الحرب على مؤسسات القدس.. الأخطر قادم بقلم:أ.عادل شديد
تاريخ النشر : 2018-12-11
الحرب على مؤسسات القدس.. الأخطر قادم بقلم:أ.عادل شديد


ما إن أنهى كيان الاحتلال عزل القدس عن محيطها الفلسطينيّ بالمستوطنات والجدران، حتى بدأ تنفيذ المرحلة الأخطر في مخطط ضرب الهوية الجمعية الوطنية في المدينة المقدّسة، وإلغاء هويتها الثقافية العربية ومحو معالمها المادية والجغرافية وتغيير تركيبتها الديمغرافية، عبر إفراغها بشتى الوسائل، مستغلًا اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. 
انتقلت السياسة الإسرائيلية من تخفيف الوجود المقدسيّ إلى الاجتثاث النهائي، وخاصة بعد رفض 98.5% من المقدسيين التصويت في انتخابات البلدية الأخيرة قبل أسابيع، ما شكّل صفعة كبيرة في وجه مشاريع الأسرله التي راهنت على ترويض المقدسيين وقبولهم بالحياتي على الوطني.

أكثر من نصف قرن مرّت على اكتمال احتلال "إسرائيل" للمدينة، ورغم سياسات التهجير والبطش والتهميش، إلّا أن المقدسيين يبدعون في اختراع وسائل متعددة للتشبّث بمدينتهم التي شكلّت هويتهم، وعانوا وصبروا وضحوا وقاوموا أساليب الطرد والإغراء، ما دفع حكومة المستوطنين إلى تصعيد إجراءاتها القمعية لضرب وجودهم في المدينة والذي يشكّل 41%، عبر استهداف الجميع وفي مقدّمتهم المؤسسات الوطنية والتعليمية والصحية، ومؤسسات السلطة الفلسطينية الرسمية، واعتقال محافظ القدس "عدنان غيث" عدة مرات في الأسابيع الماضية، واعتقال عناصر في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتي كانت ذروتها بعد الكشف عن تمرير صفقات تسريب أراض وعقارات للجمعيات الاستيطانية في القدس، واعتقال "عصام عقل" الذي يحمل الهوية الإسرائيلية والجنسية الأمريكية، وتمديد اعتقاله من قبل القضاء الفلسطيني في رام الله بتهمة الخيانة ومساعدة المستوطنين في تسريب العقارات والمنازل. 

هُنا علينا الاعتراف أنّ "إسرائيل" حققت نقاطًا مهمة في هذا المجال في الفترة الأخيرة، كما علينا الاعتراف بغياب استراتيجية وطنية لمواجهة المخاطر التي تهدد القدس، وأنّ استمرار المكابرة وعدم الإقرار بالفشل لا يلغي وجوده. 

تحاول "إسرائيل" اصطياد مجموعة من العصافير باعتقالها محافظ القدس وعناصر الأجهزة الأمنية، الأمر الذي يصب في المحصّلة بخدمة مشروع إفراغ مدينة القدس، وضرب المنظومة القيمية الوطنية الجمعية، والتي شكّلت الحاضنة الجماهيرية المقدسية لرفض سياسات الأسرلة، وشكلت البيئة المنتجة للمقاومة الوطنية بشقيها المادي والمعنوي، كما حدث في العام الماضي حين أفشل المقدسيون مشروع بوابات المسجد الأقصى، لذلك صعّدت سلطات الاحتلال من إجراءاتها لضرب وتفكيك المؤسسات القائمة، ومنعها من ممارسة أعمالها، وبتعليمات مباشرة من نتنياهو الذي تحدّث علانية عن ذلك المشروع في كلمته في أيلول الماضي أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حين اتهم الرئيس محمود عباس والسلطة برفضهم للسلام عبر ما وصفه بملاحقة واعتقال من يبيع عقارات لليهود. 

تسعى "إسرائيل" من وراء إضعاف هيبة السلطة في القدس وملاحقة كوادرها، لضرب أي آلية فلسطينية لمواجهة تسريب الأراضي ومقاطعة المتورطين، وعدم دفنهم في مقابر القدس وعدم الصلاة عليهم ومنع إقامة بيوت عزاء لهم، وتريد إيصال رسالة مفادها أنها ستعاقب كل من يلاحق تسريب الأراضي.

كما أنّها تحاول الظهور وكأنها لا تتخلى عن المتعاونين معها، وتعمل على ضرب أي صيغة مؤسسية فلسطينية في القدس تحاول منع نشر الفلتان الأمني ومحاربة زيادة الجريمة والمخدرات والخاوات والبلطجة وأعمال القتل، كي تصبح بيئة المدينة طاردة لسكّانها، جرّاء انعدام الأمن والأمان، في ظل وضع اقتصادي صعب. 

وتهدف سلطات الاحتلال من تلك الإجراءات إلى دفع المقدسيين لترك المدينة والانتقال للعيش  في مناطق خارج القدس وخاصة في الأحياء الجديدة شمالي المدينة، والتي غضت عنها بلدية الاحتلال البصر لتسهيل تفريغ المدينة. 

فلسطينيًا، ومع اشتداد الحرب الثقافية والديمغرافية والجغرافية على القدس التي أصبحت في مركز دائرة الاستهداف الصهيوني الأولى للتخريب والتدمير والتهويد، لم يعد كافيًا الرهان فقط على إيمان وتمسّك المقدسيين بهويتهم، فهم بحاجة للمساعدة وتدعيم الصمود، ومن الممنوع تركهم لمواجهة مصيرهم، خاصة وأن هناك مشاريع بمليارات الدولارات من أجل إغراء المقدسيين، وثمّة حالات سقط في الوحل بالفعل، والخشية من حالات أخرى ستكشفها الأيام القادمة.

المطلوب الآن وليس غدًا من الكل الفلسطيني التفرّغ لمواجهة الخطر، وإعطاء المدينة المقدّسة الأولوية، ووضع باقي القضايا على الرف بدءًا من المناكفات الداخلية وانتهاءً بقانون الضمان، وتشكيل مؤسسة واحدة وتسخير كل الإمكانيات المالية والمادية والمعنوية لها لتكون العنوان والمرجعية الوحيدة، بدل المؤسسات والهيئات القائمة. فالدفاع عن المدينة المقدّسة لا تعلوها أولويات أخرى، ومعركة الدفاع عن القدس قبل ضياعها، واجب لا يسقط عن أحد، وحينها لن ينفع الندم ولا البكاء. 

الترا فلسطين