الاستيطان في وجدان إسرائيلية..هل هو شعور بالخوف، أو شعور بالذنب أم لا هذا ولا ذاك
تاريخ النشر : 2018-12-14
الاستيطان في وجدان إسرائيلية..هل هو شعور بالخوف، أو شعور بالذنب أم لا هذا ولا ذاك


الاستيطان في وجدان اسرائيلية......هل هو شعور بالخوف، او شعور بالذنب ام لا هذا ولا ذاك

د. سمير مسلم الددا
[email protected]

ما زالت اسرائيل توغل في تحديها للمجتمع الدولي وخرقها لكافة القوانين الدولية وتستمر بكل صلف في بناء المستوطنات في الاراضي الفلسطينية التي احتلتها بالقوة العسكرية المسلحة عام 1967.
حسب تقرير لمنظمة بيت سيلم الحقوقية الاسرائيلية فقد شهد عام 2018 أكبر توسّع استيطاني في اراضي الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، إذ أقدمت السلطات الإسرائيلية على انشاء حوالي 1200 وحدة استيطانية على الأراض الفلسطينية خلال النصف الأول من العام الحالي 2018, وذلك مقابل 870 وحدة فقط في النصف الأول من عام 2017، كما صادق الكنيست الإسرائيلي مؤخرا على تعديل ما يسمّى بقانون "الحدائق الوطنية" بهدف للسماح ببناء مزيد من الوحدات الاستيطانية في الحدائق العامة التابعة لبلدة سلوان الملاصقة للمسجد الأقصى، ما يعد أخطر تطوّر استيطاني منذ بداية الاحتلال, وهذا التطور يعد انتهاكا سافرا وخطيرا لقرارات الامم المتحدة بما في ذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الصادر في 23 ديسمبر/كانون الأول 2016، والذي يعتبر الاستيطان بكافة اشكاله في الاراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية غير شرعي ومخالفاً للقوانين الدولية ويطالب اسرائيل بوقفه فورا.
وكرد فعل اولي على هذه العنجهية الاسرائيلية أعرب الاتحاد الأوربي عن معارضته وبشدّة لـ "سياسة الاستيطان الإسرائيلية" مؤكداً أنها تهدّد "فرص التوصل لسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين" واصفاً إياها بـ "غير الشرعية" والمخالفة للقانون الدولي.
وفي نفس السياق قررت شركة الحجوزات الفندقية والسياحية الامريكية إير بي إن بي Airbnb -حذف الاماكن والمرافق السياحية في المستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية المحتلّة من قوائمها المدرجة على موقعها الرسمي على الانترنت، في خطوة رحب بها الفلسطينيون، وأشادت بها منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية التي وصفت قرار الشركة بـ "التطوّر المهم” بعد انتقادها للشركة الأمريكية في وقت سابق لتشجيعها على الاستيطان بالترويج للشقق المفروشة في المستوطنات.
اما اسرائيليا، فقد أثار قرار شركة اير بي ان بي ردود فعل متشنجة وغاضبة جدا في الجانب الإسرائيلي بلغت حدود رفع قضايا على الشركة الامريكية في المحاكم للتشويش عليها والاساءة الى سمعتها وارسال رسالة لمن يفكر في اتخاذ قرار مماثل.
سياسات الاحتلال الاستيطانيّة الاسرائيلية مبنية بالدجة الاولى على سرقة اراضي الفلسطينيين وسلب حقوقهم الانسانية والتسلط عليهم والتضييق عليهم في كافة مناحي حياتهم.
هذه السياسات العنصرية أفرزت واقعا معيشيا مأساويا تم فرضه وما زال على الفلسطينيين, بهدف اجبارهم على الرحيل من بيوتهم وارضهم زمن ثم استبدالهم بمستوطنين تم جلبهم من بقاع شتى من مختلف بلدان العالم.
على الرغم من هذا الواقع القاتم, الا ان هناك بعض الإسرائيليين يشعرون بالذنب جراء هذه السياسات العنصرية, والخوف من وجودهم في اراضي يعرفون انها ليست لهم وانهم سرقوها بالقوة من اصحابها الفلسطينيين الذين يتربصون للانقضاض عليهم في اللحظة المواتية دفاعا عن ارضهم وبلادهم.
المخرجة الإسرائيلية اليسارية ايريس زكي عرضت مؤخراً في الدورة الـ 12 لمهرجان الفيلم الإسرائيلي البديل بنيويورك أحدث أفلامها الوثائقية بعنوان Unsettling، الذي كان مفاجئا للكثير من المراقبين عندما كشف اللثام عن الجوانب "غير النمطية" لحياة الكثير من المستوطنين في الضفة الغربية وتحديدا سلط هذا الفيلم الضوء على مستوطنة "تقوع" في محافظة بيت لحم كنموذج.
الفيلم الذي عُرض لأول مرة في مهرجان القدس السينمائي، يبدأ بصوت في الخلفية لرجلٍ غاضبٍ يقول "نعيش هنا حيث قُتِل الكثيرون, سالت الكثير من الدماء على هذه الأرصفة"
تلك الكلمات التي تفتتح بها ايريس زكي فيلمها قد تنبئ عن كمية ونوعية الضغوطات التي قد تواجهها هذه المخرجة المولودة في حيفا – من جدّ مصري مسلم وجدّة يهودية – والمعروفة بمعارضتُها للاستيطان بل للاحتلال من اساسه, خاصّة حملات التشويه الإلكترونية تلك التي تستهدف ما تنتجه وحتى ما كانت تنوي إنتاجه، ضغوط كثيرة تعرّضت لها حتى تتخلّى عن تصوير فيلمها حول "العيش في المستوطنات"، لكن في النهاية وبعد شهرين عاشتهما في مستوطنة “تقوع"، وضعت المخرجة طاولةً، وغطتها بقطعةِ قماشٍ بيضاء، ووضعت كرسيين وثلاث كاميرات بجوارها، وسعت للحصول على قصص إنسانية "مميّزة" للمستوطنين هناك.
انتظرت المخرجة طويلاً حتى شرع بعض المستوطنين في التوافد إليها تدريجياً ووافقوا على التحدّث، عن علاقتهم المعقدة بالمكان وتأثير اختيار العيش هناك على حياتهم.
ابتعد الفيلم عن النماذج النمطيّة للمستوطنين الإسرائيليين الكارهين للعرب والقادة السياسيين الذين يحشدون مواطنين فقط من أجل اختراق القوانين والاستيلاء على اراضي الفلسطينيين التي يعلمون انها ليست من حقّهم لأجل إسرائيل الكبرى, لكن على الرغم من تواجد هذه الفئة من المتطرفين الا ان فيلم ايريس زكي ركّز على فئة المستوطنين الذين “ اضطرّوا" للعيش في المستوطنات لدوافع مغايرة لتلك التي يقصدها هؤلاء المتطرفون.
بالرغم من وضوح موقف زكي اليساري في الفيلم المعادي للاستيطان وكيان الاحتلال، إذ استخدمت مفردات مثل الاحتلال والتمييز العنصري في حديثها مع المستوطنين، إلا أنها حرصت على الحياد التام في ترك الأشخاص يروون قصصهم، واختارت من بينها "الأكثر إثارة للاهتمام” حسب ما تقوله في حوار مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
كشفت المناقشات المباشرة والشخصيّة للغاية داخل الفيلم عن جانب أقلّ شيوعاً عند المستوطنين، فأكّد أحد المستوطنين أنه "يساري" وذهب للمستوطنة “فقط" لأجل زوجته المتديّنة التي انضمّت لإحدى الجماعات الدينية-Hilltop Youth- التي استقرّت بالمستوطنة، ولفت إلى أنه "لن يتردّد في المغادرة من أجل السلام".
امرأة أخرى أوضحت أنها ذهبت للمستوطنة بسبب نفس الحركة الدينيّة في المراهقة، ولرغبتها في الاستمتاع بـ"الجاذبية الرومانسية للنوم في الخيام"، معلنةً التخلّي عن الأمر فور إدراكها "المعاناة الفلسطينية" جرّاء الاستقرار هناك، فيما أكّد غالبية المستوطنين –في الفيلم- أن بقاءهم في المستوطنة يتعلّق بأسباب اقتصادية ماليّة بحتة، أي لعدم قدرتهم على الانتقال للمدن الأخرى كتل أبيب مثلاً.
وتوضّح ايريس زكي أن هدفها كان "إثارة الفكرة وليس إيقاف الاستيطان"، ولا تجد حرجاً من كون فيلمها في صورته النهائية يعارض فكرها اليساري الرافض للاستيطان.
كما نفت أن فيلمها يُظهر المستوطنين بصورة أكثر إنسانية أو شيطانية، موضحةً أنه يركّز أكثر على "مشاكل المستوطنين، وحقيقة وصعوبة العيش في مستوطنة وتربية الأبناء فيها" ولم يفتها السخرية من حقيقة كونها –رغم فكرها اليساري- تنتمي لدولة احتلال تمارس "حياتها الطبيعية" ولم تصبح حتى "ناشطة" ضدّ ذلك.
ايريس زكي التي أنتجت وأخرجت ثلاثة أفلام وثائقية حتى الآن، تتناول جميعها حقيقة العيش في إسرائيل والتعايش بين العرب واليهود، اعترفت بـ"بشاعة العيش داخل المستوطنات" من خلال تجربتها التي اقتصرت على شهرين فقط، قائلةً: " كان من المريع بالنسبة لي أن أكون هناك، كان هناك شعور بالفصل العنصري، في أسوأ طريقة يمكن تخيّلها، عندما كنت أخرج إلى الطريق، كنت خائفة، وكرهت نفسي أيضاً، شعرت بالسوء لكوني يهودية في ذلك المكان".
لم تخف أيضاً شعورها بالذنب تجاه الفلسطينيين وهي تعيش على أرضهم المغتصبة المحرّم عليهم دخولها، فقالت " شعرت بالذنب الشديد، كان من الواضح لي أنه لا ينبغي لنا –أي الإسرائيليين- أن نكون هناك، وعندما قمنا بتصوير فلسطينيين عند حاجز طريق في تقوع، كان الأمر مروعاً، فقد شعرنا أنا والمصوّر السينمائي المرافق لي، بالحرج الشديد لرؤيتهم في هذا الموقف، وحتى أكثر من ذلك، لتصويرهم".
تلك التجربة خلّفت لها الكثير من الإرباك وولدت بداخلها شعورا بأنها لم تعد واثقة من "إمكانية تعايش الفلسطينيين جنباً إلى جنب مع الإسرائيليين بحسب قولها, الا انها تدرك في قرارة نفسها أن "الاحتلال يجب أن ينتهي".