الممكن وغيره بقلم:خالد صادق
تاريخ النشر : 2018-12-10
الممكن وغيره  بقلم:خالد صادق


الممكن وغيره
خالد صادق
عاد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو للتلويح بعدوان عسكري جديد على قطاع غزة, وقال «نحن اليوم في خضم وضع يمكننا عمل الكثير عبر شن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قطاع غزة ، هذا إن اقتضت الضرورة، لأننا قد استغللنا ولا زلنا نستغل الوقت ونستعد والمجلس الأمني المصغر قد حصل على اطلاع أولي حول الأمر) وعلى ما يبدو ان حملة درع الشمال لم تلق رواجا إعلاميا عبر وسائل إعلام الاحتلال بالكم الذي أراده نتنياهو وخطط له, حتى أن وزير الحرب الصهيوني المستقيل أفيغدور ليبرمان اعتبرها «حملة هندسية» وليست حملة عسكرية, وهذا ما دفع نتنياهو للعودة مرة أخرى للتهديد بالتصعيد على جبهة غزة, التي فاقمت من أزماته وأزمات حكومته وتهدد بنهاية وشيكة لمستقبله السياسي, نتنياهو يتحدث عن غزة ثانية ويبدو ان مشاهد الدمار في عسقلان, وكورنيت الباص, وعملية العلم البطولية, استهوت نتنياهو فأراد ان يعيد مغامرته مجددا, لعله يستطيع أي يغير صورة المستوطنين تحت الانقاض, واحتراق الباص وتطايره, وأشلاء الجنود وهى تتناثر في عملية العلم, وكأنه أدمن على هذه المشاهد المحبطة له ولكيانه.

من الواضح ان نتنياهو يبحث عن مشهد يستعيد من خلاله ثقة الجمهور الإسرائيلي به, حتى ولو كان المشهد كاذبا, المهم بالنسبة لنتنياهو الصورة وليس النتيجة, خاصة ان حكومته تعيش على شفا جرف هار يكاد ان ينهار به وبحكومته, حالة القلق والرعب التي يعيشها نتنياهو نتيجة أزماته الداخلية التي تستهدفه وزوجته, أدخلته في حالة تخبط سياسي, وهو أصبح يلقي بكل حمله على إدارة ترامب, ويشاركها في كل كبيرة وصغيرة خوفا من إخفاق جديد قد تكون توابعه كارثية للغاية وتأتي بنتائج عكسية عليه وعلى حكومته, خاصة ان وزراء حكومته يحملون له العصي في الدواليب, وينتظرون اللحظة المناسبة لكي ينهالوا عليه ويشبعوه ضربا إذا لم يصدق في وعوده بإعادة هيبة الجيش, أو إن أخفق في أي حملة عسكرية قادمة, نتنياهو يمضي بسياسته بعيدا عن الشركاء, فهو أراد فرصة جديدة بعدم اسقاط الحكومة حتى يستعيد هيبته, وقد منحت له الفرصة من حزب «كلنا» و»البيت اليهودي», وعليه ان ينجز ما وعد به وإلا فمصيره الهلاك.

لذلك لا غرابة ان نجد نتنياهو يفتح جبهة في الشمال, ويفتح جبهة أخرى على سوريا, ويهدد بإعادة العدوان الصهيوني على غزة, فهو يختبر في كل الجبهات إلى ان يصل إلى خيار أخير بالتصعيد العسكري في أي الجبهات الثلاث, وفي كل تصعيد لفظي يضع جملة للعودة خطوة الى الوراء, فهو مثلا عندما تحدث عن إشعال الجبهة الجنوبية ويقصد بها غزة قال «في الوقت الذي نقوم به بعملية درع الشمال على حدود لبنان ،أنا لست معنياً بمواجهة عسكرية مع قطاع غزة أو في الضفة الغربية, ولكن إن كان أمامنا مبرر لذلك بإمكاننا فعل الكثير والكثير». هذه الحالة المرتبكة التي يعيشها نتنياهو الآن سببها المباشر الإخفاق الكبير في الحملة العسكرية التي شنها مؤخرا على قطاع غزة, وأداء المقاومة الفلسطينية الذي كان مميزا ولافتا واستحق التقدير, بالإضافة الى استمرار مسيرات العودة الكبرى على حدود قطاع غزة مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48م والتي تهدف الى التأكيد على حق العودة ورفح الحصار الصهيوني عن قطاع غزة.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو, ما هو الممكن إسرائيليا, وما هو غير الممكن, نحن ندرك قدرات «إسرائيل» العسكرية جيدا, ونعلم تماما حجم الدعم الأمريكي والدولي لهذا الكيان المجرم, ونعلم ان «إسرائيل» قادرة على القتل والتدمير والتخريب في غزة, لكنها أبدا لن تحقق انتصارا, وعدوانها على غزة سيكبدها خسائر فادحة بشريا وماليا وعسكريا وامنيا واقتصاديا, لم يعد العدوان على غزة ممكنا إلا إذا حسبت نتائجه جيدا, وأدركت «إسرائيل» حجم الخسائر التي ستطالها نتيجة هذا العدوان, وهل هي قادرة على دفع هذا الثمن,, لذلك بدأنا اليوم نسمع تصريحات لقادة الاحتلال ان الانتصار في غزة غير ممكن ولن يستطيع الجيش ان يحسم المعركة هناك, وهذا ما يجعل نتنياهو وحكومته يعيدون التفكير ألف مرة قبل الإقدام على أي فعل عسكري في القطاع, غزة دفعت أثمان باهظة قبل ان تصل الى هذا الوضع ويحسب لها ألف حساب, لذلك وضعت غزة تحت نظرية (ما هو الممكن وغير الممكن), والإجابة ليست عندنا إنما هي لدى الاحتلال .