تظاهرات باريس أعمق من نزول شارع هنا أو هناك بقلم:د.ياسر الشرافي
تاريخ النشر : 2018-12-10
تظاهرات باريس أعمق من نزول شارع هنا أو هناك بقلم:د.ياسر الشرافي


تظاهرات باريس أعمق من نزول شارع هنا أو هناك

بقلم: الدكتور ياسر الشرافي/ المانيا
منذ أسابيع تشهد فرنسا تظاهرات ، أدت إلى نزول كثير من المواطنيين الفرنسيين كل يوم سبت إلى الشارع بسب رفع الضرائب على أسعار البنزين و الديزل، حيث الجزء الأكبر من تلك الضرائب كان سيذهب للإستثمار في الطاقة النظيفة ، لعدم الإعتماد في المستقبل على البترول من أجل مصلحة المواطنيين الإقتصادية و من أجل بيئة نظيفة لهم ، حيث كانت تلك الإجراءات رغم نُبلها و استحقاقها هي نقطة الماء الأخيرة في الكأس الممتلىء بكثير من المشاكل الإقتصادية و الإجتماعية ، و التي بسببها لم ينجح أي رئيس فرنسي في حلها آخر خمسة عشرة عاماً ، و بل أدى ذلك إلى عدم ترشح هؤلاء الرؤساء أو سقوطهم في دورة إنتخابية تالية ، حيث المشكلة الأساسية في فرنسا تتلخص في اتساع الفجوة بين الأغنياء و الفقراء بوتيرة طردية متسارعة ، مما أدى إلى تصدع الطبقة المتوسطة و تآكلها ، و التي فشلت كل الحكومات الفرنسية المتعاقبة بالحفاظ عليها ، بل مع مرور الوقت ازدادت تلك الفجوة اتساعاً ، من هنا كفرت الجماهير بالأحزاب الكلاسيكية القائمة ، فعاقبتها في الإنتخابات الأخيرة و صبت معظم أصواتها للحزب الفرنسي الجديد ، الذي أسسه الرئيس الحالي ماكرون كخطوة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، لمناداة هذا الحزب بما كانت تطالب به الجماهير الفرنسية ، و هو العمل على وقف اتساع رقعة الفقر في فرنسا ، حيث معظم المتظاهرين أصحاب السترات الصفراء في فرنسا و الذي يقدر عددهم بمئات الآلاف هم من الريف الفرنسي ، وهم أيضاً من انتخبوا الرئيس الحالي ، و هم من يقفون في وجهه الآن لعدم إلتزامه من وجهة نظرهم في كثير من وعود إنتخابية قام بإعطاءها للناخب الفرنسي ، وأهم تلك الوعود هي مراجعة النظام الضريبي مراجعة شاملة و فرض ضرائب تصاعدية على الأغنياء و الشركات الفرنسية الغنية ، مما يتناسب مع الثروة أو القوة المالية التي يملكونها ، وخفض الضرائب على أصحاب الدخل المحدود من ضرائب على السكن أو المواد الغذائية الأساسية ، حيث كانت كثير من الإجراءات في صالح الطبقة المتوسطة و الفقيرة ، و التي كانت ليست بكافية لعدم نزول المواطنيين الفرنسيين و على رأسهم أصحاب السترات الصفراء الى الشارع لقناعتهم المطلقة بأنهم خُذِلو منه ، حيث المواطنيين العاديين و الفقراء إنتخبوه ، و لكن من وجهة نظرهم أيضاً جُل عمله كرئيس لكل الفرنسيين كان لإرضاء طبقة الأغنياء و الحفاظ على مصالحهم ، و من هنا كانت وتيرة المظاهرات عالية و ذات نقمة عليه شخصياً، حيث تعدت مطالب المتظاهرين من خفض الضرائب إلى تغيير النظام السياسي جذرياً، ليدخل الشعب الفرنسي أجمعه في مأزق و هو عدم وجود بديل سياسي آخر بعد تجربته مع كل الأحزاب القائمة و التي لم تستطيع حل مشكلته المزمنة ، و من هنا لم يبقى للناخب الفرنسي إلا اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف لتجريبه في حل مشاكله المزمنة ، لكن تلك الأحزاب للأسف ذات شعارات فارغة ، فلذلك يجب إنتظار ما ستفرزه الإنتخابات الأوروبية البرلمانية في مايو المقبل ، حيث تكون تلك الإنتخابات و نتائجها مقدمة لهوية من سيحكم فرنسا أو دول أوروبية أخرى في المستقبل القريب ، و من هنا يبقى مستقبل الإتحاد الأوروبي على كف عفريت ، خاصة خروج بريطانيا من هذا الإتحاد أذن لحقبة أخرى ، و هي أن غشاء بكارة أوروبا قابل للعبث به و تمزيقه إلى دول متناثرة تتداخل فيه النعرات الطائفية و المذهبية ، و التي حاولت أوروبا من خلال تلك الوحدة التغلب عليها ، حيث اليمين و اليسار المتطرف في فرنسا و جميع الدول الأوروبية يشخص المشاكل الإجتماعية و الإقتصادية لبلدانهم بسبب هيمنة المفوضية الأوروبية العليا لسياسة تلك الدول ، و التي تحاول طمس تلك الهوية الوطنية و إعلاء الهوية الأوروبية ، و هو ما يحارب من أجله المتطرفين الأوروبين لهدم ذلك الصرح الأوروبي العظيم ، و الذي ساهم في كثير من السلم الأوروبي و العالمي إلى الإزدهار الاقتصادي و الثقافي لكثير من دول أوروبا ، و تعدى ذلك القارة الأوربية إلى العالم في سياسة متوازنة ضد قطب واحد بعد إندثار الإتحاد السوفيتي وهي أمريكا ، و التي تعمل بكل قوى على عدم بناء جيش أوروبي لحماية تلك القارة الأوروبية من الوصاية الأمريكية .