عواصف الغضب الشعبي تجتاح العالم بقلم : حماد صبح
تاريخ النشر : 2018-12-14
عواصف الغضب الشعبي تجتاح العالم بقلم : حماد صبح
تجتاح عواصف الغضب الشعبي كثيرا من بقاع العالم في تحديات جريئة للسلطات الحاكمة . لا فرق في هذا بين دولة أوروبية ودولة شرق أوسطية . ومهما تباينت أسباب الغضب أو توافقت فإنها تكشف عن الرفض الشعبي العارم لإدارة تلك السلطات لشئون البلاد اقتصادا واجتماعا وسياسة مما خلق تفاوتا واسعا بين الفقراء المهمشين والأغنياء المنعمين . في فلسطين ، خاصة في الضفة ، مظاهرات أسبوعية احتجاجا على قانون الضمان الاجتماعي الجديد الذي تريد السلطة الفلسطينية تطبيقه على الموظفين والعمال . وفي الأردن مظاهرات لا تتوقف احتجاجا على النهج الاقتصادي لحكومة الرزاز ، واضطرت الحكومة الأردنية إلى الدفع بقوات البادية لمواجهة المتظاهرين ، ووصل الحال من التوتر أن تواجه 5000 رجل أمن مع 5000 متظاهر ! ولا يجهل أحد أن مظاهرات الأردن تحوي في تضاعيفها مخاطر سياسية كبيرة تتعدى مفجرها الاقتصادي . وفي فرنسا ، فرنسا الثورات ، تتواصل منذ أسابيع انتفاضة السترات الصفراء التي بدأت احتجاجا على زيادة الحكومة ضريبة مشتقات الوقود 20 % لتشجيع الاتجاه إلى الطاقة الخضراء الصديقة للبيئة ، واتسعت مطالبها ، فطالت قضايا الفقراء المهمشين في المجتمع الفرنسي . وامتدت الانتفاضة بمستوى محدود إلى بلجيكا وهولندا . وفي بودابست عاصمة المجر ثار الآلاف يوم الخميس غضبا من قانون جديد يجعل ساعات العمل الإضافي 400 بدل 250 في السنة . وفي العالم العربي نذر بتجدد الربيع العربي الذي أحبط ؛ في موجات جديدة . ونستطيع أن نعود إلى فلسطين ، ونضيف إلى عواصف الغضب الشعبي العالمي مسيرات العودة ضد الحصار كل جمعة ، والمسير البحري كل اثنين . ولا نرتاب في أن مسيرات العودة التي انطلقت في الثلاثين من مارس المنقضي ألهمت بقدر ملموس عواصف الغضب الشعبي العالمي مثلما فعلت الانتفاضة الأولى في 8 ديسمبر 1987 التي جرأت الشعوب على تحدي قوة السلطات ، محتلة معادية كانت أو محلية فاسدة . وعندما انتفض مسلمو كوسوفو على السلطات الصربية في تسعينات القرن الماضي ؛ لبسوا الكوفيات وتلثموا بها ، وخاطبت مجموعة منهم الصحفيين الذين ينقلون أخبار انتفاضتهم وصورها : " أهلا بكم في فلسطين ! " . وإضافة إلى الأسباب الخاصة لتلك العواصف الشعبية فإن ما يضاعف تأججها وتوسعها ما تقوم به الشبكة العنكبوتية بوسائطها التعبيرية المتعددة التي مكنت كل الشرائح الاجتماعية من البوح الحر بآرائها وعواطفها دون أن تملك السلطات الحاكمة وسائل كافية وفعالة لمنعها ، فتوفرت لتلك الشرائح القدرة الواسعة على الكشف عن خفي غضبها واستيائها من أحوالها ومن القائمين على تلك الأحوال من الحاكمين والمتنفذين وأصحاب المصالح الطبقية والفئوية . أي حاكم الآن في العالم يذمه مواطنوه وغيرهم من مواطني الدول المجاورة والبعيدة في الشبكة العنكبوتية بأسماء حقيقية أو مزورة . وقبل هذه الشبكة كان ذم حاكم أو مسئول كبير من دولة في إعلام دولة أخرى مبررا كافيا للاحتجاج أو قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين . ويضاعف تأجج وتوسع تلك العواصف الشعبية أيضا خلو العالم من قيادات كبيرة تلهم الناس فعل ما هو خير ونافع للجميع ، وتوجب احترامهم لها ، وثقتهم في أقوالها وأفعالها . أكبر دولة في العالم ، أميركا ، رئيسها معتوه بالإجماع ، تتعقبه الفضائح الأخلاقية والسياسية والمالية في بلاده . وبلاد في منزلة بلاد الحرمين الرفيعة تسلم زمامها لشاب معدوم الخبرة ، سيء الفهم ، موفور التهور ، طاغي التوحش ، أمر بجريمة قتل نفس بريئة بطريقة متهمجة غابية روعت العالم ، و طوحت بلاد الحرمين في دوامة بؤس وذل وأخطار كبرى ، وهو منذ حدوثها يعدو مذعورا بين ترامب ونتنياهو متضرعا لإنقاذه ، ولن ينقذاه إن استطاعا إلا إنقاذا مؤقتا ثمنه تفريغ عظام بلاد الحرمين من نخاعها . غياب القيادات الكبيرة في فضائلها التي تجسد القدوة الصالحة في كل شيء ؛ يفجر المجتمعات ، ويحركها بقوة للبحث عن تلك القيادات إشباعا لشعورها الإنساني الذي يحب المثل العليا ، وأملا في إصلاح سائر أحوالها المعيشية ، ومن ثم فالمتوقع أن تتواصل تلك العواصف ، وتشتد اتساعا وعنفا ، وعلى مدار التاريح تتشابه تحركات الشعوب . حدث هذا في أزمان مشقة الاتصال وقلته وبطئه ، فما الشأن في زمننا الحالي الذي جعلت ثورات الاتصال الكبرى العالم فيه بيتا واحدا لا قرية واحدة ؟!