من هو القائد؟ بقلم بكر أبوبكر
تاريخ النشر : 2018-12-06
من هو القائد؟ بقلم بكر أبوبكر


من هو القائد؟  

بكر أبوبكر

كثيرا ما يتساءل الأعضاء والكوادر في التنظيمات السياسية عن الشخصية "القيادية" "س" أو"ص"، أين هي؟ لمَ لا نراها خاصة في الفعاليات الجماهيرية؟ 

 حين يقف بعضهم في التنظيم أو ضمن مؤسستهم على باب المدير، ينتقدون عدم القدرة على رؤية "القيادات" عندما يطرقون بابها، أو يشكون من إهمال ما يطلب منها، بل قد تصل الشكوى أحيانا الى حد الاتهام للشخصية الموصوفة ب"القيادية" تجاوزا، بأنها تضرب صفحا عن الاستماع لأي فكرة بعيدا عن المطلب أو الشكوى بمظنّة أن هذا القائد يفترض بذاته السمو والكمال وبالتالي الاستغناء عن البشر.

  فمن هذا أو هذه التي تأتي اليّ لتطرح فكرة عليّ أنا "القائد" الجهبذ؟!(المقطوع وصفه) فيتعامل  الجهبذ -ان استقبل الشخص- بخفة وهامشية، أو يبتسم ابتسامة بلهاء، وعقله في بطنه، أو يسرح في مساحات لا صلة لها بالمُقال.

سفاسف الأمور

يشكو كثير من العناصر والكوادر، وتراهم يصرخون على وسائل التواصل الاجتماعي من "المسؤول" عامة، من المدير والوزير ومساعد الوكيل، والوكيل وحسبي الله ونعم الوكيل.

  وهم بصراخهم هذا يعبرون عن رغبة حقيقية بإسماع أصواتهم لمن أدمنوا الظهور الاعلامي على حساب مهمتهم التي خلق البشر جميعا من أجلها أي خدمة الناس.

يتعلّل عدد ممن يعتقدون بأنفسهم أنهم قادة -وفي الحقيقة  هم مدراء او ذوو مناصب عالية في مواقعهم أو موظفون كبار- يعتقدون أنهم يتعاملون مع القضايا الكبيرة! فهم يسخّرون عصارة فكرهم وجهدهم للقضايا الكبرى، لذا فلا وقت لديهم لسفاسف الامور بالالتقاء مع الجماهير.

  ترى مثل هذه النماذج في التنظيمات السياسية وحتى في الادارات أو الوزارات اوالمؤسسات الحكومية بل وغير الحكومية، حتى التي عملها خدمي مباشر، فتتعامل أنت مع المدير أو الموظف وكأنك أمام موسوليني أو الجنرال فرانكو بغطرسته، وطريقة نظره من فوق نظارته للناس!

  ترى من هؤلاء الذين لسوء حظي وحظك وحظ الناس أصبحوا في مواقع خدمة الناس المباشرة، وهم أبعد ما يكونوا عن مفهوم الخدمة الذي هو أصل الاستخلاف الرباني للانسان.

سواء أكانوا في صف القاعدة ولكن لهم شباك مفتوح على الناس. أو أولئك الموظفين الكبار الذين يتَسَمّون "قادة" مجازا وما هم كذلك، لا أحد من هؤلاء الزمرة يلقي بالاً الا لوضعه دونا عن الناس، وكأن لسان حاله يقول:  أنا ومن بعدي الطوفان، فما أنا نوح ولا أريد أن أكون.

القيادة الحكيمة

إن القيادة الحكيمة برأينا هي القيادة التي تدير الشأن العام للناس، وللكوادر تحت امرتها، بكثير من القيم أساسا، وهناك قيادة لا قيم لديها ولكنها بالتعريف العلمي قيادة ومن هنا فإن مصطلح القيادة علمي، أكان محملا بقيم ايجابية أم سلبية، ونحن نريد الاولى.

 إن تركنا ذلك جانبا لتفصيل لاحق، فإنه لا يمكننا أن ننظر للموظف الكبير في موقعه على أنه قائد مطلقا، فلكل مصطلح معناه الذي ان تم تجاوزه فنحن نخلط بقصد أو دون قصد بين الكثير من المعاني.

ما كان الكاتب المخضرم محمد حسنين هيكل قائدا رغم قدراته العقلية العظيمة، ولا كان عباس محمود العقاد قائدا رغم عبقريته الادبية المشهودة، ولا يمكن أن نرى بمحمود درويش قائدا رغم شاعريته الطاغية وتأثيره وابداعيته التي فاقت المحلية لتصل للعالمية، وليس في ذلك انتقاص لاي من هؤلاء العظماء بقدر ما هو وضع للمفهوم أو المصطلح في مكانه الصحيح.

تسابق الكثيرون على المشاركة في مسيرات العودة في غزة الأبية، او المشاركة باعتصام الخان الاحمر بالقدس، أو في مواقع المواجهة المختلفة في فلسطين، وحيث نظر الناس لوجود الموظفين الكبار، أو بمن يتَسَمّون قادة تجاوزا، فإنهم أشادوا بحضورهم وعبروا عن اعجابهم، فالقائد الفلاني موجود عند السلك في غزة والقائد العلاني يبيت في الخان الاحمر، وثالث يتواجد في مسيرة كفر قدوم أو النبي صالح، وتلعلع قمرات (كاميرات) التصوير لتظهره على صفحات الصحف او في وسائل التواصل الاجتماعي

من هنا لا نجد للصفة (صفة القيادة) لزوما حين المشاركة الفردية للموظف الكبير (رئيس الوزراء والرئيس لأي مؤسسة أو دولة الخ هو موظف كبير) الا إن مارس الدور المناط به ليكون قائدا.

 فلا قائد بلا جيش، أي لا قائد بلا أفراد يخضعون أو ينضبطون ويلتزمون بادارته ونهجه، وأساليب عمله بطوعية الايمان، ومن هنا كان الشرط الاول لمصطلح القائد هو: أن يوجد أفراد لهم صلة وارتباط بمسؤولهم أو قائدهم.

  وهذا الشرط غير كافٍ إذ يفترض أن الصلة بينهم تبادلية من تأثير، وفي جميع الاحوال يكون التأثير للقائد على الأعضاء أو "الاتباع" هو الأكثر قوة قطعا والاكثر دفعا.

انا حين أشارك في مظاهرات العودة في غزة أو مواجهات بؤر الصدام مع الاحتلال في شمال الضفة وجنوبها، أو في الخان الأحمر، أشارك كمواطن وكمناضل وكمبدع نعم.

القائد هو عبدالسلام

  لكنني لا اكون مشاركا كقائد الا كما فعل عبدالسلام وهو الشاب الذي يشارك دوريا في كل الفعاليات محاطا بما لا يقل عن 120 اخا واختا، هم الأفراد الذين يستلهمون فكره أونموذجه ويتبعون أوامره أو توجيهاته بمودة وثقة، ويحققون الهدف المتوافق عليه جماعة وليس فرديا، هذا هو القائد.

ان القائد ليس ذاك الوحيد العاري بلا جند، الذي يقابل قمرات (كاميرات) التصوير وبعد عدد من طرقعات عدسات التصوير، تلتفت يمينا او شمالا فلا ترى الا غبار حذائه.

إن من يغلق عليه مكتبه دون الأفراد ليس قائدا، فالأفراد الذين هو مسؤول عنهم ولا يتواصل معهم أولا ينخرطون بعمل ملتزم معه، ولا يقدمون أقصى ما عندهم تحقيقا للهدف، هم "حشد من الناس" ليسوا "تنظيما" وهو ليس قائدهم.

إن التأثير القيادي لا يستمد فقط من القوانين او الصلاحيات كما الحال مع المدير، وانما يرتبط بشخصية القائد الى الدرجة التي يستطيع فيها ان يستشعر عظم المسؤولية ويستخرج من الأفراد أفضل ما فيهم، او يجعلهم يقومون بالعمل نيابة عنه، أو هو الذي يمتلك القدرة العالية على الحث والتحريض، وبالتالي جعل الناس تحت قيادته تتجه حيث وُضعت الأهداف فيستخرج منهم ابداعاتهم وأفضل ما يمتلكون.