التنظير النقدي الأدبي في الجزائر وإشكالية غموضه، نماذج مختارة بقلم: زياد بوزيان
تاريخ النشر : 2018-12-02
الكاتب : زياد بوزيان

‏ يُحسب للنقد الأكاديمي التنظيريّ في المغرب العربي شرف السبق ( الجزائر و المغرب بالخصوص ‏‏) في النهوض بالنقد الأدبي العربي منذ الثمانينيات بحكم العلاقة التاريخية بفرنسا ، صاحبة ‏الريادة في مناهج كان لها أثرها الواضح في العّالم كله كالبنيوية بروافّدها ، وترجمة الشّكلانية ‏الروسية ، التي ّلم تكّنّ لتعرف لولا ترجمات الفرنسيين المبكّرة لأعماُلها ، إذ راحت تترجم و‎ ‎تدير حوله الندوات تلو الندواتّ ، خذ المدرسةّ البنيوية الفرنسيةَّ مثلاﹸ باتجاهاتها الثلاث ‏والأدب المقارن في شقه الفرنسي/مدرسة التأثير، فإن كانت قد استهوت المهتمين ‏و المشتغلين عليّها من النقاد العرب كالمصريين ، وأغوتهم لتطويرها وتطويعها في جامعاتهمّ ‏ومجامعهم اللغوية و لعلمية ، فإن نظرائهم الجزائريين قد فتنتهم وجعلتهمّ أسرى نظرياتها حتى ‏بعد فوات أوان رواجها ، ويحسب للجامعة الجزائرية الرّيادة في إدخال النقد السيميائي ‏وتطبيقه على الساحة المغاربية ، كما حاولت أن تجعل منه منهجا معياريا ‏لتحليل النصوص الأدبية وذلك في المؤتمر العربي للسيميائيات الذي عقد في جامعة سطيف ‏سنة 1988 ، لكن يُلصق بتلك الترجمات والمصنفات و‎ ‎الجهود النقدية الجزائرية التي تشكل ‏الآن بعد 30 سنة تراكما معرفياﹰ خاصية الغموض ؛ إن على مستوى المفاهيم ـــ خلط بين ‏المفاهيم وإنفلات في المعانى نتيجة خلل يحدثه التلاعب بالألفاظ ، خاصة في إقترانها ‏بالمصطلحات ، إنما يمضى في محاولة الإمساك بمعنى ما باستطرادات مفاهمية نقدية هي ‏الأخرى مستعصية على الفهم تفسير كتفسير الماء بالماء هو و بعد جهد ومشقة ، أو في ‏أسوأ الأحوال شرح الغامض بمفردات غامضة مقابلة في لغتها الأجنبية ـــ أو على مستوى ‏المصطلحات ، أو هما معاﹰ ، سواء من قِبل النقاد و الأكاديميين المشارقة : فسمة الغموض ‏تلك سبق وأن أرجعها الناقد المصري صلاح فضل إلى الترجمات المتواضعة عن الفرنسية ‏وهو كأنما يشير إلى مرتاض وحسن بحراوي أنذاك في قوله : « بُعد أو قرب هذا القطر أو ‏ذاك من هذه الدولة الغربية ( الأوروبية ) أو تلك ، قد أثر هو الآخر في استخدام لغة ‏هذه الدولة أو تلك ، كما كان لتخرج أبناء هذا القطر العربي أو ذاك من جامعات غربية ‏عديدة ومتنوعة ، (…) أن عملية التثاقف القطرية الأوربية هذه ، كانت أحد الأسباب ‏التي جعلت من ارتحال المصطلح ( ترجمته ) من تلك الدولة الغربية إلى هذا القطر ‏العربي ، يختلف عنه لو ارتحل إلى قطر عربي آخر ، مما أفضى إلى نتائج غير سليمة ‏، وذات تأثير سلبي على استخدام المصطلح ، ومن ثم استخدام المنهج » [1] ، وأرجعه ‏الناقد السعودي حمد ابن ناصر دخيل إلى التسرع في الترجمة ، أو إلتماس الترجمة الحرفية ‏التي أثبتت فشلها ، أو من الطلبة والباحثين الجزائريين أنفسهم ( لعل كاتب هذا المقال واحد ‏منهم حيث فهم التفكيكية من حيث هي كل شيء ولا شيء بينما لم يفهم تنظيرات الجزائريين ‏النقدية) ولعلّ بينة الحكم الذي يأتي من المتتبع الحيادي من خارج الدائرة كإحدى الباحثات ‏السودانيات المطلعة على التنظير النقدي بالمغرب العربي وهي تقر بالغموض بل بغرابة ‏السيميائية الخليقة بأصلها الفرنسي ،‎ ‎‏ ما بالك بفهم المغاربة لها مترجمة . ولعل الأجدى ‏بالتنويه في قولها : « إن هذه الدراسة جاءت لتحقيق هدفين : الأول هو استكناه هذا ‏الحقل (السيميائية) الموحي بالغموض والغرابة والثاني .. » [2] أنه إحدى نتائج مقارنةﹰ ‏أعمال العرب المشارقة المؤلفة أو المترجمة عن الأنجلوسكسونية في مجال النقد بنظرائهم ‏المغاربة ، منذ ترجمات أحمد حسن الزيات إلى ترجمات منير البعلبكي ، حسب اطلاعنا ‏بالموضوع منذ عقد ونيف أنها ترجع إلى :‏
ـــ ضعف مستوى الترجمة.‏
ـــ تكديس المفاهيم النقدية في الدرس الواحد ، وعدم ضبط المصطلح النقدي إرتباطا بالعامل ‏السابق (يصبح فضفاضاﹰ أو مناقض تماما لمعناه النقدي الاصطلاحي فضلاﹰ عن معناه ‏اللغوي) ‏
ـــ محاولة خلق لغة نقدية أدبية جزائرية ، على غرار اللغة النقدية المغربية وأكبر نموذج عبد ‏الملك مرتاض في كتابه " في نظرية النقد" الصادر العام 2005 عن دار هومة بالجزائر.‏
ـــ عدم منح الفرصة للنقد المتميز وصاحبه حتى يطوي به العمر ويذوي بعيدا عن المراكز و ‏الجامعات الكبرى ، فلا يعرفه البحاثة والمختصون ، كحال الناقدين بشير بويجرة من جامعة ‏معسكر و صالح مفقودة من جامعة بسكرة ، وحتى مخلوف عامر من جامعة سعيدة إلى حد ‏ما.‏
ـــ النشر الإعلامي المكثف للدرس النقدي ، الذي يهدف صاحبه إلى اكتساب الشهرة على ‏حساب دقة ما ينشر ، حتى وإن كان المعنيون ها هنا دكاترة وأساتذة شباب مختصون، لكنهم ‏لا يتحرون تدقيق ما ينشرونه هنا و هناك ؛ لا يستثنون قناة من القنوات ولا فضاءا من ‏الفضاءات إلا و غزوه بمقالاتهم التنظيرية ـــ حتى و إن كانت مكررة ــــ طمعا في تكوين الاسم ‏، من هؤلاء أذكر الدكتور جميل حمداوي من المغرب والدكتور واليامين بن تومي من ‏الجزائر.‏
وسنحاول تفسير وشرح هذه النقاط ، نقطة فنقطة عبر نماذج مختارة بصفة عشوائية في هذه ‏العجالة :

‏1 ــــ ضعف مستوى الترجمة ‏

‏ ولم يطرح السؤال حول هذا المنجز النقدي النظري الأدبي التراكمي مؤلفات و ترجمات ، ‏لماذا بقي حبيس مكتبات الجامعات الجزائرية إلا فيما ندر؛ عندما يتعلق الأمر بالصدقات ‏وبالعمل في الجزائر؟ هل ذلك يعود إلى العامل التجاري فقط كما يدّعي البعض أم يعود إلى ‏غموضه؟ فباستثناء المؤلفات الفكرية و النقدية لمالك بن نبي ومحمد أركون ومرتاض وعلي ‏حرب في الجامعات والمكتبات العربية تبقى الأسماء النقدية السّاطعة في الجزائر باهتة ، بل ‏غير معروفة في الوطن العربي إذا ما استثنينا عبد الملك مرتاض والزواوي بغورة في الخليج ‏العربي ، و لا نجد من محاولة لإيضاح المشهد ورفع غشاوة لبس الصورة هاته و تعسفها ‏أفضل من المقارنة بالخماسي النقدي المغربي الخاطف للأضواء : محمد برادة ومحمد ‏مفتاح، حميد لحمداني وسعيد بنكراد وسعيد يقطين. الذي أصبح يحسب له ألف حساب في ‏جامعات مركزية عربيا كالقاهرة وبيروت وغيرهما عن ذلك يقول بشير محمد بويجرة : «.. ‏الإشكال في المسار النقدي والأدبي في الساحة الجزائرية ، إنما هو إشكال اللغة ، ‏لكونها عرفت أوضاعا خاصة لم تعرفها بقيت الأقطار العربية الأخرى »[3] ، وبويجرة هاهنا ‏مُحق وربما تكون جرأته سبب في تهميشه[4] ، حيث الأساس في الترجمة أي ترجمة هو ‏الإلمام الجيد باللغتين المنقولة/الأجنبية والمنقول إليها/العربية ، أما اللغة الأجنبية / الفرنسية ‏سنجد أنفسنا أمام فريقين : جيل سابق هو جيل مرتاض و‎ ‎أبو العيد دودو ومحمد مصايف ‏رحمهما الله ، أخذ أول ما أخذ اللغة الفرنسية عوض اللغة العربية من المدرسة الجزائرية ‏المفرنسة في الخمسينيات والستينيات بالتالي لغتهم الفرنسية أفضل حتى من الفرنسيين أنفسهم ‏أما عربيتهم فتعتريها شكوك ، حتى لا نقول غير ذلك ، وجيل لاحق هو جيل الناقدين رشيد ‏بن مالك و سعيد بوطاجين على سبيل المثال ، و نُلفي الحاصل مع هذا الجيل هو العكس ‏بالعكس ، والنتيجة هو أن كلا الفريقين غير مؤهل لترجمة الدرس/ المنهج النقدي الفرنسي ‏إلى العربية لأن شرط إجادة جيدة للغة المنقولة و المنقول إليها معاﹰﹰ غير مُستفاة . ولعلّ ‏الفرق بين النقاد المنظرين المغربيين المذكورين أعلاه و نظرائهم الجزائريين هو أن الأخيرين ‏لا يقرون في غالبيتهم بضعف ترجماتهم ، بل ويغترون أحيانا و يعتبرون الأمر ثانوي ‏وهامشي! عكس المغربيين كسعيد بن كراد المُقرين دائما وكلما سمحت الفرصة بكونهم نقادا ‏وليسوا مترجمين ، لعله سبب من أسباب تقوقع الترجمات/ البحوث النقدية الجزائرية وإنحصارها ‏في الجامعات الجزائرية إلاّ ما رحم ربك. ربما أن فرانكفونية أصحابها زائدة عن اللزوم في ‏وضع لا يجب أن تكون فيه كذلك ، لأنها تجعلهم يرتابون في توصيل جوهر المعنى أـم ‏جوهر اللفظ ، وعندما نعلم أن بعض المدارس النقدية كمدرسة باريس السيميائية تعنى ‏باستفاء المعنى من اللفظ فإنها الطامة الكبرى ، و لا تعني الفرانكفونية ها هنا الكتابة ‏والتأليف باللغة الفرنسية كما يفهمها الكثيرون ، بل هي حب مفرط للغة والثقافة الفرنسية ‏نتيجة علاقة النمو و‎ ‎الترعرع تعليمياﹰ وأكاديميا /الدراسة العليا في السوربون وما شابهه.‏

بادئ ذي بدء لا بد من الوقوف عند ظاهرة مستفحلة في بعض الأنساق الثقافية المعاصرة ‏تماما كنسق البحث العلمي و الفكر النقدي الأكاديميين في جامعة الجزائر2 ، ولم يأبه الدرس ‏النقدي عندنا بأهميتها وخطورتها لو بقيت مضمرة ألا وهي ظاهرة الناقد والباحث الفحل ؛ ‏التي ينمذجها بامتياز الروائي والإعلامي أمين الزاوي ، خطاباتهم المضمرة التي يتجنبها النقد ‏الثقافي عندنا بالجزائر، وهي الخوض بفحولة وبأبّهة النجومية في كذا من تخصص كون ‏صاحبها قد منح شهرة أوصلته إلى درجة "مفكر فحل" يخوض حتى في المقدسات وأعقد ‏المواضيع المحيطة بها ، فماذا ستعني الترجمة و المقالة/الخطابة الإذاعية أمام هكذا مفكر ‏حر و فحل؟ أكيد ولا شيء ، و الزاوي كما هو معلوم اختص بمحظور التفنن في وصف ‏الجنس روائيا خطاب الجسدdu corps ‎‏ ‏discours‏ هكذا يدعى في الثقافة الفرانكفونية ، ما ‏من رواية يكتبها إلا ويكون الجنس والمرأة موضوعها الأساسي ، ما من ندوة أو مقابلة مع ‏قامة كبيرة إلاّ وكان الجنس ضمن الثلاثي الروائي المحرّم موضوعها الأساسي ، لكن في ‏سؤاله لضيفه الشاعر اللّبناني الكبير تنكشف أدواء فحولة متمركزة حول ذاتها تمركزا وهميا لا ‏شعوريا وآليا ، ليس ليكوّن جمهوره من خلالها. لكن كي يطعن كذلك في الدين والسلطة ، ‏طبعا المقاومة والشد والجذب مع جمعية العلماء المسلمين وغيرها ـــ كما حدث في قضية ‏إزدراء الرسول (ص) عام 2009 إثر اصطدافته لأدونيس بالمكتبة الوطنية ـــ ستثبته فرضيا ‏وترسبه مفكرا فحلا في مَخيال الثقافة الجزائرية الراهنة ؛ فهو بعد أن طرح السؤال : كيف ‏نكتب الجسد‎[‎‏5‏‎]‎؟ على ضيفه الشاعر والمفكر أيضا بول شاؤول الذي كان ذكيا ولم يكن ‏مراوغا ـــ كما قد يتبدى لغير المختصين ـــ بحيث كشف فحولية أمين زاوي في التعاطي ‏النرجسي مع قضايا الدين و السياسة و احتكار هكذا مواضيع عنوة ، والتي ليست لها ‏سياقات ثقافية لذا تبدو ترجمتها ملتبسة ؛ ‏le corps‏ في فرنسا هو الجنس والجسد غير ‏جماليات الجسد لكن في الجزائر ستبقى دلالات "الجسد" هي الجسد ، لتكوين قامة وهمية ‏و زائفة مناهضة لتقاليد المجتمع المحافظ ، مجيبا على سؤاله كالتالي: الجسد هو الذي يكتب ‏موش إحنا ، الدماغ جسد ، اليد جسد هي التي تكتب. وعُقد بعدها لسان أمين الزاوي تماما ‏ولم يزد ببنت شفة.‏

نموذج آخر مختار عشوائيا عن استسهال الترجمة بمجرد أن صاحبها ضالع في اللغة ‏الأجنبية ، مأخوذ من العدد 12 مجلة اللغة والأدب جامعة الجزائر2 ، صاحبته أستاذة ‏اللسانيات خولة الابراهيمي حين تقول : « مشاكل الترجمة والنقل من لغة الى أخرى كثيرة ‏ومعيقة. ومن أصعبها نقل المفاهيم الأجنبية وقد وضعت في مجال حضاري معين، ومن ‏أهم الصعوبات التي نلاقيها وجود المقابل الاصطلاحي العربي للدلالة على هذه المفاهيم » ‏حتما ذلك المصطلح الذي تبحث عنه يكون موجود بشكل مقارب في تراث اللغوي العربي ، ‏لكن هل هل سيهتدي إليه كل من له أصلا كبوة أو ثغرات تعلّم اللغة في مرحلة الصغر ، ‏جراء الظروف التاريخية والاجتماعية ، حتما لا ، حتى ولو كان أو كانت من الذكاء بل ‏والعبقرية بحيث تجعلها تتخصص في اللسانيات العربية وهي بنفسها تقر بذلك ، حين تقول ‏أنها بصدد تعريب أساتذة التعليم العالي [6] ثم تخوض في شرحها لترجمة كتاب "محاضرات ‏في اللسانيات النصية" العنوان الذي اختارت له الترجمة التالية : مبادئ في اللسانيات ‏النصية ‏Eléments de linguistique textuelle‏ ‏‎ ‎وهو خطأ ، بل الأقرب إلى الصحة هو ‏مبادئ اللسانيات النصية بدون في ‏dans‏ ثم تدلف إلى الباب الأول : وحدة التحليل النصي: ‏القضيةproposition ‎‏ متحاشية الترجمة الحرفية لكنla question ‎‏ ها هنا هي الترجمة ‏الصحيحة ﻟ"القضية" أما ‏‎ propositionفتعني الاقتراح أو الافتراض [7]. ‏
وفي نموذج آخر" عن التداولية " لنفس المنظرة في العدد 16 بمجلة اللغة والأدب الأكاديمية/ ‏الجزائر2 ، يتبين فيه سوء الترجمة من الوهلة الأولى في العنوان الفرعي : التداولية ‏‏/ المفهوم ـــ ويندرج ضمنه ترجمة فقرات حول مصطلح التداولية ويساعدها في ذلك زملاء ‏كما تقول[8] ـــ لكنها لم تذكر تخصصهم ، يعني في تقديرها في هذا العنوان الفرعي باستعمال ‏الشرطة المائلة أن التداولية مرادف المفهوم! كما يلاحظ إهمال تام لنظام التنقيط في نصها ‏الذي من المفروض أن يساعد على فهم جمل النص. وبالتالي فهم التداولية باعتبارها أصلا ‏مفهوما نقديا جديدا وعصي على الفهم.‏
ومما جاء من ترجمتها لمفهوم التداولية كمصطلح جديد عن النقد العربي بحسب مقاربة ‏مقاربة إيلوار ‏Eluerd‏ بقولها : « التداولية إطار(...) فيما أفرزته من تصورات ‏صورية مبالغ فيها..» [9] في هذه الترجمة غموض فادح تجعل من مفهوم التداولية غامضا ‏لدى الباحثين فضلاﹰ عن الطلبة ، لعل الكثيرون مثلي لا زالوا لا يعرفون كيف يتصور ‏المتصور؟ وهناك في نفس بحث الكاتبة عدة كبوات ترجمية لا يسع المقام لذكرها جميعها ، ‏بينما لا بأس من ذكر ما ورد في البحث الذي قبله مباشرة في هذا العدد من مجلة اللغة ‏والأدب وهو بحث بعنوان مفهوم النص عند المنظرين القدماء لمحمد صغير بناني ، من ‏أخطاء ترجمية عديدة بخاصة التي أوردها في حواشي البحث حيث يترجم الاستطراد ‏discursives‏ بالاستقراء‎ ‎‏ و ‏théorie de l’évolusionisme‏ بنظرية التطور الارتقائي ‏مجانبا ترجمات مشرقية متفق عليها وهي النظرية النشوئية كما أن في الارتقاء معنى الصعود ‏، ولا يأتي بأداة التعريف : النكرة تتبع النكرة والمعرفة المعرفة كذلك في اللغة الفرنسية ، ‏ويقول أن ‏anomalie‏ هو الشذوذ لكن يرافقه بترجمة أخرى هي اختراق الدلالة! وعلى العموم ‏يورد ترجمات تأخذ بعين الاعتبار المعانى وليس لألفاظ و هي مقبولة عندما يتعلق الأمر ‏بالتماس المادة العلمية لا الحرفية الشعرية كقوله ‏referentiel‏ تعيًني (بضم الياء) في ‏تعريفات الجرجاني لا مرجعي.‏

غير أنه بالحفظ والاستسهال بالعادة ، الذي هو المنهج السري المخالط للمنهج العلني ، ‏يصبح كل شيء واضح ويستمر دوران الحلقة أبا عن جد ، فخولة الابراهيمي أستاذة ‏اللسانيات ورئيسة مخبره ، غير أنه تَظهر فرانكفونيتها في قسم اللسانيات العربية ، جلية ‏نتيجة تكونها باللغة الأجنبية في مراحل الصبا وتأليفها كتبا في اللسانيات بالفرنسية ، ‏وترجمتها للمقالات الأجنبية طبعا ، أما عن مطواعية لسانها للتحدث بالعربية ففيه كلام لا ‏يمكن التملص منه بسهولة.‏

أما الأستاذ عبد القادر بوزيدة الذي يشغل رئيس قسم مخبر الترجمة في قسم اللغة العربية ‏وآدابها بجامعة الجزائر2 ، وكان موضوع بحثه للدكتوراه ترجمة فعل ‏être et avoire‏ في ‏العربية،‎ ‎‏ يأتي هو الآخر بترجمات غير مضبوطة تمام الضبط تنم عن الاستسهال ، وجدت ‏الكثير منها في أعداد مختلفة من مجلتي اللغة والآدب والآداب واللغات اللتين يصدرهما القسم ‏المذكور أعلاه ، غير أني حملت عينة فقط منها وهي قوله أن:‏
السبك(التماسك) هو: ‏cohésion‏ بينما الالتحام والانصهار هما الأدق.‏
المقامية هو : ‏Situationalité‏ لكن المرحلية هي الترجمة الأقرب للصواب.‏
الحبك(الانسجام) هو ‏cohérence‏ لكن الترابط وهي الأقرب إلى حمل المعنى.‏
القصد هو ‏intentionalité‏ ، الصحيح هو القصدية و القصد غير القصدية ‏
الإعلام هو ‏informativité‏ ، الصحيح هو الإعلامية والإعلام غير الإعلامية
التناص هو ‏intertextualité‏ ، الصحيح هو التناصية و التناص غير التناصية [10]‏

ويقوم هذا المنظر والباحث الجزائري في مقاله مدرسة "تارتوـــ موسكو" سيميائية الثقافة و ‏النظم الدالة على إحراج الباحث المغربي جميل الحمداوي بتخطيئ معلوماته حول المدرسة ‏دون تنويه و لا إشادة بالجهد ، كما دأب أن يفعل مع طلبته ( كونه يحرص على التماس ‏الدقة على طلبته فقط ولا يحرص عليها على نفسه أكان ناطقا أو كاتيا أو ضاربا للأمثلة! ‏‏) وكان ذلك في العدد 3 مجلد 35 الصادر سنة 2007 من مجلة عالم الفكر الخاص ‏بالسيميائيات ، لكن بمقارنة بسيطة بين مقال الأستاذين من ناحية الأخطاء اللغوية سنجد أن ‏مقال الحمداوي الأقرب إلى تحري السلامة اللغوية من مقال بوزيدة ولاريب في ذلك ، كون ‏الباحثين الجزائرين المخضرمين تلقوا أول ما تلقوا اللغة الفرنسية في حداثة سنهم في ‏أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي ، ناهيك عن لهجة مدرسة العائلة، فالعائلات الجزائرية ‏في المدن والحواضر الكبرى تلقن أبناءها عربية مشوبة بالفرنسية والألفاظ التركية والأمازيغية ‏وإذا ما تجاوز الشخص مرحلة الطفولة كما تقول به نظرية الاكتساب لنعوم تشومسكي لا ‏يكون بمقدوره التحكم بيسر في قواعد اللغة لفظا أو كتابة ، والنظرية تنطبق على بوزيدة وهو ‏الباحث الفذ لمّا يقول : « مدرستي "تارتو" و"موسكو" والمشارب الفكرية والثقافية التي نهلتا ‏منها » ولما يقول : « وهو اختلاف يضرب بجذوره بعيدا في تاريخ..»[11] والصواب ‏‏: مدرستي "تارتو" و"موسكو" والمشارب الفكرية والثقافية اللتين نهلتا منهما ، وهل الجذور لما ‏تضرب بعيداﹰ تضرب أفقيا أم عموديا؟ بل الأصوب هو تضرب عميقاﹰ ، والملاحظ في بحثه ‏هو وجود خلل واضح في استعمال المزدوجتين والأقواس التي كثير ما يحرص على اتباع ‏خطوات محددة بخصوصها على طلبته ، و في توزيع الفواصل على الجمل بشكل كارثي مع ‏التحفظ الشديد حول هذه الملاحظات من منطلق أن هذه الأبحاث التي ينشرونها في بعض ‏المجلات الثقافية ، كمجلة عالم المعرفة ، لا تكتسي صبغة البحوث الأكاديمية بمعنى الكلمة ‏بل تشبه إلى حد ما ورقة أو خطبة معدة للإلقاء أو المقال الموضوعي ، و خلاصة الأمر ‏أن هناك غلبة النزعة الأيديولوجية على الباحثين الجزائريين تُعميهم عن أمور عدة منها ماهو ‏مكلف كاستسهال الترجمة.‏

وقد لا يُلتمس في التنظير النقدي الجزائري بخاصة ، والمغاربي بعامة الغموض من جراء ‏الترجمة عن الفرنسية فقط ، بل كذلك من الترجمة عن الترجمة ، والإطناب المصطلحي ‏أو التقتير المصطلحي ، في وجود إشكالية ترجمة المصطلح كما في هذا الشاهد : "إن ‏السيميولوجيا تدرس العلامات وأنساقها ، سواء كانت هذه العلامات لسانية أم غير ‏لسانية" وهل هذه الأنساق هي غير العلامات لسانية وغير لسانية؟ حتى يذكرهما المنظر ‏معاﹰ هذا من شأنه إرباك الطالب وتشتيت طاقاته ؛ عندما يدخله الظن أن هذه العلامات هي ‏غير الأنساق وإلاّ ما كانت لتُذكر.هذه هي الترجمة الحرفية التي تحدث عنها حمد دخيل.‏

أما التقتير المُحيل إلى الغموض في قول المنظر المغربي :« تستند البنية السطحية إلى ‏مكونين أساسيين : المكون السردي ، والمكون الخطابي. يدرس المكون الأول الأفعال، ‏والحالات، والتحولات، ومنطق الجهات، والبنية العاملية. في حين ، يدرس المكون ‏الخطابي الصور من جهة، ويقارب الحقل المعجمي والحقل الدلالي والأدوار التيماتيكية ‏التي يقوم بها الفاعل من جهة أخرى» [12] أي صور تلك المقصودة؟ المتلقي يحتاج ‏هاهنا إلى شرح ، لعل مشكل هذا التقتير راجع لعدم ضبط مفهوم الصورة ضبطا دقيقا ، ‏ليصبح المكون الخطابي عبارة عن دراسة للصور ذهنية مجردة أم لصور مجسدة؟ ، فنحتاج ‏هنا إلى ضبط المصطلح إمّا الصورة أو الوحدة الدالة في السيميائية و لا نقوم بتغييره بعد ‏ذلك ، أي نلتزم بمصطلح الذي ضبطناه ، وبذلك نتفادى الغموض من جراء "الأوأوات" كما ‏في قول الناقد جميل حمداوي : "ويكون قادرا على تدبر وفهم عميق للدلالات السياقية للكلمة ‏أو الصورة أو الليكسيم".‏

ناهيك عن الفقر أو القصور اللغوي عند المنّظر ومصدره يعود لظروف أول اكتساب للغة ‏في محيط العائلة والمجتمع المختلط اللغة فرانكفونيا وأمازيغيا ، كما أسلفنا غير ما مرة في ‏مقالاتنا السابقة ـــ لا يختلف المغربي عن الجزائري كثيرا ـــ أما في النموذج التالي للمنظر ‏الأكاديمي عثمان بدري في مجلة اللغة والأدب الأكاديمية فغموض مقاله ناتج عن التناقض ؛ ‏بحيث أن الفترة الجاهلية والأموية أسبق من العصر الذهبي للبلاغة العربية ألا وهو العصر ‏العباسي لكن بدري رأى العكس! إذ يقول :"(..) وفي سياق هذا التصور للغة الشعرية نستطيع ‏أن نفهم لماذا وظف الشعر العربي القديم ــــ بشكل عفوي وبشكل واع بعد ذلك مختلف المفاهيم ‏البلاغية كالتشبيه والإستعارة والكناية والتورية والمجازز وغيرهما من المحسنات الأخرى ‏بشكل مغاير ـــ إن لم نقل مفارق للأسس المدرسية المعيارية التي بنيت عليها البلاغة العربية ‏من قبل كثير من البلاغيين المقولتيين"[13] ، وهو يقصد أيضا بالمحسنات هاهنا أنواع البيان.‏

‏ 2 ــ تكديس المفاهيم النقدية وعدم ضبط المصطلح النقدي

هذه النقطة مرتبطة بسابقتها أي عشوائية الترجمة والعبث بالمصطلحات حيث يغدو المفهوم ‏النقدي المراد فهمه عصي على الفهم لدخول مفاهيم أخرى عليه واختلاط الحابل بالنابل، ‏فكيف إذاك نحبب الطلبة إلى المصنف الجزائري الذي موضوعه النظرية النقدية؟ بل إننا ‏ننفّرهم إلى مؤلفات المشارقة أو نجعلهم يرتكسون وينتكسون فيلتمسون الحفظ بدل الفهم ، ‏كأنها لغة غريبة عنهم تجعلهم يحفظونها أسوة بطالب الطب مع درسه المفرنس ، وهذا عكس ‏ما هو حاصل في المشرق العربي النظرية النقدية يجب أن تفهم وكي تفهم يجب أن يكون ‏هناك منطق يجتنب الاستطرادات ، يُحيل بالمفهوم إلى معنى واضح فآخر أوضح منه ، ‏وكي تفهم وتطبّق يجب أن تأتي في ثوب لغوي جمالي يجذب المهتم ويجعله يغوص في ‏التخصص أكثر وأكثر بمجرد أن تُحفّز حاسته وتطمح ذائقته ينحو ناحية التطبيق دون ‏الرجوع إلى نص النظرية ثانيةﹰ.‏

فعادة تكديس المفهوم على آخر وعقليته التي درج عليها مجال التنظير النقدي الجزائري دون ‏ما وضع حال الباحث والطالب في الحسبان تظهر في قول محمد ساري في مقاله "السوسيو ‏نقد" بالعدد 15 من مجلة اللغة والأدب : يربط السوسيونقد ـــ ‏الذي هو فرع من المنهج الاجتماعي ، أو ما يسمى بعلم اجتماع الأدب رائده "سكاربيه" ، ‏ناقد فرنسي له كتاب يحمل الاسم نفسه يُعنى بدراسة خضوع النص الأدبي ومن ورائه ‏المؤلف لعاملي العرض و الطلب ، حيث دور النشر تجيز أولوية السوق أو فعل القراءة عن ‏سواها ، وهذا ما يدخل الكاتب والقارئ في هذه الرؤية الاجتماعية للأدب ـــ لكن محمد ساري ‏لم يشاء إلاّ أن يجول ويصول في أكثر من صفحة[14] بكذا من مفهوم أعمق وأغمض من ‏سابقه ﻛقوله : التحليل السوسيو نصي والقراءة السوسيولوجية ، حيث القراءة أو التأويل هو ‏بحد ذاته منهج مستقل ، مدرجاﹰ مفهوم " السوسيولوجيا الجدلية للأدب" ثم مفهوم الأدبية ‏littérarité‏ وغير بعيد يذكر "شعرية النصوص" ثم "البنيوية التكوينية " ويغطي الجميع ‏بمصطلح الأيديولوجيا و المنهج التاريخي مع غياب تام للهوامش المساعدة ، فضلاﹰ عن ‏إفتقاد لسلاسة التعبير وجماليته ، فشتان بين ذلك الغموض وبين هذا الوضوح وسلاسته في ‏تعريف الناقد السعودي عبد الله خضر حمد لمفهوم الإنزياح : « انحراف الكلام عن ‏نسقه المألوف ، وهو حدث لغوي ، يظهر في تشكيل الكلام وصياغته، ويمكن بواسطته ‏التعرف على طبيعة أسلوب الأدبي، بل يمكن إعتبار الانزياح هو الأسلوب الأدبي ‏ذاته» [15] مدرجا لكثير من الهوامش التوضيحية ، ولا عجب أن يؤكد النقد المشرقي ممثلاﹰ ‏في اسم الناقد محمد القاضي أن العرب سعوا إلى المناهج النقدية المعاصرة لرهانات ثلاث ‏وجوبهوا بتحديات ثلاث ، يذكرها تباعا : التحدي المصطلحي والتحدي التطبيقي و التحدي ‏المفهومي ، من طبيعة النظرية النقد أنها أولا وأخيرا الطريق الموصلة للهدف ، فكيف بها إذا ‏كدّست مفاهيم أخرى صعبة الفهم ولا حتى المبالغة في ذكر المفاهيم المرادفة أو المتقاربة ‏المعاني ستصبح طريقا مضللة ؛ فالتطبيق هو الذي كشف عيوب مدرسة التنظير النقدي في ‏الجزائر ، كالتي تظهر في مصطلحات مرة تذكر كأنها مترادفات مرة لا ﻛ : البنيوية و ‏النسقية والنظام ــــ السيميائية و السيميوطيقا وعلم الإشارة و السيمولوجيا وعلم العلامات ‏ـــ التشاكل و التقابل و التناظر ــــ المنهج الاجتماعي والمنهج السوسيولوجي ـــ الخطاب ‏والتلفظ ـــ التأويل و الهيرمينوطيقا والقراءة التأويلية ـــ الشعرية و البويطيقا ــــ التحريف ‏والمفارقة ــــ الأبوية والبطريركية ـــ التفكيكية و التقويضية والتشريحية وهلم جر.. كما درج ‏عليه المنظرون الجزائريون دون أن يقفوا على تسمية مصطلحية ثابتة ــــ وقد فتحوا الباب ‏لإنجاز أطروحات عديدة في هذا الشأن تحت عنوان « اشكالية تعدد المصطلح النقدي » قد ‏تتجاوز الدكتوراه إلى نيل البروفيسورية/الأستاذية بها و هم المتسببين فيها مناصفة مع ‏المغربيين!! ـــ ، بخصوص مفهوم الانزياح هذا يجعلُه الناقد الأكاديمي فيصل الأحمر يقارب ‏مفهوم "سيميائية الخطاب الشعري" [16] بل ويكدّس عرمرم من المفاهيم حوله ﻛ " الوظيفة ‏العلائقية لتشومسكي " و"العلائقية في النص الشعري الكلاسيكي" إلاّ ليثبت أن الانزياح في ‏اللغة هو كلام غير إعتيادي في علاقة بالخطاب اللغوي ؛ فيؤدي إلى إزاحة قدم الباحث إن ‏لم يُدخله في حالة ملل إبستمولوجي إن جاز التعبير ، فإنه يدخله في عملية هدم الفكرة بالتي ‏تليها نتيجة تفسير الغامض بالغامض، بإطناب وإحالات إلى مفاهيم تحتاج هي الأخرى إلى ‏تقصٍ. كما نجد في قول منظر آخر قوله: « .. "النموذج العاملي"، الذي يُعد تشخيصا غير ‏تزامني ، و استبدالا لعالم الأفعال » الاختيار الغير موفق الذي يزيد من غموض هذا الشرح ‏للنموذج العاملي هو في كلمة استبدالاﹰ عوض تحولاﹰ لآن الاستبدال في اللسانيات يحمل ‏مفهوم الآنية/الخطية. وذكّرنا مفهوم النموذج العاملي هذا ، أو السيميائيات السردية الذي هو ‏فرع من فروع السيمياء وهي سيمياء التواصل‎ ‎، سيمياء الثقافة وسيمياء الدلالة ، كما ‏إستوقفنا كثيرا تركيز النقد التنظيري المغاربي المزمن على مفردة "الصورة" هذه المفردة تجدها ‏في اللسانيات والبلاغة والأدب المقارن ، ولم يفرط في توظيفها معهم علمي الدلالة و سيمياء ‏الدلالة ، بالرغم أن معنى "الصورة" في هذين الحقلين له نطاق معجمي يقارب معانى "الدلالة" ‏و"المعنى" نفسهما.‏‎ ‎فغموض مفهوم مفردة "صورة" يرجع أولا و لاريب في ذلك إلى غموضه ‏في مصدره مدرسة باريس السيميائية ، وثانيا في اقترابه من مفاهيم سيميائية أخرى عدة و ‏مفارقته إياها في نفس الوقت كمفهوم السيم (ما يندرج في تكوين أصغر وحدة معجمية ‏دالة/اللكسيم) و السيميم (أصغر وحدة دالة تمييزية) و اللكسيم (أصغر وحدة معجمية دالة) و ‏الكلاسيم (السيمات السياقية) فلمّا كان مفهوم الصورة مرتبط بالمسار التصويري أو التحول ‏الذهني الذي يجعله يُجلي معنى أو مضمون ما ، كثيرا ما تتداخل مفاهيم السيم و اللكسيم و ‏السيميم مع مفهوم الصورة بيد أن المنظر يفرق بينهم قائلا : « فالنص يستعمل الصورة ‏استعمالا خاصا يتم ضبطه باقتفاء مسار الصورة التي تتنامى فيه ، وذلك حتى يتبين مدى ‏كثافة الشحنة الدلالية فيها»[17]‏

‏ نزوع الباحثين إلى اختيارات منهجية و طروحات تضع القارئ أمام ترسانة هائلة من ‏المفاهيم والإجراءات غير المتداولة في لغته ، وفي سياقه الثقافي ، وينطبق الأمر على ‏الدراسات السيميائية العربية ، كونها أصلا تعرف إشكالا مصطلحيا في منبعها الغربي ، كما ‏إستوقفنا التمثيل الغير المنسجم مع ثقافتنا و عدم تغييره ؛ لا يجوز للمنظر طرق التمثيل ‏‏"البايخ" الغير متوافق مع ثقافتنا كقوله :‏‎ ‎‏« ومن المستحيل فصل تلك الشخصيات عن ‏الحبكة، ومجرد محاولة ذلك أمر غير مجد ، مثل محاولة الفصل بين الرقصة والراقصين ‏في الباليه. تتكون الحبكة من شخصيات تكافح قوى الطبيعة ، أو ضد كائنات بشرية أخرى ‏، أو تعيش أزمة داخلية. وتنعكس طبيعة هذه الشخصيات من خلال هذه الحبكة في ‏الأحداث » لأن ذلك مدعاة تحقير الميدان الذي يجمع الباحث بالأستاذ بالطالب الأجدى به ‏القول : الفصل بين الربان والسفينة أو بين السفينة والبحر..‏

‏3 ـــ محاولة خلق لغة نقدية خاصة ‏métalangue‏ ومحض مغاربية :‏

‎ ‎نحى كثير من النقاد والباحثين الجزائريين والتلامذة السابقين منحى كبيرهم عبد الملك ‏مرتاض في محاولة خلق لغة نقدية وبلاغية شبيهة بأسلوب المقامة إلى حد من الاستهجانية ‏بين قوسين ، لِمقابلة لغة النقد في المشرق العربي إضفاءا للتميز والإختلاف من جهة ، ‏وتأثرا بالبلاغة والنقد التراثيين الذي له على كل حال عصره ، هل يعقل العودة إلى أسلوب ‏التنميق والتزويق بالمحسنات والجناس على غرار المقامة البغدادية في عصر هو عصر ‏الخفة والسرعة ، عصر ما قل ودل؟ برغم استخفاف نقاد لهم وزنهم على الساحة كجهاد ‏فاضل بقوله: « وهل يمكن أن يصل الأمر إلى حد أن تصبح اللغة العربية هي لغة ‏الكيمياء والفيزياء والطب ، هل تسير الجزائر في مثل هذه السياسة؟ » [18] غير أن ‏مرتاض مضى في مشروعه محاكاةﹰ كذلك لمشروع المغربيين/ المغرب الأقصى الرّيادي مع ‏شلة مفكريهم الجابري وعبد‎ ‎لله العروي وطه عبد الرحمن ، لولا أن العمر داهمه ( أطال الله ‏في عمره ) لخرج لنا بمدرسة لغوية تراثية في ثوب حداثي ، ومحاكاةﹰ أيضا للمفكر الإنساني ‏جون بول سارتر في كتابه ما الأدب؟ عندما يستطرد في المفاهيم الفلسفية والاجتماعية التي ‏تعتبر منبت ومصدر المنهج النقدي الفلاني أو العلاني لعزلها بعد أن لصقت بجسد النقد ‏الأدبي ، خصوصا في كتابه النقدي المذكور أعلاه. ومشروع كهذا كان له مفعول ‏عكسي/سلبي ارتكاسي من حيث أريد به العكس : تعميق الهوة بين الادراك باللغة والادراك ‏للغة فيعسر التواصل بين المنتسبين لحلقة مثل هاته ، أي حلقة اللغة التنظيرية النقدية الراقية ‏إن جاز أن نسميها وغيرها من اللغات ، كاللغة المستعملة في تلقين علم الاجتماع مثلا ، ‏فهو أول من دعا إلى جمع الناقد بين عدة مناهج فتأتيه أصوات من هناك : هل يخلط الناقد ‏بين المناهج أم أن مفاهيمها تختلط عليه؟ وهو أول من أدخل مصطلحات نقدية فيها روح ‏الفكاهة على غرار أسلوب المقامة ، كقوله الشُعرور بدل الشاعر و منهج التّحلِفْسي بدل ‏التحليل النفسي ، واللسانياتين بدل اللسانيين، والتّفضية أي دراسة الفضاء وتكلُّفه المفردات ‏العسيرة المهجورة الاستعال كقوله الوَكْد بدل التأكيد ، بل يُحوّر كلمة يعتري إلى أصلها يعتوره ‏المهجورة الاستعمال ، وهو مُطّلِع أكثر من غيره عن ما تعنيه التداولية و لا يتوانى عن ‏الإتيان بمفردات مهجورة الاستعمال على المستويين العام و التخصصي للغة إذ يقول : « ‏اللغة عطاء قائم ،(...) ولا يبكُؤُ لجريانه غرب » [19] وتعمّد الغموض في قوله : « إن ‏الأسلوب ، من بعض الوجوه يشبه اللغة ( المادة التي يتكون منه)..» [20] ، ‏وقوله يتمحض التي ظننت في البداية أنها خطأ مطبعي ، أي يتمخض غير أن تكرارها أبان ‏لنا أنه يريد بها معنى آخر في قوله : « (..) وخصوصا فيما يتمحّض لمسألة ‏عدم الحُفول بالمبدع (..) » [21] فيتمحض يقصد بها يتعرض ، أما الحُفول والنقود هنا ‏فهما على وزن شخوص /الشخصيات أما آواليات التي يعني بها محمد مفتاح في كتابه ‏‏"النص من القراءة الى التنظير" علاقات التعدي ، و هي مفردات ليس لها أصول في ‏المعاجم العربية ، فهي مستحدثة ، من إختراع لغة النقد المغربي المعاصر ، والجزائريون أرادوا ‏‏" أولا ترجمة المصطلح السيميائي ، وثانيا حصر المصطلحية في المعاجم والبحوث ‏العربية المتخصصة ، ثم الجنوح إلى ترجمة ما استعصى نقله وفق عمليات التوليد ‏والاشتقاق والتعريب"[22] مثل ما فعل المغربيين وهم الآن يستدعون لندوات الخليج الأدبية ‏ذات الشأن للإستفادة من تنظيراتهم والإستمتاع لتهجيتهم العربية على طريقتهم وفي هذا القدر ‏كفاية ، و إذا ما إعتبر الفريق الذي يكدّس المفاهيم دفعة واحدة أن ذلك سبيل البحث العلمي ‏والدراسات العليا المتسمة بالعمق والجدية ، فإن أسلوب مرتاض المنفّر هذا يعتبره من ‏قبيل "الأدبية" والثورة على المتطفلين على النقد ومناهجه . وكلاهما كمن يلقي بحجته ‏ليتملّص ، كون أن أعمال الجزائريين في مجال النقد النظري الأدبي غير مرحّب بها إجمالا ‏ومحاصرة في القطر الجزائري ، وأن الأدمغة الجزائرية المبدعة الحقة كثيرا ما تتجاوزها إلى ‏المنجز المشرقي.

خلاصة القول هو إن استسهال الترجمة وعدم ضبط المصطلح أكاديميا في الجزائر تحصيل ‏حاصل لعدم التحكم في بديهيات التعبير بلغة عربية سليمة رغم نباهة أصحابه وتفوقهم في ‏اللغة الفرنسية ( لا نقصد بالتحكم كيفيات كتابة الهمزة في معتل الأول والوسط والآخر التي ‏يركز عليها كثيرا الأساتذة الجزائريون حتى في اشرافهم على مذكرات التخرج! والتي هي أصلا ‏مختلف حولها في مدرستي النحو العربية ، بل هو في سلامة التعبير الناتج عن معرفة نحو ‏وصرف الكلمات وتركيبها تركيبا يطوّعها أي يجعلها سلسة مطبوعة على اللسان فلا يلجأ ‏الطالب بعد ذلك إلى حفظ الدرس بل فهمه ثم التعبير بلغته أو إلى فهمه في لغته الأجنبية ‏كما حصل ويحصل مع كثير من الباحثين الجزائريين) و عدم التحكم ذاك هو تاريخي ‏اجتماعي يصيب المرء في مرحلة تعلم اللغة الأساسية وهي مرحلة الطفولة كما ذكرنا ، ‏وينطبق هذا المشكل في الجزائر على كثير من أساتذة اللغة العربية في التكوين العالي ‏للأسف ، الذين ترعرعوا في سياق مختلط اللغة ـــ فرنسية ، أمازيغية ، تعدد لهجي مفارق ‏محشو بمفردات تركية تعربت تاريخيا ـــ كما ذكرت أستاذة اللسانيات خولة الابراهيمي نفسها. ‏أما مشكل خلق لغة خاصة بالتنظير النقدي الأدبي عندنا فليس مشكل خاص باللغة العربية ‏بل خاصية تميزت بها جميع اللغات ، كاللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية ضمن نطاق ما ‏يعرف بالفرانكفونية والأنجلوسكسونية ، والسبب يرجع إلى توق الشعوب الفطري إلى التمايز ‏والاختلاف ، لكن ذلك لا يبرأ عندنا بالجزائر نسبيا عدم القدرة على تــطويـــع العربية الذي ‏أصبح مزمن.‏


‏ [1] ــ داود الشويلي : اشكالية النقد الأدبي العربي المعاصر، دص، اقتباس في يوم 18/2/2008 ، ‏من الموقع:‎‏ ‏
‏[2] ــ سعدية موسى : السيميائية أصولها ومناهجها ومصطلحاتها ، ص3 .اقتباس من الموقع : 
‏ [3] ــ بلوفي محمد : واقع النقد الأدبي في الجزائر مساره وإشكالاته ، اقتباس يوم 25/4/2009 ، ‏الموقع: 
‏[4] ــ يرجع تهميش الطاقات المبدعة الحقيقية ـــ في مجال التنظير النقدي الذي نحن بصدده أو حتى ‏مجالات أخرى ـــ إلى إيديولوجية الجامعة الجزائرية و ولاءاتها السياسية وتحزب النخبتين الأكاديمية ‏والمثقفة و إلى الجهوية المنطوية على الغيرة وغياب الروح العلمية.‏
‏[5] ــ الإذاعة الجزائرية القناة الأولى : بول شاؤول في ضيافة حصة حبر وأوراق ، اقتباس في ‏‏25/5/2016 الساعة الثانية زوالا.‏
‏[6] ــ خولة طالب الابراهيمي : قراءة في اللسانيات النصية ، مجلة اللغة والأدب ، العدد 12 ، جامعة ‏الجزائر2 ، أكتوبر1997 ، ص113.‏
‏[7] ــ المرجع نفسه ، ص114.‏
‏[8] ــ خولة طالب الابراهيمي : عن التداولية ، مجلة اللغة والأدب قسم اللغة العربية وآدابها ‏، العدد 16 ، جامعة الجزائر 2 ، ديسمبر 2003 ، ص116. وتعتبر التداولية و السيميائية ‏بخاصة السيميائيات السردية أكثر موضوعات النقد إثارة للجدل ترجمةﹰ وتعدد مصطلحي بالجزائر ‏والمغرب ـ لأنهما منهجان غامضان في الأصل إذ يعترف جوليان جريماس نفسه بتجريد و تشعب ‏النموذج العاملي المفضي للغموض وعسر التطبيق.‏
‏[9] ــ المرجع نفسه ، ص 116-117.
‏[10] ــ عبد القادر بوزيدة : فان ديك وعلم النص ، مجلة اللغة والأدب، جامعة الجزائر2، عدد 11 ، ‏ماي 1995 ، ص11.‏
‏[11] ــ مجلة عالم الفكر : مدرسة "تارتوـــ موسكو" سيميائية الثقافة والنظم الدالة ، مجلد 35 مارس ‏‏2007 ، ص 184.‏
‏[12] ــ ينظر جميل حمداوي : الاتجاهات السيميوطقية ، بحث منشور على الموقع ‏ ، ص81.‏
‏[13] ــ عثمان بدري : إشكالية المعنى بين الصورة البلاغية والصورة الشعرية ، مجلة اللغة والأدب ، ‏عدد 11 ، جامعة الجزائر2 ، ماي 1995 ، ص175.‏
‏[14] ــ محمد ساري : المنهج السوسيو نقدي بين النظرية والتطبيق ، مجلة اللغة والأدب عدد 15 ، ‏جامعة الجزائر2 ، أفريل 2001 ، ص21-22-23-24-25.‏
‏[15] ــ عبد الله خضر حمد : مناهج النقد الأدبي السياقية والنسقية ، دار القلم ، بيروت ، ص207-‏‏208-209.
‏[16] ــ فيصل الأحمر : الدليل السيميولوجي ، دار الألمعية ، الجزائر2011 ، ص90-91-92.‏
‏[17] ــGroupe d’entrevernes , analyse simiotique de texte, edition toubkal, ‎‎1eredition marocaine 1987,p92. ‎‏
‏[18] ــ جهاد فاضل : وجه لوجه مع عبد الملك مرتاض، مجلة العربي ، عدد 612 ، ‏نوفمبر2009 ، ص72.
‏[19] ــ عبد الملك مرتاض : في نظرية النقد ، دار‎ ‎هومة ، الجزائر 2007 ، ص166.
‏[20] ــ المرجع نفسه ، ص167.
‏[21] ــ المرجع نفسه ، ص193.‏
‏[22] ــ رشيد بن مالك‎ ‎‏: مقدمة في السيميائية‏‎ ‎، دار القصبة للنشر، الجزائر 2000 ، ص72‏‎.‎