مناعة المجتمع الإسرائيلي والحرب على غزة؟!بقلم: د. رياض عبد الكريم عواد
تاريخ النشر : 2018-11-18
مناعة المجتمع الإسرائيلي والحرب على غزة؟!بقلم: د. رياض عبد الكريم عواد


مناعة المجتمع الإسرائيلي والحرب على غزة؟!
د. رياض عبدالكريم عواد

يتناول نشطاء وسائل النشاط الاجتماعي، مبتهجين، فديو يبين مدى الحنق الذي وصل إليه الكثير من المستوطنين، وغضبهم الشديد على القيادة الإسرائيلية، خاصة على نتنياهو وليبرمان، الذي لم يشفع له استقالته من وزارة الحرب الإسرائيلية، وتصريحاته المبالغ فيها حول تقييد الكابنيت ليديه، ومنعه من تنفيذ خطته المزعومة ضد حماس.

ان هذا الفديو وغيره، بالإضافة إلى المظاهرات التي قام بها مستوطنو غلاف غزة في وسط تل أبيب، وفي غيرها من المناطق، وشعور الجيش بتاكل قدرته على الردع، تبين مدى الاهانة التي بات يشعر بها الإسرائيليون، وعمق الجرح الذي سببته سياسة الحكومة، غير واضحة الأهداف بالنسبة لهم.

يعرف الأطباء جيدا أن لكل دواء أعراض جانبية، ولكل عملية جراحية مضاعفات قد تحدث وتضر المريض، خاصة في حال كانت مناعته ضعيفة، أو خالف تعليمات استخدام الدواء، او الاحتياطات الواجب اتخاذها بعد العملية الجراحية. لكن الأطباء لا يمكن أن يضحوا باستخدام هذا الدواء الضروري للمريض، نتيجة ما يسببه من مضاعفات، وكذلك بالنسبة للعملية الجراحية، التي رغم ما تسببه من ألام ومضاعفات، الا أنها الوسيلة المنقذة الوحيدة للمريض على المدى البعيد.

هكذا تتعامل الحكومات عندما تتخذ قرارات صعبة، لا تراعي كثيرا مشاعر الجماهير، ولا تكترث بمدى الخسارة التي تسببها لها قراراتها غير الشعبية. أنها تعمل لمصلحة البلاد والسكان الاستراتيجية، بعيدا عن مدى وعي الناس لهذه القرارات من عدمه.

ان الحكومات العاقلة كالأطباء المهرة تعمل من أجل مصلحة الشعب، لا من أجل إرضائه، ووفقا لهواه ورغباته.

تاريخيا، عرف عن القيادة الاسرائيلية عدم رضوخها الى الخطاب الشعبوي، حتى وان ظهر احيانا ان بعضها يميل الى هذا كسلوك تكتيكي، ولكن دائما كانت الخيارات الاستراتيحية تعتمد على محددات، ليس من بينها شعبويتها او مزاج الشارع. ظهر ذلك جليا عندما قبل بن غريون قرار التقسيم عام 1947، رغم المعارضة الواسعة لهذا القرار بين حركات المعارضة اليهودية .... وتكرر ذلك مع بيغن وقراره من كامب ديفيد والتخلي عن سيناء، وكذلك موقف رابين وسعيه للتوصل الى حل سياسي وموافقته على اتفاقية اوسلو، التي دفع حياته ثمنا له .. وطبعا مع شارون وقراره الاستراتيجي غير الشعبي، الذي اتخذه عام 2005، بالانسحاب أحادي الجانب من غزة، وتنفيذ هذا القرار وترحيل المستوطنين من غزة بالقوة.
لم يكترث شارون إلى المعارضة القوية والواسعة لهذا القرار بين المستوطنين والمجتمع، وتأثير ذلك على حكومته ومستقبله السياسي؟!

أن أولويات واستراتجية سياسة حكومة نتنياهو تقوم على ثلاث محاور اساسية:
1. العمل الدؤوب من أجل استمرار فصل غزة عن الضفة الغربية، ومنع قيام سلطة فلسطينية موحدة، ومن أجل ذلك فان "هزيمة حماس ليست في مصلحة إسرائيل"، كما قال دينس روسس، ولا مانع عند إسرائيل من استمرار حكم حماس لغزة، على أن تضبط قوتها العسكرية، كل فترة من الزمن، وتسمح بمرور المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة، على قاعدة لايموت الذيب ولا يفنى الغنم، وبما يسمح لاهلها بالتنفس، دون ان يغرقوا في مياه البؤس والأوضاع الانسانية الاسنة.

2. إعطاء أولية لما يحدث على الجبهة الشمالية بين إيران وسوريا وحزب الله، والعمل على تقويض برنامج إيران النووي.

3. استغلال الظروف الأمريكية، وحكم اليمين المسيحي المتصهين برئاسة ترامب في امريكيا، لتوسيع وتطبيع علاقاتها مع مختلف الدول العربية، وخاصة مع دول الخليج.

هذه السياسات الاستراتيجية فرضت على حكومة إسرائيل اتخاذ سياسة مضبوطة تجاه غزة تتلخص في: منع نشوب حرب واسعة على غزة، تؤدي الى تفاقم الأوضاع الإنسانية فيها، وتؤثر، سلبا، على مسلسل التطبيع الجاري مع العرب، ولا تجني من ورائها أي فوائد سياسية.

هذه السياسة تتطلب من حكومة إسرائيل ان تتحمل الخسارة المعنوية والمادية التي يسببها تواجد فصائل عسكرية في غزة. ان من يرضى أن يعيش مع القنفد عليه أن يتحمل وخزات أشواكه، خاصة وأنها وخزات محتملة، وغير ضارة كثيرا.

لكن هذا يطرح عددا من الاسئلة/الاحتمالات:
أولا، هل تستطيع حكومة نتنياهو مواصلة هذه السياسة، التي تعتمد على دراسات مؤسسات إسرائيل الاستراتيجية، الأمنية والبحثية، ومؤتمراتها الاستراتيجية السنوية، خاصة في ظل التحريض المتواصل ضدها من أحزاب اليمين المتطرف والمستوطنين.

هل يمتلك نتنياهو جرأة قادة إسرائيل التاريخيين، بدءا من بن غوريون وصولا إلى شارون ومرورا بمناحيم بيغن ورابين، ويتخذ قرارات، غير شعبوية، تؤثر على مستقبله، ومستقبل حزبه السياسي في سبيل مصلحة إسرائيل الاستراتيجية. وهل لدى نتنياهو الكاريزما التي من الممكن أن تؤثر وتقنع المجتمع الإسرائيلي بصوابية قراراته استراتيجيا لمصلحة إسرائيل؟!.

ثانيا، من المستبعد أن يمد حزب العمل، واحزاب الوسط الأخرى، يدها لإنقاذ حكومة نتنياهو من أجل مصالح إسرائيل الاستراتيجية

ثالثا، من المحتمل أن يرضخ نتنياهو لهذا التحريض الشعبي والحزبي ويدخل في حرب طاحنة مع غزة ليرمم مكانته الحزبية، ويضحي، ولو تكتيكيا، باهداف إسرائيل الاستراتيجية في التطبيع مع العرب ومواصلة فصل غزة عن الضفة الغربية.

رابعا، وقد يضطر نتنياهو الى حل الحكومة والكنيست الإسرائيلي، والإعلان عن انتخابات مبكرة، يكون الدم الفلسطيني هو الدعاية الأساسية في بازار الأحزاب الإسرائيلية.

ان علامات تراجع مناعة المجتمع الإسرائيلي وضعفها وترديها واضحة، كما تفتقد اسرائيل الى قادة تاريخيين يملكون كريزما مؤثرة على المجتمع. لذلك ليس من المستبعد أن يرضخ نتنياهو وحكومته للتحريض الشعبوي، والدخول في حرب على غزة، قبل الانتخابات او في الطريق لهذه الانتخابات. أم أن نتنياهو يواصل سياسة القادة التارخيين في إسرائيل ويثبت انه واحدا منهم؟!

أن متابعتنا للوضع في إسرائيل لاقيمة له، اذا لم نتخذ الوسائل اللازمة لحماية شعبنا من خطر العدوان، ومنع شن حرب ظالمة مدمرة عليه.

ان طريق منع العدوان يمر اجباريا من باب الوحدة الوطنية، الطريق الوحيد التي قد تستطيع حماية القضية وشعبها وغزة وأهلها.