مدينة الخليل ستبقى عربية إسلامية إلى يوم الدين بقلم:د.تيسير رجب التميمي
تاريخ النشر : 2018-11-18
مدينة الخليل ستبقى عربية إسلامية إلى يوم الدين  بقلم:د.تيسير رجب التميمي


هذا هو الإسلام

مدينة الخليل ستبقى عربية إسلامية إلى يوم الدين

الشيخ الدكتور تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس

لم تتوقف سلطات الاحتلال عن تنفيذ مخططاتها في الحرم الإبراهيمي الشريف منذ المجزرة البشعة التي ارتكبت فيه عام 1994 ؛ فسيطرت عليه وزرعت البوابات الإلكترونية على مداخله ومنعت المصلين دخوله ، ووضعت الحواجز العسكرية على مداخل قلب المدينة لعرقلة وصوله ، وكثيراً ما تقوم بإغلاقه وتمنع رفع الأذان من على مآذنه أكثر من ستين مرة شهرياً ، وقررت مؤخراً إغلاقه أمام المصلين المسلمين ومنع رفع الأذان ليومين بذريعة الأعياد اليهودية .

ليس هذا أول اعتداء احتلالي على الحرم الإبراهيمي الشريف ولا أول تدخل في شؤونه ، فالمخططات الاسرائيلية والاعتداءات اليومية ضده لم تتوقف منذ وقوعه في قبضة الاحتلال عام 67 ، فسلطات الاحتلال ماضية في إجراءاتها بهدف تحويله إلى كنيس يهودي دون أن تحسب حساباً لأحد ، يجري ذلك والمسلمون عنه غافلون ، بل يتزايد منهم المتساوقون مع عدوه وفي ذلك يتنافسون .

فالحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل هو المسجد الرابع في الأهمية والمكانة الدينية عند المسلمين بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة ، والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة ، والمسجد الأقصى المبارك في القدس ، ففيه ضريح سيدنا إبراهيم عليه السلام وأضرحة بعض آل بيته ، جد المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وأبي الأنبياء الذين بُعِثُوا بعقيدة التوحيد ، قال تعالى {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ } آل عمران 68

لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلية التي حاربت كل ما هو فلسطيني ، حاولت طمس الهوية العربية والإسلامية لكل معلم حضاري في فلسطين ؛ ديني أو تاريخي أو أثري او إنساني ، ولم تتوقف عن تنفيذ مخططات تهويدها بكل السبل وبالأخص في مدينتيْ القدس والخليل ، ففي مدينة الخليل المحتلة مثلاً كان الاعتداء الأبرز والأول على الحرم الإبراهيمي الشريف بتاريخ 8/6/1967م أي منذ اللحظة الأولى لاحتلاله ، فقد دخله جنود جيش الاحتلال الغاشم عنوة ومعهم كبير الحاخامين ، ورفعوا العلم الإسرائيلي فوقه ومنعوا المصلين المسلمين دخوله ، وتواصلت الاعتداءات عليه حتى اليوم .

ولعل من أبشع الجرائم الإرهابية ضده المجزرة النكراء التي نفذها المستوطن الصهيوني باروخ جولدشتاين في الحرم الإبراهيمي الشريف بمساعدة جيش الاحتلال في صلاة فجر الجمعة بتاريخ 25/2/1994م في منتصف شهر رمضان المبارك ضد الركع السجود ، فقتلوا العشرات وجرحوا المئات منهم ، وعملوا فيما بعد على تقسيمه بالقوة العسكرية ، والسيطرة على أكثر من ثلثيْ مساحته بهدف تحويله لكنيس يهودي مستقبلاً ، فالمؤامرات الاحتلالية التي تستهدفه لا تقل خطورة عن المؤامرات التي تحاك ضد المسجد الأقصى المبارك ، ومدينة الخليل لا تقل عندهم عن أهمية مدينة القدس .

ومن ذلك أيضاً أن سلطات الاحتلال قررت في 21/2/2010م وضع الحرم الإبراهيمي الشريف وغيره من المقدسات الإسلامية على قائمة المواقع الأثرية والتراثية اليهودية ، وقد أكدتُ يومها أن هذا القرار وما شابهه يعتبر من أخطر عمليات التزوير والتزييف للتراث الإسلامي التي استباحت الحقائق التاريخية بهدف فرض أمر واقع على الأرض ، ومع ذلك فهو لا ينشئ لليهود حقاً فيه ، ولا يمكن أن يلغي هويته الإسلامية .

تحركت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) لمواجهة هذا القرار الباطل ، فقررت في 30/10/2010م إسلامية الحرم الإبراهيمي الشريف وطالبت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بشطبه من قائمة المعالم التاريخية الاسرائيلية ، وأكدت ذلك ثانية بتاريخ 7/7/2017م فقررت إدراج المدينة القديمة في الخليل والحرم الإبراهيمي الشريف ضمن قائمة مواقع التراث العالمي المهددة بالأخطار ، ولعل من آثار هذا القرار أنه وجه أنظار المجتمع الدولي إلى حقيقة ما يجري في مدينة الخليل من إجراءات التهويد والأسرلة ، وما تقوم به سلطات الاحتلال من تدنيس لقدسية الحرم الإبراهيمي الشريف وعدوان على حق المسلمين في اداء شعائرهم التعبدية فيه ، وتأكيد عروبة وإسلامية مدينة الخليل وبلدتها القديمة والحرم الإبراهيمي الشريف ، وإبطال الرواية الإسرائيلية حول مزاعمهم فيها زوراً وبهتاناً .

ومن جرائم الاحتلال وعدوانه على مدينة الخليل قيام قواته الاحتلالية قبل أيام بوضع أسلاك شائكة وكونتينر كبير وبرج اتصالات على أرض تعود لعائلة التميمي ، وهي مؤجرة للجنة المعارف المحلية ببلدية الخليل ملعباً للمدرسة الإبراهيمية منذ عدة عقود ؛ إذ إن ملكية هذه الأرض تعود لوالدي المرحوم سماحة الشيخ رجب بيوض التميمي وأعمامه التي آلت إليهم إرثاً عن آبائهم وأجدادهم ، إن ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلية الغاشمة في هذه الأرض منذ عدة سنوات هو إجراء غير شرعي وغير قانوني ، ويأتي في إطار تهويد قلب مدينة الخليل ومنطقة الحرم الإبراهيمي الشريف ، وتفريغ المنطقة من أهلها وعرقلة الوصول إلى الحرم الإبراهيمي الشريف والصلاة فيه تمهيداً لتهويده بالكامل ، لذا فإنني أطالب بلدية الخليل بصفتها المستأجرة للأرض باتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة إجراءات سلطات الاحتلال الإسرائيلية فيها ؛ كونها واقعة في منطقة حساسة من قلب مدينة الخليل ، وأطالب السلطة الوطنية الفلسطينية أيضاً وجميع مؤسساتها بالقيام بواجبها تجاه هذه الأرض ، وأناشد المؤسسات القانونية والمنظمات الحقوقية في التدخل لوقف جرائم الاحتلال في قلب مدينة الخليل وإجراءات تهويدها .

إن سلطات الاحتلال الإسرائيلية ما كانت لتجرؤ على اتخاذ أي قرار عدواني أو إجراء تعسفي ضد مدينة الخليل ومدينة القدس وكل الأراضي الفلسطينية المحتلة وضد أبناء شعبها لولا تلقّيها الدعم الكامل والتأييد المطلقين من الإدارة الأميركية برئاسة ترامب وكل من سبقوه من الرؤساء ، فحتى هذه اللحظة لم نسمع من إدارة ترامب كما لم نسمع من غيره من الزعماء إدانة واحدة لأيٍّ من الاجراءات الاستيطانية المخالفة لقرارات المجتمع الدولي والموجبة لمساءلة إسرائيل ومحاسبتها ومعاقبتها بملاحقتها قانونياً وفرض العقوبات المقررة عليها ، ولم نسمع منهم أية إدانة لسفك الدماء وقتل المدنيين العزل من الفلسطينيين المطالبين بحقوقهم المشروعة م.

وإنني أؤكد مجدداً بطلان إجراءات سلطات الاحتلال في الحرم الإبراهيمي الشريف وفي المسجد الأقصى المبارك وفي سائر المقدسات والمدن الفلسطينية ، لانتهاكها حقوقنا الشرعية الثابتة ، ولمخالفتها مبادئ الشرائع الإلهية والاتفاقيات والمواثيق الدولية ، فالمبادئ القانونية والأخلاقية تحرم ازدواجية العبادة في مكان واحد لأكثر من دين ، وأؤكد أيضاً إسلامية الحرم الإبراهيمي بكل أجزائه وأبوابه وأروقته وقاعاته لا حق فيه لليهود ، وأن هيمنة الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين عليه هي هيمنة غصب بقوة السلاح الغاشمة والتي ستزول بزوال الاحتلال بإذن الله ، وأؤكد أيضاً أن مدينة الخليل المحتلة ستبقى مدينة عربية إسلامية ، وأن الحياة فيها لن تعود إلى طبيعتها ولن يتحقق الأمن والسلام فيها إلاَّ بإزالة المستوطنات وخروج جيش الاحتلال منها .

وأؤكد أيضاً أن الخليل مدينة محتلة كسائر المدن الفلسطينية التي وقعت في براثن الاحتلال عام 67 ، وهي مدينة آبائنا وأجدادنا ؛ مسقط رأسنا ومرقد أنبياء الله والصالحين الأخيار من أسلافنا ، وأن أراضيها ومبانيها ومقدساتها وعلى رأسها الحرم الإبراهيمي الشريف وكل ذرة تراب فيها عربية إسلامية ووقف إسلامي : إما وقف خليل الرحمن عليه السلام وإما وقف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل تميم بن أوس الداري رضي الله عنه ، فهي أرض إسلامية وستبقى كذلك إلى يوم الدين ، ولا يجوز التفريط فيها أو التنازل عنها أو التقاعس عن حمايتها أو إقرار الاحتلال على ممارساته الاستيطانية فيها ، وأن الاحتلال وقطعان مستوطنيه سيرحلون منها كما رحل غيرهم من الغزاة والغاصبين على مدار التاريخ .

وأناشد أبناء مدينة خليل الرحمن الصابرين المصابرين في مدينتهم المحتلة مدينة الآباء والأجداد إلى تكثيف حضورهم الدائم في الحرم الإبراهيمي الشريف لإفشال مؤامرات الهيمنة عليه وتهويده ، والمواظبة على الصلاة فيه ، وأن يتمسكوا بأراضيهم وبيوتهم التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم منذ مئات السنين ، وأن يعودوا إلى السكنى في قلب المدينة وإحياء اقتصادها بالتسوق من أسواقها ومؤازرة أهلها باستحقاقهم الأولوية في أموال الزكاة وصدقات التطوع بأنواعها دعماً لمرابطتهم فيها وتعزيزاً لصمودهم على أرضها ،

وأطالب المجتمع الدولي بمؤسساته ومنظماته العالمية والإقليمية التدخل لحماية شعبنا الفلسطيني من المخططات الإسرائيلية الرامية إلى الاستيلاء على أرضه وممتلكاته وانتهاك مقدساته وحرماته ،

وأدعو أبناء شعبنا وفصائل العمل الفلسطيني كافة إلى الوحدة الحقيقية والترابط والتماسك لمواجهة المؤامرة الكونية الكبرى التي تستهدف هويتنا الفلسطينية وتصفية قضيتنا الوطنية العادلة .