انفتاح النص في شعر زكرياء اعافر بقلم عبد الله عبد الهادي
تاريخ النشر : 2018-12-05
انفتاح النص في شعر الشاعر زكرياء اعافر

يتميز النص الشعري بمجموعة من الخصائص البنيوية التي تجعل منه نصا فريدا، سواء من حيث هندسته الشكلية القائمة على خصوصيات يقع في أعلاها الجانب الإيقاعي، أو من حيث بناءُ "عالم النص" بتعبير البعض. ولقد دأبَ النقد –منذ ظهور المدرسة البنيوية- على اعتبار النص كائنا منكفئا على ذاته غير منغلِقا غيرَ متوقفٍ على سواه من العناصر الخارجية، الموقفُ الذي كان يسعى به أصحابه إلى الابتعاد بالنص عن كلِّ ما يمكن أن يمثل تشويشا عليه ليظل بذلك نصا "عذريا"، معلنين بذلك فكرة "موت الكاتب".

غير أنّ فحص هذه الفكرةِ والإمعان فيها سيفضي بنا إلى حقيقة تثبت التعارض التامَّ مع حقيقةَ النصِّ؛ ذلك أن النصَّ يتميز في كنهه بكونه كائنا ديناميَّا محضا، ولعلّ أحدَ العناصر البنائية التي تبرز دينامية كل نصٍّ وحيويته وتقِف ملمحا من الملامح الدالة على كفاءة الكاتب معا، هي مدى مقدرته على الانفتاح بالنص على عوالم أخرى متضافرة ومتفاعلة يستطيع احتواءها بين عِطْفي نصِّه، وهو المبدأ الذي اتخذ عند النقاد مفاهيمَ عديدةَ تحمل كنها واحدا؛ هو التفاعل النصي مع شتات من النصوص الأخرى الوافدة من شتى الفضاءات، من هذه المفاهيم: التناص، التفاعل التداخل النص..إلخ. وستكون الغايةُ من خلال هذا المقالِ دراسة عجْلى لهذا المبدإ باستخلاص بعض النماذج النصية من شعر زكرياء أعافر.

الشاهد الأول:

يقول الشاعر في إحدى قصائده:

أحب من استطعت فأنت ماض   تشيعك القصائد والهمومُ

في هذا البيت تفاعل نصيٌّ واضح مع الحديث النبوي الشريف: " يَا مُحَمَّدُ أَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ ؛ فَإِنَّكَ مُفَارِقُه , وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ ؛ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ , وَعِشْ مَا شِئْتَ ؛ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ.." الحديث.

الشاهد الثاني:

يقول:

"إن العيون العيون التي في طرْفها حوًرٌ" يا حبُّ ! أورَثها الهروينُ وسواسا

ظاهرٌ أن في هذا البيت، ولا سيما في شطره الأول، اقتباسا من الشاعر الأموي جرير، من القصيدة التي مطلعها:

بَانَ الخَليطُ، وَلَوْ طُوِّعْتُ ما بَانَا            و قطعوا منْ حبالِ الوصلِ أقرانا

أي البيت الذي يقول فيه:

إنّ العُيُونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ      قتلننا ثمَّ لمْ يحيينَ قتلانا

الشاهد الثالث:

يقول:

ولم أسرْ تائها من خلفها يئسا     أقول: (إنّ معي ربي سيهديني)

في هذا البيت ضمّن الشاعر جزءا من آية في سورة الشعراء؛ يقول الله تعالى في هذه السورة:

فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)

الشاهد الرابع:

يقول:

وأنتِ إني أرى منك الكثيرَ هنا     أرى الكثير ولكن ما هنا أحدُ

أما هنا فإن الشاعر يتفاعل مع شعر ابيات علي بن أبي طالب:

ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم       اللَّهُ يَعلَمُ أَنّي لَم أَقُلْ فَنَدا

إني لأفتحُ عيني حين أفتحها      على كثيرٍ ولكن لا أرى أحداً

الشاهد الخامس:

يقول:

الحب ميْتٌ أنا أُضفي الحياةَ به    وإنما الحبُّ تحييه استعاراتي

نجد في هذا البيت أن الشاعر وظف انفتاحا نصيا من نوع آخر مغاير لسالفيه، وهو أنه دخل هذه المرةَ في علاقة نصيةٍ مع عنوان لكتاب؛ أعني الكتاب المشترك بين الفيلسوفين الأمريكيين جورج لايكوف ومارك جونسون الذي يحمل عنوان: الاستعارة التي نحيا بها.

هذه إذن -في عجالة- بعض الشواهد الشعرية التي التي تعكس الانفتاح النصي في قصيدة الشاعر زكرياء أعافر الامر الذي يجعل القارئ لشعره يستحضر بعض النصوص الدينية والادبية التي تعطي جمالية اكثر للقصيدة.

بقلم الباحث عبد الله عبد الهادي