النادي والصالون في الجذور بقلم:د. محمد فتحي راشد الحريري
تاريخ النشر : 2018-12-11
النادي والصالون في الجذور

النادِي والنَّدْوَةُ والمُنْتَدَى: مَجْلِسُ القَوْمِ نَهاراً، أو المَجْلِسُ ما دامُوا مُجْتَمِعِينَ فيه.
وما يَنْدُوهُم النادِي: ما يَسْمَعُهُمْ.
وتَنَدَّى: تَسَخَّى، وأفْضَلَ،
كَأَنْدَى، فهو نَدِيُّ الكَفِّ . وتقول العرب : تَنَادَوْا ، نادَى بعضُهم بعضاً، وتَجَالَسُوا في النادِي ، ودار الندوة معروفة في مكة المكرمة .
وفي حديث يأْجوجَ ومأْجوج: فبينما هم كذلك إذ نُودُوا نادِيةً أَتى أَمْرُ اللهِ ؛ يريد بالنَّادِيةِ دَعْوةً واحدةً ونِداء واحداً ، فقَلب نِداءَة إلى نادِيةٍ وجعل اسم الفاعل موضع المصدر ؛ وفي حديث ابن عوف: وأَوْدَى سَمْعَه إلاَّ نِدايا ، أراد إلا نِداء، فأَبدل الهمزة ياء تخفيفاً ، وهي لغة بعض العرب .
وفي حديث الأَذان: فإِنه أَندى صوتاً أَي أَرْفَعُ وأَعلى ، وقيل: أَحْسَنُ وأَعْذَب، وقيل: أَبعد . ولكل قائل شواهده .
ونادى بسرِّه: أَظهَره؛ عن ابن الأَعرابي ؛ وأَنشد :
 غَرَّاء بَلْهاء لا يَشْقى الضَّجِيعُ بها ***، ولا تُنادي بما تُوشِي وتَسْتَمِعُ
 قال: وبه يفسر قول الشاعر :
 إذا ما مَشَتْ ، نادى بما في ثِيابها *** ذَكِيُّ الشَّذا ، والمَنْدَليُّ المُطَيَّرُ 
أَي أَظهره ودل عليه.
ونادى لك الطريقُ وناداكَ: ظهر ، وهذا الطريقُ يُناديك ؛
أما الصالون فكلمة غير عربية، بل فرنسية على الراجح ، وتفيد المعنى نفسه ،
الصالون كلمة لاتينية الأصل (salon) تعني المكان الذي يستقبل فيه أهل البيت زوارهم بعامة. والصالون الأدبي هو ملتقى لأدباء وفنانين وأهل المعرفة والثقافة. ويشير جابر قميحة إلى أنه من "اللافت أن المرأة لها الدور الأبرز في هذا المجال. ويعزو بعض الدارسين سبب ذلك إلى أن المرأة في كثير من المراحل التاريخية حرمت من المشاركة الفعلية في الحراك الثقافي العام، فآثرت أن تستدعي رجال الفكر والأدب والفن إلى صالونها كي تدلي بدلوها في هذا الشأن أو تلك القضية" و أقدم صالون عرفه التراث العربي هو لسكينة بنت الحسين رضي الله عنها، حيث كان يجتمع في بيتها العلماء والفقهاء وأهل الأدب واللغة ويناقشون القضايا العلمية الشائكة التي كانت تشغل المسلمين آنذاك، "وكان يقصدها الشعراء، يحكمونها في الأقوال والأشعار في بيتها في المدينة وكان لها رؤيتها النقدية البصيرة المبررة فلم تكن تصدر حكمها النقدي إلا بعد معايشة النصوص التي تحفظها أو تعرض عليها وتوازن بينها، فقد قصدها الفرزدق في المدينة فواجهته بتفضيل جرير عليه" .
وفي القرن الحادي عشر الميلادي، ظهر صالون ولادة بنت المستكفي في قرطبة، الذي كان يجمع الشعراء والأدباء. وكانت ذات جمال ومعرفة بفنون الأدب فألهمت بذلك الوزير الشاعر ابن زيدون وكتب قصائد هي من عيون الأدب العربي.
الصالون الأدبي في الغرب :
عرفت فرنسا الصالون الأدبي في القرن السابع عشر وكثرت الصالونات في القرن التالي له، واكتسبت طابعا عالميا، وكان يقوم عليها سيدات اتصفن بالذكاء والألمعية والثقافة والجمال، والحس الاجتماعي الرهيف. وكانت هذه الصالونات تجمع ألوانا من المتع الحسية والفكرية، من أدب وفكر وثقافة وفنون، وأصبحت سوقا لتبادل الآراء، ومجالا رحيبا للأحاديث المتنوعة، وتتناول كل جديد وطريف، من استعراض «مودات» الأزياء إلى الأفلاطونية الحديثة، ومن أدب رفيع إلى مناقشة قواعد الإملاء .
و بعض هذه الصالونات لعبت دورا بالغ الأهمية في إلقاء الأضواء الكاشفة على الآداب الأجنبية، ودفع الأدباء المغمورين إلى عالم الشهرة والخلود. وخارج فرنسا اشتهر صالون الدوقة مارزين في لندن في القرن السابع عشر، ومثله صالون ليدي هولاند في القرن الذي تلاه. وفي عام 1750 أنشأت مدام نوردان فليشت أول صالون أدبي في ستوكهولم عاصمة السويد.
الصالون الأدبي عند العرب في العصر الحديث
بلغ تأثير الصالونات الأدبية الفرنسية إلى البلاد العربية، وبالضبط في القاهرة، حيث ظهر أول صالون في قصر الأميرة نازلي فاضل بنت الأمير مصطفى فاضل، وكان يتردد على صالونها كبار المصريين والأوروبيين، ومنهم الإمام محمد عبده، وسعد زغلول، وقاسم أمين، ومحمد المويلحي وآخرون ممن ساهموا في تطور الحياة الثقافية والاجتماعية في مصر .
وفي المقابل شهدت حلب في ديار الشام مولد صالون شبيه برعاية امرأة تنتمي إلى أسرة اشتهرت بالأدب والعلم والفضل هي: ماريانا مراش (1849-1919). وكانت ماريانا أول أديبة سورية برزت في مجالات الأدب والشعر والصحافة في عصرنا الحديث، وصدر لها ديوان شعر في سنة 1893. ومنذ صباها بدأت تكتب في مجلة «الجنان» اللبنانية ثم مجلة «لسان الحال» اللبنانية والمقتطف وكانت مريانا تجمع بين الثقافتين العربية الفرنسية.
على أن أشهر الصالونات العربية وأحفلها بالشخصيات التي تتردد عليه، صالون الأديبة مي زيادة (1886-1941)، التي برعت في مجال الأدب مبكرا وأخذت بحظ وفير من الثقافة والجمال ، وكانت تجيد الفرنسية، والإنجليزية والألمانية، وتكتب بالعربية بأسلوب أخاذ. وكان ديوانها الشعري الأول «أزاهير الحلم» باللغة الفرنسية.
بدأ صالون مي عام 1911 في مسكنها في شارع عدلي، ثم انتقل إلى الطابق الذي قدمته لها جريدة «الأهرام». واستمر حتى نهاية الثلاثينات، و كان رحبا فسيحا، وتأنقت في اختيار أثاثه، والصور المعلقة على جدرانه والتماثيل القائمة في أركانه.
وكانت تستقبل ضيوفها فيه كل يوم ثلاثاء، وتساعدها أمها بالترحيب بالضيوف، وتجلس في صدر الصالون تدبر الحديث، وتوجه الكلام وحواليها حشد فيه: إسماعيل باشا صبري، ومنصور باشا فهمي. وولي الدين يكن، ولطفي السيد، والشيخ رشيد رضا صاحب مجلة «المنار»، والشيخ علي عبد الرزاق، وخليل مطران، وحافظ إبراهيم وسلامة موسى، وعباس العقاد ومصطفى صادق الرافعي، واحمد شوقي وعبد القادر المازني وآخرون.
استمر صالون مي زيادة قرابة ثلاثين عاما. وانتهى في حوالى 1940 م .
وللحديث صلة باذن الله تعالى ..

-------------------------------------------- هامش :
(1)- أضواء على الصالونات الثقافية لجابر قميحـــــــــــــــــــــة ، والصالونات الأدبية المعاصــرة : إبراهيم حاج عبدي – جريدة الرياض.