المفكر يبكي على عهد المأمون والراقصين يتباكون على عهد أبو عبدالله الصغير ...
تاريخ النشر : 2018-12-10
المفكر يبكي على عهد المأمون والراقصين يتباكون على عهد أبو عبدالله الصغير ...


المفكر يبكي على عهد المأمون والراقصين يتباكون على عهد أبو عبدالله الصغير ...

بقلم:مروان صباح /
 ليس مثير للعجب أو ليست أبداً مصادفة أن يبق البحصة محمد إقبال 1877م - 1938 م بمرارة لأحد أصدقائه بأن كتابه تجديد الفكر الديني لو أنتج في عهد المأمون كان سيشهد تفاعل وأثر كبير في الحقل الثقافي الإسلامي بمرات عن ما شهده في هذا العصر بل قد يكون التفاعل معدوم إذ ما قورن بين الزمنين ، لأن كان قد سبق عهد المأمون سلسلة من الحقب التى أنتجت علماء في جميع المجالات وجاءت حقبة المأمون لتشهد مرحلة فكرية حرة وحركة إجتماعية غنية بالتفاعلات الإيجابية والسلبية والتى تركت إلى يومنا هذا تأثير عميق في الحقل الثقافي الإسلامي والغربي التى امتدت الأفكار والعلوم له عبر دولة الأندلس بشكل خاص ، وهذا التأثير بالفعل قد أصاب إقبال لا سواه الذي أنتج للأمم الحالية والساكنة على الأرض 20 كتاب بمجال السياسة والاقتصاد والفلسفة والتربية والفكر وبالطبع بالإضافة لجملة من الإنتاجات الشعرية التى بسببها لُقب بشاعر الإسلام .

حاول إقبال وكثير من النهضوين العصر الحديث أمثال عبده ، لفت أنتباه المسلم بأن التغير الذي أصاب الغرب كشف عن خمول شامل في مناحي الحياة الإسلامية وعلى رأسها البحث العلمي أو بشكل أخر فضحَ العجز وحالة الجزع لدى الأمة ، وقد يكون البكاء ناتج عن إدراك أمثال إقبال لأسبقية المعتزلة في طرحها عبر مفكرينها بضرورة لبرالة المجتمع الإسلامية من خلال دولة مدنية تنفتح على الفكر الإنساني بشكل عام وانجارته الحضارية أينما كانت بالطبع ليست بالطريقة الاستهلاكية كما هو الحال بل بالبناء على ما أُنجز وبالتالي يضمن أو يحافظ على ريادتها ومكانتها كأولى بين الأمم ، وبالرغم من الخلاف الكبير بين أغلبية العُلَماء وما طرحته المعتزلة حول خلق الأفعال إلا أنهم كانوا قد سبقوا في وضع أيديهم عن مسألتين عميقتين ، الأولى مخاطر دولة الفساد وانعكاسها التدميري على مشروع الأمة وثانياً ، ضرورة استقطاب العقول البحثية والعلمية ودمجها في المجتمع الإسلامي دون ترك أي إحساس أو شعور بالتمييز والتى تضمن للدولة ومن ثم مواطنيها الخروج من القصور العقلي إلى سن النضج وهذا تماماً قد حصل لاحقاً في ثورة الأنوار التى تشكلت في إنكلترا وتطورت بشكل حقيقي في فرنسا ، وايضاً يكشف التاريخ بشكل جلي لا لَبْس فيه ، بأن هناك جملة حقائق قد طرأت على الدولة الإسلامية منذ تأسيسها حتى إعتلاء المأمون كرسي الحكم فعندما تخلت عن النّظام الشورى أنتشر الفساد والمظلومية وايضاً وهو الأهم ، فقدت النخبة القدرة على التفكير وأصبحت التبعية للجهل سلوك وهذا يُفسر ظهور المعتزلة ، ببساطة عندما توقفت النخبة عن القيام بمهامها أنتج الواقع مفكرين الذين أصبحوا مشروع مضاد للانغلاق والفساد العام اللذين يهددان حدود الدولة من الاستباحة .

بالطبع إطلاق جملة حفريات حول علم التفكير بشكل هوجائي لا يكفي بتشويه حقيقة المأمون حول اصطفافاته الفكرية بل ذلك عمل أقرب إلى طمس حقائق أخرى، لأن عندما يراجع المرء نواة جامعة بيت الحكمة التى كان قد أسس لها ابو جعفر المنصور ومن ثم طورَّ الفكرة هارون الرشيد وكبرت وأصبحت في عهد المأمون جامعة عصرية وبالتالي إهتمت بالرياضيات والطب والفلك وختصت بترجمات العلوم والفلسفة باختلافاتهما، يشير اهتمام المأمون بضرورة مواكبة العلوم إلى إخلاص عميق كامن من وراء الهدف وهناك ايضاً حركة قام بها بشكل دائري في فكره التى استهدفت ذاك الخراب الذي اجتاح الأمة في حينها ، بل وُصفت حركة المأمون بأنها غيورة على مشروع الأمة والتى تهدف إلى تمكينها بالنهوض من خلال التجديد قبل فوات الأوان ، بالتأكيد المُطلع على الحيثيات البارزة منها أو تلك الدفينة ، يجد الرجل لم يكن أبداً يرغب بها حركة مجرد ترميمية أو إضافات مؤقتة بقدر كان يبحث عن تجديد يعيد الإسلام من غربته إلى حياته الأولى حتى لو كان قد أخفق في امكان متعددة كما حصل مع الإمام احمد بن حنبل .

في واقعة الإمام أحمد كما بيدو لي ، أراد المأمون صنع ساحة سجال إشكالية بين ظواهر اخترقت العمق لكنها أَضَلَّت في محطات متعددة عندما قدمت تشخيصات تبتعد عن الصواب بقدر ما هو أقرب للخيال وأخرى اخترقته من خلال تعاملها مع العقل كمنهج للوصول الي العلم والمعرفة كما اثبته ابن حَنْبَل تدريجياً ، وبالرغم من أن محمد إقبال كان بالولادة صوفي إلا أنه اختلف في مسألتين جوهرتين مع بعض رموزها، الأولى مع مقولة الرومي الأشهر ( إن العقل يترصد قلب الإنسان النابض ويحرمه ذلك الزخم من الحياة الكامن فيه ) ، فقدم إقبال مقولة نقيضة تماماً عندما قال ( أن الإيمان أكثر من مجرد شعور ، فهو يشبه رضى النفس عن العلم والمعرفة ، أي أن قارئ القرآن تماماً كما أوصاه أبيه ، عليه أن يقرأه كأنه اُنزل عليه بشكل خاص ، وهنا يعود محمد إقبال كما عاد العديد من العلماء بالأخذ بوصايا الخالق عز وجل التى جاءت في كتابه المنزل ، الا يتفكرون الا يعقلون ، أي أن العقل عنصر أساسي عند الخالق فلا يجوز التماهي مع المطلق كما حصل مع الحلاج بل القرآن يدعو المسلم إلى الفعل من أجل التأكيد على قيمته الذاتية ، لأن الخالق في النهاية يعتني بالفعل أكثر من الرأي في حين النوايا تستبق عِندَه طالما ارتبط الفِعل الغير متمم بالنوايا .

لقد حاول المأمون تأسيس كيان معرفي علمي من أجل تمكين المسلم وجعله قوة ابداعية متزايدة مع كل معرفة ينتقل معها إلى معرفة أخرى في مكان ما ، وعلى هذا المنطق بنى مفكرين البشرية منطق التجديد وضرورته للخروج من حقبة التوحش والحرقة والاغتراب والتلاشي والعماء بوصفها أعمدة الإنحطاط ، فثمة وقائع صلبة دائماً تشير عن ذاك الامتزاج الفطري بين الظلمة والنور ، من هنا تقع على الإنسان تلقائياً بعد انخراطه في المجتمع العشوائي مهمة كبيرة في إعادة إنسانيته اولاً وإخراج نفسه ثانياً من الظلمة وهذا لا يحصل إلا بالمعرفة وطريق المعرفة هو العقل ، واخيراً تبقى هناك مسألة ثابتة مثبتة منذ اغتيال عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، أنقسمت الأمة بين تنميطين ، الأول كان قد وضع أساسه عبدالله بن سبأ والآخر أسس له معاوية بن سفيان ، منذ ذاك اليوم تخوض الأمة الإسلامية حرباً مركبة ومعقدة وطويلة الأمد ، يحارب أبناءها الفساد السياسي الذي تحول إلى مذهبي تبطيني وايضاً ، الفساد التوريثي الذي نشر الفساد المالي والإداري وبالتالي بفضلهما تجزأت الجغرافيا الي أجزاء وقُسّمت العروة الواحدة إلى عروات متعددة . والسلام
كاتب عربي