إعلان الإستقلال بين الإسطورة والخيال بقلم:عمر حلمي الغول
تاريخ النشر : 2018-11-18
إعلان الإستقلال بين الإسطورة والخيال بقلم:عمر حلمي الغول


نبض الحياة 

 إعلان الإستقلال بين الإسطورة والخيال 

عمر حلمي الغول 

اليوم تحل الذكرى الثلاثون لإعلان الإستقلال الفلسطيني، الذي كان فصلا مهما في مسيرة الوعد الأبدي لشعب الجبارين، وكإنعكاس لولادة طائر الفينيق الناهض من لعنة الموت والحصار والإجتياح، والمحلق صعوداً إلى لحظة الجلجة في الإنتفاضة الكبرى 1987/1993، حيث عانقت القضية ذرى السماء بعد أن كاد القوادون من معسكر الأعداء تدوين شهادة الوفاة لها، غير ان خروج المارد الفلسطيني حاملا سيف البقاء والوفاء للتاريخ ولمجد الأباء والأجداد أسقط من يدهم الصفحة السوداء، وتماهى مع  طموحات وأحلام الأطفال والنساء والجماهير الفلسطينية وخط بالأحمر القاني الوثيقة الناصعة حاملة اليقين الفلسطيني لولادة المدينة الموعودة ولو بعد حين.  كان الإعلان مجردا وبعيدا عن الواقع، تفصله مسافة كبيرة، رغم ان الراية مرفوعة وخفاقة في ثرى الوطن. لكنه بما حمل من معاني ودلالات سياسية وقانونية حقوقية وإقتصادية وثقافية وإجتماعية تجلى في لحظة إستثنائية من التراجيديا الفلسطينية عندما تعانق فيها الحلم والطموح مع الرغبة بتجسيد فكرة الإستقلال على ثرى أرض الوطن السليب والمثقل بلعنة بلفور وكامبل وهيرتزل ويهوا وبن غوريون ووايزمان وجابوتنيسكي وترامب. 

عبقرية الوطنية الفلسطينية تكمن في إستثنائيتها، وفي كونها لحظة فريدة من لحظات الإسطورة العالمية، ولإنها جمعت بين كل المتناقضات والمتعاكسات، بين الحقيقة والخيال، بين التجريد والملموس، بين الشكلاني والجوهري، بين الثورة وحلم الدولة، بين الموروث الحضاري الكنعاني والألياذة الإغريقية، بين صاحب الأرض والوجود الأصلاني في عمق التاريخ، المتصارع مع الحملات الإستعمارية المتوالية في الحقب الزمانية البائدة، والماسك بناصية الرواية يخط فصولها فصلا فصلا، مدونا بحروف من ذهب صفحات الإنتصار للبقاء وفناء العابرين والمارين.    

تتعاظم الأسطورة الفلسطينية العربية مجددا بتراجيديا سوداء تتشابه وتختلف عما استنبطته الحملات البائدة في الأزمان الغابرة، مع قيام اباطرة المال بتخليق لص مارق بفعل ولادة شيطانية اشبه بعمليات التهجين الحديثة من مركبات جينية مختلفة، واصدروا له شهادة ولادة وإسم، وأورثوه رواية مزورة، ونقلوه على السفن ليحط على الأرض العظيمة ليلوثها بمزامير وأسفار وثرثرات محكومة بكيفية نهب الميراث التاريخي، وسرقة ما على الأرض وما تحتها، ودق أسفين بين الأشقاء في الوطن الكبير، وتمزيق وحدتهم، وتحويلهم لقبائل وعشائر وطوائف وأصحاب مذاهب وهويات ملفقة وقزمية، ليسهل ترويضهم وتبيعتهم لصاحب الأمر والنهي في أرض العم سام. 

التراجيديا الفلسطينية منذ وعد بلفور المشؤوم تزداد إسودادا وقتامة مع كل فصل جديد في مسيرة الصراع مع الكائن العجيب، المدعوم من سادة الكون وخصية القوم، وبؤس الدراويش من الإخوان والزناديق، وسقوط الأشقاء في متاهة العبيد، والتسبيح بمجد اللص البغيض. وكلما إشتدت حلقات الموت، وإتسعت مقاصل الإعدام، وسفح الدم الأحمر القاني من الشريان والوريد الفلسطيني، وأغلقت منافذ الطريق، وأغلق النفق، وتلاشى فيه الضوء ولو من بعيد، كلما كانت شمعة إعلان الإستقلال تضيء الدرب، وتعيد الفلسطيني الكنعاني العربي إلى التحليق من جديد كطائر الفينيق، يصعد من رماد اللحظة لينطلق لفضاء الوعد والهدف المجيد. 

إعلان الإستقلال هو النبوءة الفلسطينية، لإنه يقترن بالرواية والحقيقة والتاريخ والشعب العملاق المفولذ، والمقترن بكفاح عظيم ومديد، ومرتبط بنهر من دماء الشهداء والجرحى وعذابات أسرى الحرية. وهو على ما حمله من معاني ودلالات نظرية وسياسية وقانونية، فإنه كان شهادة ميلاد الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وهو شعلة الثورة والكيان الوليد، ومفتاح الدروب لبلوغ مجد التحرير، وإنبثاق فصل جديد في رحلة الشعب الفريد، صاحب الأسطورة في العصر الجديد ، وسقوط اللص المارق في مزابل التاريخ، ومستنقع بابل السحيق.

[email protected]

[email protected]