يسألونك عن الساعة بقلم:عبد الرحيم صادقي
تاريخ النشر : 2018-11-14
تدبير الزمن ليس عمل هواة، وإنما هو مهمة خبراء بتخصصات متعددة. وإذا أمكن أن يُدبِّر فرد زمنَه الخاص فليس من الممكن أن يبث في تدبير الزمن الجماعي فرد واحد. فما بالك لو كان الزمن زمنَ شعب بأكمله؟ ستتداخل ها هنا العوامل الاقتصادية والحياة الاجتماعية والظروف المعيشية والمعطيات الجغرافية. وهل يكون تدبير الوقت في النصف الشمالي من الكرة الأرضية كتدبيره في نصفها الجنوبي؟ هل تكون المناطق التي يدوم فيها النهار شهورا والليل شهورا كالمناطق معتدلة الليل والنهار؟ هل موقع المغرب الجغرافي هو موقع أيسلندا أو غرينلاند؟ من الواضح إذن أن إغفال المعطيات الطبيعية للبلد ووضعه الاقتصادي والاجتماعي من شأنه أن يُقرّ توقيتا اصطناعيا غير طبيعي. وحصيلة ذلك أن لا يناسب التدبير الزمني أحدا ولا يرضاه أحد. وهو الحاصل في المغرب في أيام الناس هذه.
يحتاج الأمر إلى خبرة وتنسيق بين قطاعات مختلفة، أما الارتجال والعشوائية فنتيجتها هو ما نراه في الشارع. ردّ فعل تلاميذي وسُخط فئات من الشعب أربكَ حسابات الهواة. لا نتصور مثلا أن الذين أقروا الزمن المدرسي الذي يبتدئ من التاسعة وينتهي عند الواحدة، ثم يستأنف في الثانية إلى غاية الخامسة مساء إلا أنهم نسّقوا مع شركات النقل العمومية، أو على الأقل كانوا واعين بإمكانية استعمال وسائل النقل خلال الزمن المذكور. وإلا كيف سيتنقّل الطلاب والموظفون والعمال؟ وكذلك فإن شركة النقل تراعي حركة الناس وحاجاتهم المختلفة. ولذلك تكف الشركة عن العمل ليلا حين تهدأ حركة الناس، وإلا فلن تحصد إلا الخسارة. التنسيق على هذا المستوى والوعي به من بداهات الأمور. لكنه لا يبدو بديهيا لدى أصحاب القرار. ولذلك تركوا فسحةَ ساعة بين الحصص الصباحية والحصص المسائية دون أن يفكروا في مصير التلاميذ وأحوالهم خلال هذه الساعة، ولا أحوال الإداريين والحراس العامين والأعوان وغيرهم. أيمكث التلاميذ في المدارس أم يذهبون إلى منازلهم؟ أتكفي الساعة لذهابٍ وإياب وغذاء وقليل من الراحة؟ والأمر نفسه ينسحب على أساتذة السلك الابتدائي خصوصا. ويزداد الأمر سوءا كلما كانت المنازل بعيدة عن المدارس وأماكن العمل. إذا مكث التلاميذ في مدارسهم فأين يستريحون؟ وماذا يأكلون؟ وأين؟ وإذا رجعوا إلى منازلهم أتُراهم يعودون في الوقت المناسب؟ أليس الذهاب والرجوع مضيعة للوقت والجهد؟ أليس من الأجدر اعتبار الفصول الأربعة لا فصلين فقط؟ ما معنى أن يبدأ العمل في المؤسسات العمومية صيفا بعد أربع ساعات من شروق الشمس؟ ألا يمكن الاحتفاظ بتوقيت غرينتش السنةَ كلها مع تعديل زمن العمل والدراسة بحسب الفصول؟ أليس من الأفضل اعتماد التوقيت المستمر في العمل والتعليم؟ ولنا أن نضع ما نشاء من الأسئلة على هذه الشاكلة.
نعلم أن زمن العمل والدراسة ليس مقدسا ولا منزلا من السماء، ويمكن أن يكون العمل والتعلّم خلال الليل أيضا إذا دعت الضرورة العِلمية والعَملية. لكنها الضرورة بالشروط الموصوفة لا ضرورةُ التوافق مع الزمن الأوروبي وحده. وخلاصة الأمر أن المطلوب معالجة شمولية ورؤية مستوعبة غايتها إحداث التوازن المطلوب. ولا ريب حينئذ أن الأمر يحتاج إلى إبداع واجتهاد من جهة، وإلى إرادة وشفافية وعزم على محاربة الريع والفساد من جهة أخرى. فلو اعتُمد التوقيت المستمر في قطاع التعليم مثلا لتطلَّبَ ذلك تقليص الزمن الدراسي، وهو ما يتطلب تخفيف المقررات الدراسية، ولا يحصل ذلك إلا بمراعاة الكيف والجودة لا الكم والرداءة. ولَوجبَ بناء مدارس تستوعب التلاميذ في الزمن نفسه، ثم توظيف الأساتذة العاملين في ذات الوقت، وما ذلك بمحال، فخرّيجو الجامعات أكثرهم معطَّلون. ولَصار من اللازم إعداد مطاعم للتغذية داخل المؤسسات، وفضاءات للراحة والاستجمام. ولكن القوم يرون ذلك سابعَ المستحيلات، ولكن المستحيل يغدو ممكنا خلال المهرجانات والمناسبات الغوغائية، وفي أثناء النفقات غير الرشيدة.
تلك هي الرؤية الشمولية التي تدرِك أن مسّ العنصر الواحد في بنية متلاحمة يؤثر في باقي العناصر. لكن أصحاب القرار وهِموا أن التدبير الزمني هو إضافة ساعة أو إنقاصها وحسب. وفاتهم -أو فوّتوا- شبكةَ العلاقات وتأثير العناصر بعضها في بعض. فلا غرابة أن يحصدوا الخيبة حتى ولو استقر زمنهم إلى حين.
عبد الرحيم صادقي