توريث الوظائف من ظاهرة الى ثقافة بقلم : خالد واكد
تاريخ النشر : 2018-12-06
 بقلم : خالد واكد 
  توريث الوظائف من ظاهرة الى ثقافة 

‏‫هكذا تسير الأمور في بلادنا منذ سنوات لا عدالة ولا مساواة فيها، أناس فوق القانون لأنهم أبناء فلان وعلان، هم يرثون مناصب آبائهم الحكومية؛ لنجد ظاهرة التوريث قد أصبحت ثقافة بشكلها الواسع طالت جميع المجالات، الأطباء ينجبون أطباء، والمهندس لابد أن يكون ابنه مهندسًا، والقضاة لا بد ينجبون وكلاء نيابة وقضاة، والضباط الصغار يجاورون اللواءات في وزارة الداخلية والدفاع وسرعان ما يصبحوا عمداء وألوية بحكم صلة الرحم، وأساتذة الجامعات المفروض بهم القدوة في صلاح الامة وخير من يعتمد عليهم في تقديم النصيحة والمشورة للساسة إذ بهم يضربون كل المثل العليا والقدوة الحسنة عرض الحائط، بل أول من يخرق القوانين عندما يحجزون الكراسي ومقاعد المعيدين لأبنائهم وأقاربهم، بل أصدقائهم، رغم أن كل القوانين المعلنة الموجودة في هذه القطاعات لا تفرض تعيين أى من أبنائهم في هذه المواقع العلمية المفترض بها التحصيل المعرفي والمؤهل العلمي هو الفاصل والحاسم في هذا الأمر.
حتى تعيين أبناء العاملين والعاملات في وزارات الاتصالات والبترول والكهرباء، القطاعات الأعلى أجرًا من بين الوظائف الحكومية. أصبح أمرًا معروفًا وملحوظًا بمجرد النظر إلى الألقاب والصلات التي تجمع بين كبار الموظفين وأبناءهم الموجودين في أروقة الوزارات.

فالمشكلة كبرت وازدادت على نطاق عربي عام، وأصبحت ظاهرة وثقافة في كل البلاد العربية دون استثناء، فتوريث الأبناء وظائف الآباء تعدت حدودها بأكثر من اللازم، وصار من الواجب وضع حد قانوني لهذا العبث، ومنع تعيين أبناء المسؤولين في نفس مرفق العمل الذي يديره آباؤهم، كل المواطنين البسطاء والعامة يشكون منها لأنها تعدت الحدود؛ فلم يعد توريث الوظائف للأبناء فقط، بل تعدى ذلك إلى الأقارب والأهل والأصدقاء، وأصبحت بعض المرافق ملك عائلات بعينها، بل الأدهى أن لم تعد الظاهرة في توظيف الدرجات الوظيفية الأدنى، بل وصلنا لمستويات تعيين مباشر وتوريث وظائف عليا، مديلاين ووكلاء، بل حتى وزراء، وهو الإمر إن استمر، فإننا سنرى العجب لنجد أن هذه المرافق أصبحت ملكية خاصة، وهذا سيقضي بشكل نهائي على مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص الوظيفية، فمن حق كل مواطن الحصول على الوظيفة حسب الكفاءة العلمية والجدارة، وليس بالوراثة.

لا مجال للاستغراب والحيرة
لم يعد أحد يندهش حِيْن يلاحظ وجود أسر وعائلات في مؤسسة أو شركة أو قطاع، فالمحسوبية والواسطة أصبح لها قانون خاص تجاوز كل القوانين وسمح للموظفين حق تعيين أبنائهم في نفس الشركة أو المؤسسة التي يعملون بها، وأتاحت للابن أن يجاور أباه في المكتب لقانون غير مكتوب، يعتقد البعض في لحظة سهو أنه قاعدة قانونية وإدارية يجب التمسك بها.

أصبح الواقع يقول ناس من حقها أن تعيش وتأخذ ما تريد من الدولة، وآخرون لا يملكون العيش، ولا حق لهم بأقل اليسير من دولة الشعب، أناس تسير امورهم الحياتية بسلاسة ويسر، وأناس يواجهون الصعاب وكل المعوقات، هذه الثقافة المجتمعية الجديدة المنتشرة، والتي تنتشر، وأصبحت ثقافةً جديدةًا يسير عليها العامة.

في زمن ثورة الربيع التي عصفت بمعظم البلاد العربية، وكان أحد أهم أسبابها ظاهرة توريث منصب رئيس الجمهورية، وهي الوظيفة الأولى في الدولة، إلى ابن الرئيس، يكرس ذلك اليوم وبالأمر الواقع في معظم مؤسسات الدولة فأصبح التوريث أكثر من مجرد فكرة تطبق في مجال محدود، وفي بعض الوزارات والمرافق الحكومية إلى أن صارت ظاهرة عامة يلاحظها الجميع.

أصبح المواطن العادي لا يدخل مرفقًا حكوميًا، إلا ويصادف ابن أحد الموظفين يعمل في نفس المكان، بل نفس وظيفة الأب، سواء خلال خلال مزاولة الأب العمل أو بعد إحالته على التقاعد.

صحيح أن أغلب الوظائف في القطاع الحكومي، ومنذ سنوات تحكمها المحسوبية والواسطة. ويبقى الجديد هو ظاهرة التوريث للأبناء حتى أصبحت الأمور في بعض بلداننا العربية مقبولة ومسكوت عنها، وربما مرحب بها بشكل رسمي من أعلى جهات في الدولة التي تغض النظر عنها، وهي المنوط بها أساسًا رفع المظالم، وإحقاق الحق والعدل والمساواة بين أفراد الشعب.

كل ما يحدث اليوم يؤدي إلى عدم تكافؤ الفرص بين جميع الموظفين وعامة المواطنين الذين سيعانون من التمييز، الذي بدوره سيخلق نوعًا من المظالم التي سيقابلها مطالب حقوقية لن تستطيع الحكومات القادمة حلها، وسينهي وسيلغي أهم نص متداول في جميع دساتير العالم: إن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة او الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو لأي سبب آخر.

التوريث أكبر فساد
إذا لم نعترف اليوم أن عملية توريث الوظائف أكبر فساد وحرمان البعض من فرص يستحقونها فساد، وإذا لم تصغ قوانين توقف مهزلة والده كان وزيرًا سابقًا أو محافظًا سابقًا، أو من عائلة مناضل إبان ثورة الاستقلال والتحرر، وقدم خدمات جليلة للثورة والبلد ومنحه منصب وزير وسفير وتم عد ذلك فسادًا. لا بد أن تكون كافة التعيينات في معظم وزارات وموسسات الدولة وفق معايير العدالة والمساواة بين أفراد البلد الواحد.

وتبقى المحسوبية والواسطة عنوان الفساد وسببًا رئيسًا للتوريث؛ مما يضفي إلى ضرورة تحرك يمنع تضارب المصالح، وبالتالي يجب منع تعيين الأقارب في جميع أجهزة الدولة بدون استثناء كما هو متبع فى دول العالم، وإتاحة الفرص لجميع أبناء الشعب، بدلًا عن احتكار الوظائف على الأبناء والأقارب في جميع أجهزة ووزارات وهيئات… إلخ.

ومما لابد فيه صدور قانون يمنع تعيين الأقارب في أجهزة الدولة خاصة المؤسسات الأمنية والقضائية والاقتصادية والخدمية وغيرها. ويجب أن ترصد الرقابة الإدارية العلاقات العائلية داخل الحكومة والقطاع العام، وأن تقوم بتفكيك هذه الشبكة العائلية بإعادة التوزيع والنقل لأجهزة وأماكن أخرى.

ومهما كانت المظالم الحاصلة من عدم توفر التكافؤ في الفرص بين عامة الشعب فالغلبة لابد ودائمًا ستكون للحق، أَمَّا الباطل فأمره إلى زوال، وتلك سنة: فَأَما الزّبد فَيذْهب جفَاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

فالحقّ يبقى ويثبت، والباطل يزول ويتبدّد. من ذلك يجب أنْ يعرف الجميع أنَّ العدالة أمر لا شك فيه وانه لا يأتي دون جهد يُبْذَلُ وتضحيات تُقَدَّمُ، وقد يتأخر لأنَّ الله تعالى يريد لأهله النصر الأكمل والأعظم والأدوم والأكثر تأثيرًا في واقع الحياة وفي عموم الناس، ودليل ذلك أنَّ نصر الرسول الكريم ومن معه من المؤمنين لم يحصل في يوم وليلة ولا سنة واحدة، بل تأخر مدة من الزمن، ثم جاءهم النصر الذي دخل بسببه الناس في دين الله أفواجًا. واجعل الغلبة دومًا مع الحق والعدل والمساواة بين الجميع .