دراسة وتحليل لرواية "جنة الأرض" للدكتور مصطفى الورياغلي بقلم محمد زيطان
تاريخ النشر : 2018-11-22
محمد زيطان باحث في سلك الماستر الأدب العربي المغرب، تطوان
الموضوع: دراسة وتحليل لرواية"جنة الأرض"للدكتور مصطفى الورياغلي
تقديم : الحمد لله ؛ فهو الذي علّم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم وفضّله عن كلّ الموجودات ترفُّعا وتنزيها.والصّلاةُ والسلامُ على حبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم.وبعد: سنحاول في هذه الرواية قيد الدراسة والتحليل "جنة الأرض" للدكتور مصطفى الورياغلي جرد مكوناتها السردية والخطابية والإجابة عن عناصرها وأدواتها ومهامها داخل المجال السردي. معتمدين بذلك على المنهج السيميائي المختص في قراءة الرموز والدلالات الأساسية المتضمنة في النصوص. مسلّطا الضوء بداية على المكون السردي، ليس تفضيلا وإنّما تحسسا للطريق إلى ما هو أعمق، إلى ما يمثل جوهر الرواية، إلى ما يود السارد الكشف عنه؛ فالسارد في هذه الرواية "مختبئ تحت لسانه تكشفه عباراته"(كما قال أحد المثقفين )، ثم تتبع باقي العناصر كما وزّعتها في الفهرسة. نبذة عن الكاتب : يعد مصطفى الورياغلي كاتبا وناقدا ومترجما وروائيا مغربيا ، أستاذ للتعليم العالي ، حاصل على الدكتوراه في اللغة العربية تخصص الأدب العربي الحديث سنة 2005 ، مساعد معين بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بطنجة . له مجموعة من الدراسات والأبحاث المنشورة في المجلات والجرائد الوطنبية والعربية . قام مصطفى الورياغلي بترجمة لكتاب " المدينة السعيدة " سنة 2012 بالاشتراك مع المهندس عبد الواحد منتصر والشاعر المهدي أخريف ، وله مؤلفات أخرى نقدية وروائية منها الرواية قيد التحليل " جنة الأرض " وكتاب " الصورة الروائية ، دينامية التخييل وسلطة الجنس" سيميائية الرواية " جنة الأرض " أ‌- المكون السردي : ستناول في هذه الورقة العناصر الأساسية التي تكونت منها " جنة الأرض" أولها العنوان، فالعنوان يشكل العتبة الرئيسية التي تفتح المجال أمام القارئ وتغويه لولوج العالم الداخلي للنص متلهفا إلى استكشافه واستقرائه وتفكيك شفراته ومحمولاته وكذا تأويله وتفسيره .فهو أول مثير سيميائي للرواية التي قيد التحليل . "جنة الأرض " عنوان مرتبط ارتباطا وثيقا بمضمون الرواية، يتكون من لفظتين "جنة" وهو لفظ دال على الخلود والازدهار وكل ما هو جميل ، أما "الأرض" فهو إحالة إلى مكان، إلى وطن، وقد يكون المكان رمزيا وقد يكون واقعيا . وكما أشرنا فإن العنوان له ارتباط بمضمون الرواية ، فعلاقتهما علاقة تكاملية بحيث لا يمكننا تصور أحدهما دون الأخر . إن أول ملاحظة نسجلها ونحن نتصفح أوراق هذا العمل الروائي هو انعدام "الإهداء" كما عهدنا في معظم الكتب السردية وغيرها ، وفي تصورنا يعود سبب هذا التهميش للإهداء إلى رغبة الكاتب ، حيث يمكننا القول بأنه يتوخى هدفا معينا نلخصه في سعيه إلى فتح المجال أمام سطور الرواية لترفع الستار عن نوع المتلقي، لذلك نجده قد تعمد عدم تخصيص إهداء لشخوص معينة ، وإنما جعله إهداء لكل القراء الذين سيفهمون الرسالة المتضمنة في هذه الرواية الإبداعية . تقع " جنة الأرض" في 222 صفحة موزعة على عشرة فصول معنونة كالتالي : الفصل الأول : السوق الكبير يصف السارد في هذا الفصل نوع الأشغال المقامة في هذا السوق، وفي كل فترة من الصباح حتى المساء ، وتتابع الأحداث وتلتقي الشخصيات لتكون لنا حدثا أو أحداثا تأخد مجراها بطريقة في غاية الدقة ، بداية هادئة نوعا ما ليخلق لنا السارد بعدئذ حدثا يغير في مسار الرواية حيث يذكر لنا السارد السبب الذي دفعه بالهجرة من الريف إلى طنجة ، طنجة التي قال عنها والد أحمد " من عرفها يموت ، ومن لم يعرفها يموت "، أهي وحش حقا كما يصفها والد السارد ؟ هذا ما سنكتشفه من خلال قراءتنا لباقي الفصول . الفصل الثاني : الجبل الكبير يعود بنا السارد في هذا الفصل إلى إتمام حكايته بعد وصوله طنجة وقصده كراج السي حدو صديق والده . وتحوم أحداث هذا الجزء في فلك الجبل الكبير وقبل بلوغ هذه الوجهة عرفنا بشخصية جديدة في هذه التشكيلة الروائية وهي الكونتيسة " مارغريت" وابنها "ويليام ". انبهر أحمد بجمال مدينة طنجة وهو ينظر إليها من أعالي الجبال ، وشرع في وصف حديقة الكونتيسة العجيبة التي جال فيها رفقة السي علي وهو يتصنت إلى أحاديثه عن تقدم الأجانب على العرب في كل شيء حتى الإسلام واستخدم مجموعة من المصطلحات الدالة مثل : العلم ، السلاح، الحرب، الأدب، النظافة، معرفة الحيوان والنبات . الفصل الثالث: صومعة البرج أخد السارد الكلام بداية عن ويليام وظروف عيشه مع والده قبل الانفصال ، ثم انتقل بنا دون أن نشعر إلى ذكر أن هذا الصديق لم يعج موجودا لقد مات ويليام " ويليام لم يعد موجودا ... ويليام لم يعد موجودا يا هامث " ص: 46 وهذا الحدث المفاجئ والسريع يضعنا أمام تساؤلات جديدة ، كيف انقضت الأعوام بهذه السرعة ؟ ما الذي حدث ؟ كيف أصبح هامث مقربا إلى هذه الدرجة من ويليام والكونتيسة ؟ وجاء السارد ليشبع فضولنا من جديد ويجيب عن تساؤلاتنا متحدثا عن علاقته بويليام وعيشه في القصر وعن التغيير الحاصل في حياته واكتسابه ثقافة واسعة وإتقانه اللغات . كما أشار إلى صومعة البرج حيث الشقة الصغيرة لويليام الذي يتوافد عليها للسهرات والليالي الماجنة . الفصل الرابع : سوق الداخل عاد بنا السارد إلى المستقبل المنصهر في الحاضر وانتقل بنا إلى سوق الداخل وعرفنا على شخصيات جديدة . الفصل الخامس : القصبة يحوم السارد من عالم لأخر دون أن يشعر القارئ بضجر وحمل التنقل .. فتجدنا نعيش مع السارد دوره ونتنقل لنرى خطوته التالية ونستكشف معه خبايا الشخوص التي رافقته طيلة الفترة التي قضاها بمدينة طنجة . الفصل السادس : فيلا هاريس حضور السارد في فيلا الكونتيسة رفقة أنابيلا حفلة من حفلاتها المعتادة ، وهنا تنفرز لنا شخصيات جديدة أمثال أنجلينا وريبيكا . الفصل السابع : كافي باريس ذهب السارد في بداية هذا الفصل إلى استرجاع الظروف التي سافرت فيها اليزابيث دون سابق انذار مما جعله في حيرة من أمره ومتعجبا من هذه الرسالة المفاجأة بالعودة ، وهو في غمار هذا الصراع والوساوس تذكر موعده مع أنجلينا وربيبكا في مقهى كافي باريس, وتم اللقاء وتقاسمت الشخوص الهموم وناقشت العديد من القضايا الوطنية والعالمية . الفصل الثامن : باب البحر بينما السي أحمد في باب البحر عادت إليه أوهام ويليام تلاحقه من جديد بخصوص حبيبته اليزابيث ، وبدأت صراعاته النفسية والشعور بالندم والحسرة .. الفصل التاسع : باب الطياطرو استيقاظ السي أحمد من غيبوبته بعد أكثر من أسبوع فوجد نفسه في الملاذ الذي طالما احتضنه " بيت الكونتيسة" في الجبل الكبير ، وهناك التقى بالسي عياد مرة أخرى ليقص عليه نهاية حكايته مع ماريا في الطياطرو . الفصل العاشر : دار البارود في هذه الفصول الأخيرة ينكشف لنا انكسار السي أحمد وشعوره بالوحدة والضياع في مدينة صاخبة لا تنام . تغلغل السي أحمد كثيرا في الثقافة الشرقية حتى طمست هويته ولم يتعرف على نفسه هل هو هامث أم أحمد ؟ ضاع في متاهات الشك والحيرة فلم يعد يعرف أصله وأصبح منعزلا في ركن من أركان دار البارود . الحفيد في هذه الورقة يفاجئنا تدخل الكاتب الشخصي ويفصح عن هوية السارد بعد المتاهة التي أدخلنا فيها تبين أن الكاتب هو " الحفيد" حفيد السارد " السي أحمد بن المعلم الريفي ". إن التشكيل الذي يعمل على تجلية المكون السردي قدم لنا مشاهدا بدأت من الانغلاق لتتوسع تدريجيا ب‌- المنظر السردي والرؤية السردية المنظور السردي يجيب على السؤال " من يسرد الحكاية ؟ " والمنظور السردي في هذه الرواية هو المعتمد على استعمال ضمير المتكلم ( انتهيت من طوافي ..،اعتذرت عن تلبية دعوته ، تذكرت شيئا للتو ) بواسطة سارد حاضر في النص وهو ليس بكاتب الرواية ، وإنما الورياغالي نقل المذكرات كما جاءت على لسان السارد . أما الرؤية السردية والتي تجيب عن السؤال : من يعايش الأحداث ويحس بأثرها ؟ فهي الرؤية من الخلف ، لأن السارد عليم بكل شيء عن شخصيات الرواية ، ولا أسرار لها يخفونها عنه . إن الزمن يعتبر عنصرا أساسيا في التمييز بين أشكال السرد ، وعند قراءتنا لرواية جنة الأرض تبين لنا أن السارد اعتمد على السرد التناوبي حيث غالب ما نتصادف مع مجموعة من القصص تحكى بالتناوب ، إذ تبدأ قصة ثم تتلو ا أخرى ، ثم نجد السارد يعود بنا مرة أخرى إلى الأولى ثم الثانية وهكذا دواليك . إلا أن هذه القصص هي قصص مرتبطة مع بعضها البعض وتجمع بين الشخصيات والأحداث قواسم كثيرة مشتركة . وتارة أخرى نجد السارد يعتمد على السرد المتقطع فيشرع أحيانا في تقديم الحكاية من أخر حدث ( كما وقع مع حكاية موت ويليام حيث ذكر موته قبل أن يعيش دوره ) ثم ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن حدث وقع في بدايتها معتمدا في ذلك على تقنيات كثيرة منها الحذف والاسترجاع والوصف .. ت- البرنامج السردي : إن البرنامج السردي هو تتابع الحالات وتحولاتها المتس لسلة على أساس العلاقة بين الفاعل والموضوع وتحولها ،" إنه التحقيق الخصوصي للمقطوعة السردية في حكاية معطاة " . ولتحقيق هذا البرنامج لا بد من توفر العناصر التالية : - الفعل أو الحدث - الفاعل أو العامل الذي يقوم بدور في الفعل - زمان الفعل - فضاء الفعل 1 – الفعل أو الحدث : وهو الفعل الذي تدور حوله الرواية ، ويتألف من مجموعة من الوقائع والأحداث العامة والجزئية المرتبطة بعضها ببعض ارتباطا منظما . فقد استمد الكاتب مادته الحكائية من تجربة فريدة مننوعها ، انتقلت من عمق حرب الريف إلى طنجة بحثا عن الملاذ الأمن وقد اهتم السارد بإبراز هذا الحدث وتطوراته انطلاقا من تفاعله مع جميع الشخوص الموجودة في الرواية . 2- الفاعل / الشخصيات : ترتبط أحداث هذه الروية بمجموعة من الشخصيات إلا أن الذات الفاعلة المحورية هي شخصية السارد " سي أحمد " وكذا شخصية " ويليام " الذي ساهم بدوره في توجيه الحدث وتطويره . قد اهتم الكاتب بشخصية أحمد فكشف عن واقعه الاجتماعي وأفعاله ، وهي شخصية تتحرك وتتصرف بعفوية وتلقائية . وهنا ستنعرض بالتعريف بكل الشخوص - أو على الأقل التي كانت لها دور فعال في تحريك الحدث – الواردة في جنة الأرض . - أحمد: السارد،اليتيم الريفي ذو الهويات الكثيرة (هامث)، أنيق (الأناقة والشياكة تناطح بها الفرنسيين والإنجليز أنفسهم)، يشبه النصارى في الشكل (من لا يعرفك لن يقول عنك سوى إنجليزي أو أمريكي)، أشقر، يتقن الاسبانية والإنجليزية والفرنسية. - ويليام: روح الرواية، الحلم الذي لم يفارق أحمد حتى بعد موته. موته كان أشبه بالانتحار وبموته كان وجود "هامث" في الحياة مستحيلا. - عياد: الريفي الذي هجر من الريف إلى طنجة بسبب الجوع والفاقة، حاملا معه حلم الثروة والغنى. -