎
‏[21] ـ إبراهيم الحيدري : النظام الأبوي واشكالية الجنس عند العرب، دار الساقي، طبعة الكترونية، بيروت ‏‏2011 ، من مقدمة الكتاب.‏
‎[22]‎‏ ـ عبد الوهاب بوشليحة : ٳشكالية الدين والسياسة والجنس في الرواية المغاربية ، رسالة دكتوراه ، جامعة ‏عنابة 2004 ٬‏‎ ‎ص213.‏
‎[23]‎‏ ـ صالح مفقودة : المرأة في الرواية الجزائرية ٬ منشورات جامعة قسنطينة‎ ‎، ط1 ،‎ ‎قسنطينة‎ ‎‏٬ 2003 ‏‏٬ ص61.‏
‏[24]‏‎ ‎ـ المصدر نفسه ، ص16.‏
‎[25]‎‏ ـ ميجان رويلي وسعد الباعزي : دليل الناقد اﻷدبي، مركز ثقافي العربي، ط3، بيروت 2000 ‏، ص151.‏
‎[26]‎‏ ـ ميشيل فوكو : تاريخ الجنسانية 1 إرادة العرفان، ترجمة محمد هشام ، افريقيا الشرق، دط ، الدار ‏البيضاء 2004، ص12.‏
‎[27]‎‏ ـ أحلام ستغانمي : الأسود يليق بك ، ص14.‏
‎[28]‎‏ ـ شهلا العجيلي : الخصوصية الثقافية في الرواية العربية ٬ ص111. ‏
‎[29]‎‏ ـ أحلام مستغانمي : الأسود يليق بك ، ص270.‏
‏[30] ـ المصدر نفسه ٬ ص17.‏
‏[31] ـ المصدر نفسه ٬ ص107.‏
‎[32]‎‏ ـ المصدر نفسه ، ص84.‏
‏[33] ـ شهلا العجيلي : الخصوصية الثقافية في الرواية العربية ٬ ص168. نقلا عن عبد الله الغذامي٬ المراٴة ‏واللغة ٬ ص98.‏
‎[34]‎‏ ـ ﺃحلام مستغانمي: الأسود يليق بك ٬ ص 105.‏
‎[35]‎‏ ـ المصدر نفسه ٬ ص 107‏‎ .‎
‎[36]‎‏ ـ أحلام مستغانمي : الأسود يليق بك ، ص11-12.‏
‎[37]‎‏ ـ الأرجح أن كتابة الجسد بالنسبة لمستغانمي لها معه تجارب عن خيار جندري يختلف عما هو عليه ‏عند فضيلة الفاروق، أي أن لها أسلوبها الخاص في أكثر من رواية ترويه بضمير الغائب بعفة وكبرياء بميزة ‏خطاب جندر و كنجمة تؤثث لأنوثتها كي تضعها بضاعة للمزاد بين الرجال وأي الرجال؟ أنهم الرجال ‏الأثرياء كطلال أوالنجوم الثوريون كخالد في ذاكرة الجسد ، ففي روايتها هاته ناقشت أحلام مستغانمي الموضوع ‏نفسه على لسان حياة ، بطلة الرواية ، التي تجسد شخصية كاتبة ، قدمت روايتها الأولى هدية إلى حبيبها ، ‏لكنه لم يهتم بالرواية نفسها، بقدر ما شغله الرجل الذي كتبت عنه بطلة القصة ، وسألها عن هذا الرجل ومن ‏يكون. فأجابت : " أتغار من رجل من ورق؟ فقال لها:" وهل تريدين أن أعتقد أنه رجل خيالي؟ "، فتجيب حياة: ‏‏"هناك فرق بين الأدب ومن نكتب عنهم" والمطابقة ها هنا بين حياة البطلة الكاتبة وبين مستغانمي الكاتبة ‏تأويليا ما كان ليكون لو أن مستغانمي اختارت مهنة أخرى لبطلتها.‏
‏[38] ـ المصدر نفسه ، ص267. ‏
‎[39]‎‏ ـ شهلا العجيلي‎ : ‎الخصوصية الثقافية في الرواية العربية‎ ‎،‎ ‎ص155‏‎.‎
‎[40]‎‏ ـ أحلام مستغانمي : الأسود يليق بك ، ص11.‏
‏[41] ـ عبد الله الغذامي : ثقافة الوهم "مقاربات في المرأة والجسد واللغة" م ث ع ، ط1 ٬ الدار البيضاء 1998. ‏
، ص75. ‏
‏[42] ـ أحلام مستغانمي: الأسود يليق بك ٬ ص271.‏
‏[43] ـ نهال نهيدات : الا᷃خر في الرواية النسوية العربية في خطاب المرأة والجسد والثقافة ٬ عالم الكتاب ‏الحديث، ط1 ٬ عمان 2008 ٬ ص134.‏
‏[44] ـ شهلا العجيلي: الخصوصية الثقافية في الرواية العربية ٬ ص131.‏
‎[45]‎‏ ـ خالد وهاب : الرواية النسوية وخرق الأفق ٬ اقنباس من الموقع ‏aswat-‎achamel.‏ ‏‎ ‎بتاريخ 7/11/2015 ، د ص.‏
‎46]‎‏] ـ أحلام مستغانمي : الأسود يليق بك ، ص104.‏
‎[47]‎‏ ـ المصدر نفسه ، ص94.‏
‏[48] ـ تزفتان تودوروف : مقولات السرد الأدبي٬ ترجمة حسين سحبان٬ منشورات اتحاد الكتاب العرب٬ ط1 ٬ ‏الرباط 1992 ٬ ص63.‏
‎[49]‎‏ ـ المصدر نفسه ، ص13. ‏
‏[50] ـ أحلام مستغانمي : الأسود يليق بك ، ص60.‏
‏[51] ـ جابر عصفور : زمن الرواية ٬ دار الثقافة والنشر٬ دمشق 1999٬ ٬ ص 274.‏
‏[52] ـ بلقاسم مسروق : حوار مع الإذاعة الثقافية ٬ اقتباس من بث يوم ‏‏28/10/2016 ٬ الساعة 17:30 . ‏
‏[53] ـ ﺃحلام مستغانمي : الأسود يليق بك ٬ ص13.‏
‎[54]‎‏ ـ المصدر نفسه٬ ص‎25-24‎‏.‏
‏[55] ـ المصدر نفسه٬ ص48.‏
‎[56]‎‏ ـ كارل غوستاف يونغ :علم النفس التحليلي خفايا النفس٬ اقتباس من الموقع :‏
.nirfana2000/ ‎‏ المنشور في 2/12/2006 .‏
‎[57]‎‏ ـ الدانوب الأزرق قطعة موسيقية شهيرة للموسيقي الألماني يوهان شتراوس ﺃلفها عام 1867 سماها على ‏نهر الدانوب الذي يمر بعدة عواصم ﺃوروبية.‏
‏[58] ـ أحلام مستغانمي: الأسود يليق بك ٬ ص275.‏
‏[59] ـ شهلا العجيلي : الخصوصية الثقافية في الرواية العربية٬ ص164.‏
‎[60]‎‏ ـ المرجع نفسه ، ص64.‏
‏[61] ـ أحلام مستغانمي : الاٴسود يليق بك٬ ص 84. ‏
‏[62] ـ جيرار جينيت : عودة ٳلى خطاب الحكايا ٬ ترجمة محمد معتصم ٬ المركز الثقافي العربي٬ الدار ‏البيضاء 2000 ٬ ص192.‏